IMLebanon

تحقيق IMLebanon: معمل “إسمنت الأرز” مشروع للموت وهذه هي الحقائق!

 

معمل إسمنت الأرز، معمل للحياة… هكذا يسوّق آل فتوش لمعملهم الذي يواصلون بناءه في منطقة عين دارة ناهشين الجبال والأشجار والصخور من أجل انشائه من دون الأخذ بعين الاعتبار المخاطر البيئية التي ستؤدي الى تضرر كبير في الأشجار وتلوث الهواء والمياه الجوفية خصوصا ان هذا المعلم سيتم تشييده داخل حرم محمية أرز الشوف.

آل فتوش يصرون على انشاء هذا المعمل ولو بالقوة فيما اهالي عين دارة يحاولون بالقانون والدلائل البيئية منع هذا المعمل.

مؤخراً بعد أخذ ورد طويل شاهدنا حملة اعلانية مكثفة تبث عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان معمل “اسمنت الارز” مشروع للحياة. فهل صحيح ان هذا المعمل هو مشروع للحياة، أم هو مشروع للموت وفق التسمية التي يطلقها اهالي عين دارة الرافضين لهذا المشروع؟

في الفيديو التسويقي ثمة وعود كثيرة بأن هذا المعمل سيؤمن أكثر من 2000 فرصة عمل وسيساعد لبنان على الازدهار بالإضافة الى تشجير محيط المعمل وتقديم أعلى جودة في نوعية الاسمنت وأن هذا المعمل هو صديق للبيئة!

فكيف يمكن لمعمل إسمنت أن يكون صديقا للبيئة؟ وكيف يمكننا تفسير بث هذا الإعلان التسويقي على وسائل الاعلام فيما هناك علامات استفهام واسعة حول شرعية هذا المعمل من دون أن ننسى الطعن المقدم في مجلس شورى الدولة من قبل أهالي عين دارة؟ وماذا عن علم النفس الدعائي وتصوير السيئات كحسنات؟

الترخيص جاء نتيجة مغالطات عدّة

عضو هيئة المبادرة المدنية ضد إقامة معمل الاسمنت في عين دارة المهندس عبدالله حداد يؤكد في حديث لموقع  IMlebanonأن “الترخيص لمعمل إسمنت الفتوش إخوان جاء نتيجة مغالطات حول تصنيف الموقع ومحيطه تبناها وزيرا البيئة والصناعة، ونتيجة ضرب القوانين الناظمة عرض الحائط، و نتيجة تواطؤ السلطة المحلية السابقة ووزير البيئة السابق مع المستثمر، إضافة إلى ذلك، يأتي هذا الترخيص كمكافأة على الجرائم البيئية المرتكبة سابقاً كما تلك المتمادية في كسارات عين دارة، مع تعمد وزير الصناعة من خارج صلاحياته إعطاء تراخيص لتوسيع رقعتها بدل مطالبة المرتكب بإعادة تأهيل المواقع المنكوبة كما ينص القانون”.

ويلفت الى “طعن في مجلس شورى الدولة مقدم من قبل عدد من الاهالي ورئيس البلدية الحالي، فالبلدية لم تستطع ان تقدم طعنا لان رئيس البلدية السابق كان متخاذلا في هذا الموضوع وترك القضية، لذلك قدمنا الطعن كمجموعة مواطنين ومتضررين، والطعن مقدم بموضوع الترخيص المعطى من وزارتي البيئة والصناعة لهذا المعمل”.

أما في ما يتعلق بموضوع انشاءات المعمل، فيوضح حداد أن “آل فتوش بحاجة لرخصة انشاء لكي يباشروا في بناء المعمل، إلا ان البلدية لم تعطهم إياها وحاولوا الحصول عليها بالقوة أكثر من مرة، وحتى يومنا هذا لا يملكون رخصة انشاءات شرعية من قبل بلدية عين دارة، فيما يحاولون ادخال المعدات بالقوة وآخر حادثة من هذا النوع حصلت في 13 آذار 2017 بحيث دخلت ميليشيا فعلية تابعة لهم وحاولت بالقوة ادخال المعدات والشرطة البلدية تصدت لهم”.

 

 

إسمنت الأرز” حوّل المنطقة الى جحيم والإعلان كاذب

وفي ما يخص الاعلان يؤكد حداد أن “ما يساعد آل فتوش على تصوير ان هذا المعمل هو أشبه بجنة عدن هي التكنولوجيا الحديثة فهي تساعده على تصوير ما يشاء وتحويل كل ما هو سيء الى جيد خصوصا بمساعدة الـPhotoshop والتقنيات الأخرى، بينما هي منطقة يابسة جرداء بسبب اعماله والمشهد تحول الى مشهد مريخي”.

“الاعلان الذي يبث غير صحيح لانه يحاول تصوير المعمل وكأنه جنة فيما كسارات الفتوش اخوان حولت المنطقة الى جحيم، والذي سمح له بالوصول الى نشر الإعلان بهذه الكثافة فهي حاجة وسائل الاعلام للتمويل بسبب الازمة التي تمر بها، بالاضافة الى الانتشار الكثيف للمواقع الالكترونية من دون ان ننسى الاذاعات، فهو لديه وسائل مالية كثيرة تفوق بشكل لا يقاس وسائلنا، فنحن قمنا بحملة بسيطة مقارنة بحملته على وسائل التواصل الاجتماعي”، يشدد حداد.

 

 

 

عين دارة تعرّضت لغش وهذه هي المخالفات

ويكشف حداد أن “موقع المعمل موجود ضمن “كوريدور الأرز” المخصص للزراعة الشجرية الجبلية والنشاطات الطبيعية وموجود ضمن “منطقة الحماية الأساس لمحمية أرز الشوف”  Core Zone التي تصل بشكل غير متقطع بين مشاعات البلدات الداخلة في الحماية”. ويشير الى أن “هذا المعمل يخالف مرسوم تنظيم المقالع والكسارات الذي ينص على أن الترخيص للكسارات هو من صلاحية المجلس الوطني للمقالع والكسارات من ناحية، ومن ناحية أخرى أن أي شركة مخالفة لا يحق لها طلب تراخيص جديدة، خصوصا أن لآل فتوش تاريخا طويلا من المخالفات المرتكبة وتحويل قمم الجبال الصخرية (أي الأملاك العامة) إلى ملكيات خاصة ثم طحنها”.

ويؤكد حداد أن “عين دارة تعرضت لعملية غش مزدوجة من قبل وزير البيئة السابق ومن قبل رئيس بلدية عين دارة السابق، فالأول نفى علمه بوجود دراسة أثر بيئي من أساسها والثاني تعمد عدم الدعوة إلى جلسة المشاركة العامة الإلزامية بعد تلقيه لدراسة الأثر البيئي ثم تعمد تمرير مهلة الطعن (شهرين) بعد تبليغه بالترخيص في شهر تشرين الأول 2015”.

ويكشف ان: “وزير البيئة السابق تغاضى عن جميع موانع الترخيص وقرر الموافقة على دراسة أثر بيئي رغم ملاحظات اللجنة الفنية متخليا عن صلاحياته ومحيلا الملاحظات إلى متابعة وزير الصناعة، خصوصا أن دراسة الأثر البيئي هي حتى اليوم سر من أسرار الدولة اللبنانية وحظرت عنا رغم مراجعاتنا لوزيري البيئة الحالي والسابق”.

 

 

مشروع تهجير والمعركة مستمرة

ويعتبر ان ما يجري “مشروع تهجير لأهالي عين دارة وجوارها لانه لا يمكن ان تزدهر قرية مصنفة سكن وسياحة بيئية في حال سيقام مصنع فيها، من دون أن ننسى والامطار الحمضية التي ستنتج من هذا المعمل لان ليس هناك اي “فيلتر” يعالج انبعاثات ثاني اوكسيد الكبريت التي تحرق الاشجار عندما تتساقط الامطار، فهذا الغاز سينتهي في الارض وسيؤثر على المياه الجوفية”، يوضح حداد.

ويشدد على أن “معركتنا مستمرة في وجه هذا المشروع لانها قضية سيادية وهذا البلد لنا وليس للميليشيات التي تسيطر على مواردنا بقوة السلاح ويجب ان يكون هناك حملات توعية للناس ولابد ان يكون هناك قضاء عادل ويطبق القوانين كما يجب”.

إسمنت وأرز؟!!

مديرة عام شركة Intermarkets / Y&R للإعلانات سارة عسّاف تؤكد لـIMlebanon أن “الإعلان التجاري هو لإيصال رسالة ولكن في بعض الأحيان هذه الرسالة تكون خاطئة إلا أن الادراك الحسي يحولها لحقيقة، لان كيفية تلقي المشاهد الرسالة تصبح الحقيقة وليس الحقيقة الفعلية للمشروع، فإذا المشروع غير جيد ولكن الإعلان يصوره عكس ذلك فالمشاهد سيبدأ برؤية المشروع من ناحيته الايجابية وهذا الامر يعمل عليه علم النفس الإعلاني وهو تغيير النظرة للمشروع وليس تغيير حقيقته الفعلية، لان الحقيقة هي أن هذا المشروع مضر للبيئة فنحن لا يمكننا تغيير الوقائع ولكن يمكننا تغيير نظرة الناس وادراكهم وهذه النظرة تصبح الحقيقة”.

وتضيف عسّاف ان “الأمر الذي لا ينم عن ذكاء هو تسمية المشروع او تسمية المنتج بإسم “إسمنت الأرز”، فكيف الأرز الذي هو طبيعي 100% يتم دمجه بالإسمنت؟ الإسم غير موفق نهائيا، فإذا اردنا ان نوصف مدينة بأنها شنيعة نقول “كلها إسمنت”، والابشع نظريا هو الإسمنت، وهنا يتم وضع الأرزة التي هي رمز لبنان ومفخرته وتمثل الطبيعة والحياة والجمال الى جانب الإسمنت”.

 

 

المال يساعد على الربح في اللعبة الإعلانية

“الشق الآخر من الإعلان، هو وضع كل الأمور الجيدة داخل الإعلان، مثلاً أنه يؤمن فرص عمل وغيرها من الأمور، وما يحاولون القيام به هو أمر كلاسيكي جدا لانهم يلقون الضوء على الامور الايجابية والتعتيم على الأمور السلبية، واختراع أمور ايجابية إضافية من اجل تغليف المشروع”، وفق عساف.

وتوضح أن “من يقوم بهكذا إعلانات عادة يملك الكثير من المال وقادر على تسويقها، بينما الذين يقفون بوجه هذا الإعلان هم أهالي المنطقة غير المحضرين لهذه المواجهة ولا يملكون المال الكافي ليقفوا بوجهه وبوجه الإعلان التسويقي، فالإعلان هو استثمار يجلب المال لأصحاب المشروع، وبالنهاية أي إعلان يتم عرضه هو من أجل البيع وزيادة الأرباح، فالإعلان هو نوع من الإستثمار لكي يستطيع المنتج ان يبيع، في المقابل الأهالي الذين يقفون بوجهه لا يملكون المال لكي يقوموا بإعلان مضاد بل هم يطالبون بوقف المشروع من المحافظة على البيئة وعلى سلامتهم الصحية، وبالتالي صاحب المشروع هو الذي سيربح باللعبة الإعلانية في مكان ما لانه يملك الموارد اللازمة وهو مستعد للصرف على المشروع”.

وسيلة مضادة للإعلان

أما بالنسبة لمواجهة هذا الإعلان الضخم والمموّل، فتؤكد عسّاف أن “اليوم برزت ظاهرة جديدة تتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي ومن دونها لكان نجح الإعلان ومرّ مرور الكرام، ولكن اليوم أصوات المواطنين والأهالي والمتضررين ستصل بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي توصل صوت الجميع، وبسبب وسائل التواصل فأصبح المواطن قادراً على إجبار وسائل الإعلام على نقل صوته والإضاءة عليه ليصبح مادة مضادة للإعلان الذي يتم بثه خصوصا لان الإعلام بدأ يأخذ وسائل التواصل الاجتماعي كأمر جدّي”.

 

 

الكذب ممنوع.. الا في لبنان؟

وتكشف عن أن “بعض الشركات تعتمد أسلوب الـ”CSR” – Corporate Social Responsibility Program أي ان غالبية الشركات تختار قضية وتعتمدها من أجل تلميع صورتها وللتغطية عن الأمور المخالفة التي يقوم بها مثلما يسعى مشروع “إسمنت الأرز” القيام به وهو الإعلان عن أنه سيقوم بتشجير محيط المعمل وأنه مشروع صديق للبيئة، فهو يقوم بتغطية سيئاته ويقوم بتلميع صورته للحصول على الاحترام والموافقة”.

ولكن ماذا عن إعتماد كلمات كمشروع “إسمنت الأرز مشروع للحياة” و”مشروع صديق للبيئة” وكيف يمكن لمعمل إسمنت أن يكون صديقا لببيئة؟ توضح عسّاف أن “شركات الإعلان عادة تحترم عقول الناس ولا يمكنها ان تكذب، فالكذب ممنوع وهناك قوانين صارمة في هذه المسألة ولكن في لبنان الأمور فلتانة مثل كل الأمور التي ليس هناك أي رقابة عليها ولكن في الوقت نفسه الإعلان قادر على إثبات العكس في حال قام المعمل بتشجير محيط المعمل وهكذا يمكنه ان يحمي الإعلان وعدم فقدان الصدقية”.

وتجدر الإشارة الى اننا حاولنا الاتصال بالسيد بيار فتوش صاحب المشروع لمعرفة موقفه من المشروع والحقائق والادلة البيئية المثبتة ضده إلا اننا لم نلق اي جواب.

وكذلك حاولنا الاتصال بوزير البيئة طارق الخطيب لمعرفة اسباب تخاذل الوزارة بشأن هذا الموضوع وكيفية اعطاء الترخيص لهكذا معمل في حرم محمية ارز الشوف ولكن لم نلق اي جواب ايضا.

بين الاعلان والواقع هوة كبيرة فمن يستطيع ردمها؟!