IMLebanon

مبانٍ مجهّزة للهروب وممرّاتٌ تحت الأرض… هنا يختبئ “لوردات” المخدّرات!

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

“متل ما بتصدّرلنا أوروبا وأميركا إرهاب، نحنا منبيعن مخدّرات”. جملة واحدة هزّت المجتمع اللبناني منذ أسابيع، ورفعت منسوب التحدّي، فكيف لأحد أكبر تجار المخدرات أن يظهر بوجهٍ مكشوف على التلفزيون، بـ”جرأة” زائدة عن اللزوم، ومن مكانٍ تعرفه الدولة؟

علي شمص الذي صدّر الى جانب مخدراته، جزءاً من “الحضارة” اللبنانية عبر محطة BBC العالمية، فتّح العيون على تجّار المخدرات. لكن، “القرار مُتّخذ قبل ظهور الفيديو، ومديرية المخابرات تحضّر للقبض على أكبر تجار المخدرات، وقد بدأت ببعضهم والآتي أعظم”، يقول مصدر أمني لـ”الجمهورية”، فماذا يُحضّر؟

قد يكون السبب الأبرز الذي جعل الدولة تتحرّك هو الضغط الخارجي الكبير في هذا المجال، خصوصاً من الدول العربية، وهو ما عزّز أواصر التعاون مع السعودية والأردن بعد اكتشاف عمليات تهريب “كبتاغون” مرات عدة مصدرها جرود السلسلة الشرقية، حيث مناطق “النصرة” و”داعش”، مروراً بالأراضي اللبنانية وصولاً الى الخارج، خصوصاً الى السعودية والأردن، إضافة الى استخدام هذه الأموال في تمويل الإرهاب.

أما السبب الثاني فهو اتّهام أميركا لـ”حزب الله” باستخدامه هذه التجارة لتمويل عملياته ومسلّحيه في سوريا. ليتركّز السبب الثالث على المعطيات المتوافرة عند الأجهزة الأمنية والدراسات الإحصائية التي تجريها المؤسسات، والتي أعطت أرقاماً مخيفة عما آلت إليه الأمور.

نسبٌ مقلقة

80% من مدمني المخدرات في لبنان هم من الرجال و20 في المئة من النساء، إلّا أنّ ما يجمعهم هو أعمارهم التي لا تتعدى الـ50، وانتماء كلّ منهم الى مختلف المناطق الفقيرة والغنية والمسيحية والمسلمة على حدٍّ سواء. أما الأخطر فهو أنّ 32 في المئة من المسجونين في رومية تعود جرائمهم لتهم تتعلق بالمخدرات. وعام 2016 كانت هناك 5440 مذكرة توقيف بهذه التهمة، غالبيتها لأشخاص ما بين الـ18 والـ25 ممَّن يتعاطون المخدرات.

وللجامعات حصّة من هذا الملف حيث تبيّن أنّ طلاب 7 جامعات من الأعرق في لبنان يتعاطون المخدرات داخل أروقتها، ووصلت الأمور الى حدّ توقيف شبكات كانت توزّع المخدرات أمام المدارس، عدا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاستمالة الناس، خصوصاً المراهقين وإغرائهم لشراء المخدرات.

وبين تجار المخدرات هناك مَن يهرّبون الى إسرائيل بالتعاون مع ضباط إسرائيليين، حيث تتمّ الإتفاقات خارج لبنان، ثمّ يُتّفق على نقاط محددة على الخط الأزرق، يرمون خلالها “شنط” المخدرات من نقطة معيّنة في لبنان من فوق السياج، لتُسلّم الأموال في المقابل بالطريقة نفسها في نقطة أخرى حيث تُرمى من إسرائيل.

نتيجة كل تلك الأسباب، وُضع تقرير أمني وسُلّم الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعلى أساسه أُعطيت أوامر للأجهزة الأمنية بالتحرك في هذا المجال تماماً كما تفعل في مجال الإرهاب، خصوصاً أنّ الإرهابيين يلجأون الى هذه المواد لتجنيد الشبان، لكنّ مديرية المخابرات هي التي تؤدي الدور الأكبر حالياً في المناطق الصعبة، لأنّ ثمّة ظروفاً تمنع على قوى الأمن الداخلي الوصول إليها.

أوكار التجّار

تُعتبر الضاحية الجنوبية لبيروت معقل تجارة المخدرات، ويسكنها أكبر التجار، وقد قبض على أحد أهم التجار فيها من آل المقداد منذ أيام وهو مطلوب بـ49 مذكرة، ومن المتوقع أن تكرّ سبحة المطلوبين بعده، لترابط التجار في ما بينهم وإن بطريقة غير مباشرة، لكن ما ميّز عملية الضاحية وأنجحها كان سرعتها ودقتها، ففي هذه العمليات وفي أحياء كهذه تنزل النسوة والأطفال الى الطريق لعرقلة عمل القوة التي تنفّذ المهمة، وهو ما لم يتمكنوا من فعله هذه المرة.

ممرّات تحت الأرض

أبرز ما “يتصدّى” لوصول الأجهزة الأمنية الى هؤلاء الأشخاص هو عملهم ضمن مجموعات محميّة، وتبذيرهم المال على حمايتهم الشخصية التى تصل الى كل المباني المحيطة بأماكن وجودهم، وامتلاكهم مخبرين عن كل حركة غير عادية تحصل في جوارهم. هذا في ما يخص الذين يعيشون في المدن، أما الذين يسكنون الجرود، فالوصول إليهم صعب بسبب انكشاف مخابئهم وسهولة الهروب منها نظراً لطبيعة المناطق هناك.

أما القسم الأخطر من التجار فهم الذين يقطنون مباني مجهّزة ليهربوا منها عبر ممرات تحت الأرض ودهاليز يصعب كشفها، خصوصاً أنّ وثائق أمنية تتحدث عن ارتباط نحو 30 ألف شخص بالمخدرات، أكان على نطاق صغير أو كبير، وهو رقم ضخم بالنسبة الى لبنان.

غطاء سياسي؟

فيما يرى البعض أنّ الغطاء السياسي المعطى لهؤلاء المهرّبين هو ما يستّر عليهم، تُعتبر أماكن سكنهم وتنقلاتهم بوثائق مزوّرة ساتراً أهم، لذلك قلّما يعلن تجار المخدرات عن أنفسهم أو يعرف الناس أشكالهم، باستثناء بعض الذين يظهرون مكشوفي الوجوه، على أنّ كلاً منهم بات “إمبراطوراً” في مجاله، أما البقية فإذا لم تتوافر صور لهم، فيصعب القبض عليهم.

نقمة شعبية…

بقاذف “آر. بي. جي” على كتفه وسيجارة على الطاولة أمامه، ظهر “لورد المخدرات” علي شمص على الشاشات، متحدّثاً بكل “فخر” عن استحالة وصول الأجهزة الأمنية إليه، وهو ما شكّل سبباً إضافياً مستفزاً لها، لتبدأ منذ بثّ الفيديو تحرياتها لتحديد مكانه.

لكنّ السلاح على كتفي شمص لم يمر وكأنه لم يكن، ففيه إشارة الى ارتباط تجارتي المخدرات والسلاح بعضهما ببعض، وهو ما كان يتأكد للأجهزة الأمنية خلال كل دهم، حيث كانت تقبض على أسلحة متوسطة معظمها، في حوزة التجار.

وما برز واضحاً في الأسبوعين الأخيرين، هو تفعيل الأجهزة الأمنية عمليات توقيف تجار كبار في مناطق يُعتبر الدخول إليها محرّماً، خصوصاً مع تمتع سكانها بغطاء سياسي، كالضاحية مثلاً، حيث يحتمي هؤلاء التجار بالأحزاب فيها نظراً لانتمائهم الى عشائر كبيرة ترفد هذه الأحزاب بالأسلحة والمقاتلين، لذلك تتجنّب الدخول في صدامات معهم، وقد بلغ عدد العمليات في الأيام الأخيرة 9 أعمال دهم وتوقيف لها علاقة بعصابات المخدرات، فيما نُفّذ 30 دهماً في البقاع منها مداهمتا شمص وزعيتر.

لكن ما تغيّر أخيراً هو رفع الأحزاب غطاءها السياسي عن التجار وتشكيلها خلية لمتابعة هذا الملف، إضافة الى تقديمها معلومات للأجهزة الأمنية وتسهيلها “تحرّكها” في هذه المناطق، فقيادة “حزب الله” لاحظت أنّ آفة المخدرات باتت مؤذية في المجتمع الشيعي وتضرب الفئات الشبابية نتيجة عوامل عدة، وهو ما ينعكس مشكلات اجتماعية تؤثر على الحزب وعمله وقدراته، خصوصاً مع ظهور نقمة شعبية على هذه الممارسات. ونظراً لصعوبة مبادرة الحزب الى حسم هذا الموضوع، فإنّ الحلّ الأنسب كان تقديم تعاونه للأجهزة الأمنية.

ويكشف المصدر أنّ هذه العمليات ستتفعّل في الأيام المقبلة وسترتفع وتيرتها، ليعلم التجار أن لا غطاء فوق رأس أحد، وهو ما سيجعلهم في حال قلق.

مساهمة في الحلول

وتوازياً مع العمليات التي تنفّذها الأجهزة في الضاحية، عُلم أنّ الحزب اتخذ قراراً بتفعيل حضوره الإجتماعي ومساعدته المعيشية والتربوية لمَن يقطنون في بيئة حاضنة له، وذلك للمساهمة في حلّ جزء من المشكلة، حيث إنه لا يكفي توقيف هؤلاء الناس، بما أنّ السجون لا تُعتبر معالجة للمشكلة الأساسية، خصوصاً أنه تم توقيف شبكات تُدخل المخدرات الى غرفها وقد اوقِفت عناصر أمنية في هذا الإطار.

وما يزيد الطين بلة هو وضع بعض الذين لا علاقة لهم بتجارة المخدرات في غرف التجار نفسها، ما فسّدهم على التعاطي، وعلى رغم زيادة الضغط على السجون، لكنّ هناك رؤوساً كبيرة بعضها على علاقة بالخارج.

ففي تجارة المخدرات هناك مَن يزرعها، مَن يأخذ موادها الأوّلية، مَن يصنّعها، مَن يملك مصانع، مَن يشتريها ويصدّرها، وهناك مَن يستوردها من الخارج ليعيد تصنيعها، أو لـ”يلغمها” ويعيد بيعها، ومع الإرهابيين فقد بات تصنيع المخدرات مهنتهم.