IMLebanon

الحريري: شعار حكومتي إعادة الثقة… وقضيتنا الكبرى حماية لبنان

 

 

أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أن لبنان نموذج للتعدد للشرق كما للغرب.

الحريري، وفي احتفال في مدرسة سيدة الجمهور بمناسبة عيد البشارة، قال: “شعار حكومتي اعادة الثقة يعني الثقة بما يمثله لبنان من قيم يبدو كل العالم بحاجة إليها اليوم”.

وسأل: “إذا كنا مجتمعين حول خير نساء العالمين وهي نقطة التقاء كبير بين الاسلام والمسيحيين فهل يعقل ألا نكون نحن مجتمعين حول لبنان؟”، مضيفاً “لا يزال للبنان اسرى اعزاء لدى الارهابيين لا يمكن ان ننسى قضيتهم والتضحيات التي يقدمونها”.

الحريري أوضح انه ورئيس الجمهورية ميشال عون وجميع المعنيين حريصون على الحؤول من دون اي انقسام في لبنان وقضيتنا الكبرى حماية البلاد من كل ما يحصل حوله من حروب”.

وتابع: “نحمي أنفسنا بوحدتنا وحرصنا على الحوار والوفاق وهما أساس في نظامنا وحياتنا، والأخوة العرب هم في طليعة من يعترف بالنموذج الذي يمثله لبنان وهم حريصون على ان يبقى لبنان تلك الواحدة الفكرية”.

فيما يلي نص الكلمة كاملة: “أيها الحفل الكريم،

يسعدني هذا المساء أن أشارك اللقاء حول سيدتنا مريم عليها السلام، مع هذه الوجوه الكريمة الملتقية على الخير والمحبة، في الذكرى السابعة لإعلاننا هذا اليوم عيداً وطنياً.

إنّ القرار الذي اتّخذته حكومتي يوم 18 شباط 2010، هو من أغلى القرارات الى قلبي، ليس فقط لما تمثله السيدة مريم في الديانتين المسيحية والإسلامية، وقد اجتمعتا على تقديسها وتكريمها في الإنجيل والقرآن معاً، بل لأنّها تجمع.

ونحن في لبنان كنـّا وسنبقى أوفياء لما يجمعنا في التّآخي والإنفتاح وقبول الآخر واحترامه.

إنّ هذا العيد قد ترسّخ في تقاليدنا اللبنانية، ليعطي وحدتنا الداخلية بعداً سامياً يضاف إلى المعاني الوفاقية الأخرى للتجربة اللبنانية وعطاءاتها العابرة للحدود، والتي اختصرها البابا القديس يوحنا بولس الثاني بقوله عام 1989: “إنّ لبنان هو أكثر من بلد. إنّه رسالة حرية ونموذج في التعدّديّة للشرق كما للغرب”.

والحقيقة أنّه من دواعي فخري، شخصياً، أنّ مبادرتنا هنا في لبنان للاحتفال بهذا اليوم قد امتدّت إلى عدد من الدول والمجتمعات العربية والأجنبية.

أيّها الحفل الكريم،

منذ البدء ذكّر دستورنا عام 1926 بأنّ “حرية الإعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها”.

وفي إعلانه ذاك كان لبنان سبّاقاً، كما في مجمل حرياته العامة، ليعبّر في النص والكلمة والتجربة المعاشة، أنّ هذا البلد الصغير الرّقعة، في حسن وفائه لإنتمائه العربي، ما زال نموذجاً حيّاً للمجتمعات المتنوعة بشرياً، بالرغم من كل الأزمات التي مرّ فيها.

لقد جعـلت شعار حكومتي: “إستعادة الثقة”. وهو لا يعني فقط إستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، وإستعادة الإستقرار وإعادة إحضار لبنان في محيطه العربي وفي العالم، بل إنّي كنت أعني أيضاً الثقة بما يمثله لبنان من قيم، يبدو كلّ العالم بحاجة إليها اليوم.

وإنّي أرى في هذه الوجوه الكريمة الحاضرة في هذا المكان، ما يعبّر خير تعبير عن رحابة التّلاقي والأخوّة والتسامح والإعتدال واحترام خصوصيات الآخر. وهذا ما يريحني في اختيار ذلك الشعار.

وإذا كنّا اليوم مجتمعين حول خير نساء العالمين، وهي نقطة الإلتقاء الكبير بين المسيحية والإسلام، فهل يعقل ألاّ نكون، نحن اللبنانيين، مجتمعين حول لبنان؟ وأن يكون الملتقون حول مريم مختلفين حول لبنان؟

لقد عقد منذ أيام في الأزهر الشريف بدعوة منه ومن مجلس حكماء المسلمين مؤتمر حول الحرية والمواطنة: التنوّع والتكامل وصدر عنه إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك والذي اختصر كلمات المشاركين من رجال دين مسلمين ومسيحيين وضيوف كبار من العالم الإسلامي والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وغيرها، الى حضور لبناني بارز من رجال دين ومفكرين يشهدون للتجربة اللبنانية.

فذكر أنّ الدولة والكيان السياسي لا يقومان على الدين بل على العقد الإجتماعي والسياسي بين أهل الموطن الواحد، ودان التّصرّفات التي تتعارض ومبدأ المواطنة وهي الممارسات التي لا تقرّها شريعة الإسلام.

ودعا لشراكة متجددة بين المواطنين العرب، مسلمين ومسيحيين تقوم على التفاهم والإعتراف المتبادل والمواطنة والحرية، متحدثاً عن السفينة الواحدة التي تواجه المخاطر المشتركة.

واسمحوا لي هنا أن أروي لكم حادثةً تـشعرنا جميعاً بالإرتياح وهي أنّي عندما التقيت لأول مرّة قداسة بابا الأقباط تواضروس الثاني قال لي مازحاً : “نحن في مصر صرنا زيّكو نتحدّث عن العيش المشترك”.

أيها الحفل الكريم،

إنّ بعض بلدان العرب ضربتها في السنوات الأخيرة عواصف الحروب على أنواعها، وممارسة الإجرام والإرهاب بإسم الدين، على يد أقليّة ضالّة تستهدف قيم الإسلام وقيم الإنسان.

أين نحن اليوم إزاء هذه التحوّلات في شرقنا العربي وفي العالم، وقد نالنا الكثير من عمليات الإرهاب هنا في لبنان، حيث سقط شهداء أبرياء من المدنيين وشهداء من الجيش اللبناني ومن قوى الأمن الداخلي وسائر الأجهزة، ولا يزال لنا أسرى أعزّاء لدى الإرهابيين لا يمكن أن ننسى قضيتهم، والتضحيات التي يقدمونها.

إننا مدركون تماماً لوسائل حماية لبنان من مختلف النواحي، العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية.

وإننا اليوم حريصون أشدّ الحرص، مع فخامة رئيس الجمهورية في الحكومة وسائر أركان الدولة وقيادات المجتمع، على الحؤول دون أي انقسام.

فإننا اليوم نحمل قضيةً كبرى وهي حماية لبنان في مهب عواصف الشرق، وفي هذه اللحظات التاريخية المفصليّة التي تتزاحم فيها المصالح الدولية والإقليمية على رقع الحرب والدمار.

إننا نحمي أنفسنا أولاً بوحدتنا، بالحرص على الوفاق والحوار، وهما أساس في نظامنا وفي حياتنا.

نحمي أنفسنا بنموذج الإعتدال الذي نمثله وواجب الحفاظ عليه. فنحن أهل الإعتدال. أهل التواصل والتعقّل والتسويات النبيلة.

ونحن ورثاء أجيال من العطاء الفكري والأدبي والعلمي كصورة صادقة عن عطاءات المجتمعات الموحّدة، التي لم تبخل بالبذل في مناخات الحرية.

لأنّ كلّ استبداد هو كمّ للأفواه والأفكار معاً. كلّ استبداد هو تخلّف ونحن اليوم في عصر الإنفتاح العالمي، حيث العالم قرية كونيّة، يتسابق فيها التطور مع التقنيّات المستجدّة كلّ يوم.

إنّ الإخوة العرب هم في طليعة من يعترف بالنموذج الذي يجسده لبنان واللبنانيون، في الحيويّة والإندفاع والإنفتاح والإبداع.

وهم حريصون على أن يبقى لبنان تلك الواحة الإنسانية، قبل الفكريّة. كمحطّة التقاء. كمصدر عطاء للعقول والقلوب المنفتحة.

أيها الحفل الكريم،

كان والدي الشهيد يردد دائماً أنّ ما يجمع بين اللبنانيين هو أكثر بكثير ممّا يفرقهم. وكم كان ليسعد بهذا المشهد الجليل وبهذه الصورة الحيّة للبنان الذي أراده وأحبّه واستشهد في سبيله، لذلك العيش الواحد الذي لم يخل من ذكره أيّ موقف أو تصريح أو بيان وزاري.

وأصارحكم القول إنّي شخصيّاً نشأت وربيت في هذه الأجواء السّمحة والرّحبة. شديد الوثوق برغبة اللبنانيين الحقيقية بالعيش معاً، موحّدين رغم التباينات، ملتزمين بمواثيقهم رغم العواصف الحالية، متطلعين دائماً الى المستقبل على نحو ما يليق بهم.

رجائي أن نبقى دائماً مجتمعين وموحّدين حول خير نساء العالمين، الصدّيقة أم عيسى المسيح، سيدّتنا مريم عليها السلام وأن نبقى دائماً مجتمعين متّحدين لأجل لبنان.

بعدما طلبتم تخصيص طابع بريدي وأرض لبناء مركز “مريم” للحوار بين المسلمين والمسيحيين وساحة في العاصمة بيروت لهذه الغاية، تم الاتصال من قبل الوزير بيار رفول مع فخامة الرئيس العماد ميشال عون، واتفقنا على منح كل هذه الطلبات لكم.

عشتم، وعاش لبنان