IMLebanon

تيمور جنبلاط في مهمة حرب بقاء وسط شرق لا يرحم

كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:

لم يكن إحياء الذكرى الأربعين لاستشهاد “المعلم” كمال جنبلاط برصاص الحقد والفتنة يوماً عادياً في حياة تيمور وليد جنبلاط. فقد توّلى رسمياً وأمام حشود قدّرتها مصادر أمنية بأكثر من 100 ألف شخص الزعامة التقليدية على دار المختارة التي تنتقل من الأب إلى الابن منذ أجيال، واستطراداً قيادة مصير ورسم مستقبل أكثر من 80 بالمئة من أبناء طائفة الموحدين الدروز الذين يدينون بولائهم للدار وسيّدها.

وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ آل جنبلاط السياسي سلّم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط كوفية الزعامة إلى نجله تيمور أمام رئيس الحكومة سعد الحريري وممثل الرئيس نبيه بري النائب علي بزّي في خطوة لم يحظً بمثلها لا وليد الذي تسلّم عباءة والده كمال المغمّسة بالدم ولا سعد الذي تولى المسؤولية بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري.

وخاطب وليد جنبلاط نجله قائلاً “يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وأشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أيّا كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”.

وتحوّل “يوم الوفاء” لكمال جنبلاط إلى تظاهرة شعبية لم يشهد الجبل مثلها حتى في يوم تشييع “المعلّم”، بعدما زحفت قرى وبلدات ومناطق عن بكرة أبيها، فخلت بيوت الجبل ووادي التيم وحاصبيا وراشيا والبقاعين الأوسط والغربي من سكانها، رجالاً ونساء وشيوخا وأطفالا ورضَّعا على الأكتاف، كلّهم حجّوا إلى ضريح المعلّم الذي ملأت صوره كل مكان.

“يوم الوفاء” كان يوماً مشهودا آخر من أيام الجبل أعاد للساحات مجدها وللمختارة شمساً لم تغب، وظلت الوفود الشعبية تتوالى إلى أن انتصف النهار وكان كثيرون لا يزالون على مداخل المختارة والشوف عندما كان الحدث يوشك على النهاية، وبذلك أثبت جنبلاط أنه لا يزال الزعيم الأبرز للجبل وقادراً على تحريك الجزء الأكبر من الموحدين الدروز حين يشاء وكيفما شاء.

متواضع يصغي طويلا

تيمور هو نجل جنبلاط البكر من زوجته الأولى جيرفيت، تخرّج في الجامعة الأميركية في بيروت في العلوم السياسية وتابع دراساته العليا في باريس حيث نال ماجيستير في العلاقات الدولية ودراسات الأمن من جامعة سيانس بو الفرنسية. تزوج من ديانا زعيتر التي تعرّف إليها على مقاعد الدراسة الجامعية ولديه منها طفلان.

بدأ تيمور (35 عامًا) في السنتين الأخيرتين باستقبال الوفود الشعبية التي تزور دار المختارة، قصر العائلة التاريخي، أسبوعيًا، والاستماع إلى مطالبها، كما شارك في العديد من اللقاءات والنشاطات السياسية الحزبية والعامة في لبنان.

واستناداً لعارفيه، فتيمور “متواضع وذكي ويحترم الناس. ويصغي أكثر بكثير ممّا يتكلم”، غير أن الصورة العامة التي تكوّنت عنه لدى الصحافيين الذين يحاولون دوماً الفوز بسبق الحديث معه هي أنه “صاحب شخصية قوية ولبقة وجذابة على كل المستويات وساحر يجذب بطلته وشخصيته وكلامه كل الكاميرات”.

خلال استقباله جنبلاط وابنه في تموز 2015 بارك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إعلان جنبلاط من قصر الإليزيه نيّته “إلباس العباءة” لابنه قائلاً إنه “لا يتصور لبنان من دون أحد من عائلة جنبلاط”.

وبعد عامين على الانخراط الجدّي والمتباعة اليومية للعمل الاجتماعي يستعد تيمور للانطلاق في العمل السياسي بعدما قرر والده العزوف عن الترشح للانتخابات البرلمانية. ولا يزال اللغط يدور حول موعدها الذي كان مفترضاً في حزيران المقبل. وبالتالي ترؤسه لكتلة “اللقاء الديمقراطي” البرلمانية التي ستكون “لائحة تضم خليطاً من المحاربين القدامى والوجوه الشابة الجديدة” على ما قال في حديثه الصحافي الأول إلى الزميلة “الشرق الأوسط” في مطلع اذار الحالي.

نحن موجودون وسنبقى موجودين

من المؤكد أن مهمة الزعيم الجديد لن تكون سهلة، فالقضية بالنسبة إلى تيمور هي قضية بقاء سياسي ودرزي، فهو حفيد الزعيم الوطني والعربي والإنساني الذي “جازف في السير ضد التيار” ورفض “الدخول في السجن العربي الكبير” ودفع حياته ثمناً لموقفه، ونجل الزعيم الذي تعلّم كيفية “الإبحار مع التيار” فثبّت موقعه وموقع الطائفة التي وصفها يوماً بأنها أصبحت مثل “الهنود الحمر على حافة الانقراض” وهمّه الوحيد كان في كيفية المحافظة عليها وتجنيبها مخاطر “الأقلية والأكثرية”.

ربما لأنه شعر بعبء مسؤوليته التي لا تخفى على عاقل أراد تيمور أن يكون ردّه على كل المحاولات التي تبذل في سبيل إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية يبدو واضحاً للمتابعين أنه يصاغ برغبة دفينة لتحجيم دور وليد جنبلاط والموحدين الدروز بأن قال أمام وفود شعبية زارته كالعادة في نهاية الأسبوع في المختارة “نحن موجودون وسنبقى موجودين”.

وأوضح أن “هناك كثر يهاجموننا. وأنا أردت أن أوجه لهؤلاء رسالة بسيطة مفادها أنه مع انتخابات ومن دونها ووفق أيّ قانون أكثري أو نسبي أو مختلط نحن سنبقى موجودين ولا أحد قادر على إلغائنا”.

حجر الزاوية

يدرك تيمور جيداً أن في هذا العالم الذي بإمكان المسيحيين أن يجدواً معيناً لهم في الغرب وأن يجد الشيعة ملاذاً لهم في إيران والسنة الذين يبحرون في محيط الأكثرية في هذه المنطقة فإن الموحدين الدروز ليس لديهم أيّ عمق أو أفق يستنجدون به، لذا فإن خط الدفاع الوحيد أمام وجودهم في هذا الشرق هو أنفسهم دون غيرهم.

كان تيمور قد عبّر عن قناعته بهذا الواقع حين قال “إننا نعيش في لبنان حيث لكل طائفة زعيمها الذي يفترض به رعاية أمورها وقيادتها في هذا البحر الهائج الذي تضرب أمواجه لبنان ودول المنطقة”، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه يدرك صعوبة التجربة التي تنتظره والتي ينظر إليها بتفاؤل إذ أنه “واثق من كفاءة فريق العمل الذي يسانده في عمله”، كما أنه يحتفظ بـ “أكبر معلّم” وهو والده وليد جنبلاط.

في هذا الإطار تحديداً، أكانوا من محبيه أو كارهيه، مؤيديه أو معارضيه، إلا أن الميزة الوحيدة التي جمعتهم كلهم هي تأكيدهم على أن وليد جنبلاط هو السياسي الأبرع الذي تمكّن طيلة 40 عاماً من عمله في الشأن العام أن يشكّل حجر الزاوية في كل المحطات التي مرّ بها لبنان ووجوده إلى جانب تيمور لتثقيفه وتوجيهه هي ميزة يحسده عليها كثيرون من الطامحين في ولوج باب الخدمة العامة.

ويؤكّد تيمور أنه “يجب علينا التركيز على قضايا الناس. الناس بحاجة إلى رؤية التغيير، وإلى رؤية وجوه جديدة شابة. وهذا ما يريده والدي من خلال دعمه لي ومساندته إيّاي في التوجّه نحو العمل السياسي. وآمل أن أقدم شيئا جديدا ومقبولا، وأن يحكموا عليّ من خلال أدائي ومن خلال أفكاري، وألا يؤيدوني أو يعارضوني من خلال تأييدهم أو معارضتهم لوالدي”.

من الواضح أن تيمور لا يحب الزعامة التقليدية ولا الإقطاع ولا الطريقة القديمة في التعاطي مع السياسة. وهو إن كان له الحق في المفاخرة بأنه ولد في كنف زعيم استثنائي، إلا أنه من المؤكد أنه يرغب، كما كلّ الشباب الجديد، في بناء حيثية خاصة به وأن يكون إنجازه مرتبطاً به وليس بمورّثه وهو أكّد على ذلك بالقول “أنا ابن زعيم، وهذا لا يجعلني تلقائيا زعيما. الزعامة تحتاج إلى عمل وجهد، وآمل أن أوفّق في تقديم نموذج إيجابي. ويمكن على الأقل للناس أن تطمئن إلى أني سأكون صريحا جدا معهم في كل الشؤون التي تهمهم”.

لكن في العودة إلى مشهدية الأسبوع الفائت، فإن في زحف دروز لبنان إلى المختارة خصوصية ينبغي على تيمور الحفاظ عليها في بلد تنخره المذهبية منذ نشأته في عام 1926 إلى اليوم. فقد كان المشهد أشبه بـ”موسم حج” ومبايعة لتيمور بغرض الحفاظ على هذا الموقع واستمراريّته.

وبما أن الموسم الانتخابي في أوجه ربما كانت الرسالة الأهم التي وجهها الدروز الجنبلاطيون أمس تقول “نحن الرقم الصعب في الجبل”، وهذه الرسالة على أهميتها “سيف ذو حدين” على تيمور امتشاقه ومعرفة كيفية الضرب به.