IMLebanon

استعراض القوة والرسائل الخمسة المشفّرة (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

لم يفاجئ “حزب الله” اللبنانيين باستعراض “القمصان السود” المتجدد في برج البراجنة في الضاحية، ولم تنفع التبريرات الواهية التي ساقها الحزب في محاولة للتخفيف من وقع فعلته. فلا تجربة القمصان السود هي تجربة جديدة على اللبنانيين بعد كانون الثاني 2011، ولا الاستعراضات العسكرية والمسلحة جديدة وآخرها كان الاستعراض الشهير في القصير.

ولكن إذا كان استعراض القصير جرى خارج الأراضي اللبنانية وقد يكون حمل رسائل ليس بالضرورة داخلية، فإن استعراض برج البراجنة حمل رسائل بحت داخلية سواء من ناحية الشكل أو المضمون أو التوقيت.

ففي التوقيت كان لافتاً أن الاستعراض أتى بعد ساعات قليلة على الاجتماع الأمني الموسّع الذي عُقد في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون، ما شكّل استهزاءً بالسلطات الرسمية والأمنية، ورسالة مباشرة إلى العهد وإلى رئيس الجمهورية بأن الأمر على الأرض هو لـ”حزب الله” وليس لأي جهة رسمية، وخصوصاً بعد الحديث عن قرار كبير بإجراء مداهمات تطال رؤوسا كبيرة في الضاحية والبقاع الشمالي، وتسريب أن مداهمات تمت لمنزل نوح زعيتر وغيره. هكذا جاء الاستعراض ليقول إن القرار بالمداهمات هو ملك للحزب وليس للدولة، وأن السلطة على الأرض هي للحزب وليس للأجهزة الرسمية.

وقد يكون ما سبق يشكل إحدى الرسائل في المضمون إلى أهل الضاحية الجنوبية والبقاع الشمالي بأن لا يظنوا ولو للحظة أن بإمكانهم الاعتماد على الدولة أو الرهان عليها، وبأن مرجعهم الوحيد هو “حزب الله”.

أما في السياسة فكانت الرسائل مشفّرة ومتعددة الاتجاهات:

ـ الرسالة الأولى للعهد الجديد وللرئيس عون ومفادها أن حدود أي تصعيد سياسي، وخصوصاً في موضوع رفض التمديد والتهويل بالفراغ النيابي مرفوض، وأن “حزب الله” لن يتردد في القيام بكل ما يلزم لتحجيم العهد في حال قرّر الذهاب في المواجهة بعيداً، لأن موقع رئاسة مجلس النواب خط أحمر بالنسبة إلى الثنائي الشيعي، ولأنه ممنوع المسّ بالموقع الشيعي الأول في الدولة.

وقد تكون النتيجة المباشرة لهذه الرسالة الأولى بأن يتساهل رئيس الجمهورية في موضوع التمديد لمجلس النواب تحت شعار “الضرورات تبيح المحظورات”، وذلك بانتظار أن يتم التوافق على قانون جديد للانتخابات.

ـ الرسالة الثانية لرئيس الحكومة سعد الحريري بعد زيارته إلى المملكة العربية السعودية برفقة الملك سلمان بن عبد العزيز للتأكيد له بأن لا عودة للسعودية إلى لبنان الذي سيبقى ساحة مستباحة لإيران في معركتها مع الدول العربية والغربية.

ـ الرسالة الثالثة لرئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل، وذلك كرد مباشر على محاولة باسيل رفع السقف بوجه الحزب، سواء في مقابلته ضمن برنامج “بموضوعية” مع الزميل وليد عبود، أو في خطاباته خلال زيارته الأسترالية، وذلك للقول إن من يحسم الأمور هو القوة على الأرض وليس الاستعراضات السياسية.

ـ الرسالة الرابعة لكل الأطراف اللبنانية في موضوع ملف قانون الانتخابات النيابية للتأكيد بأن لا قانون سيتم التوافق حوله غير قانون النسبية الذي يباركه “حزب الله”، مهما تم إغراق السوق السياسية اللبنانية ببازارات قوانين الانتخاب. فالحزب كرّر أكثر من مرة بأن ما جرى في الانتخابات الرئاسية سيتكرر في ملف قانون الانتخابات، وبأن لا مفرّ من العودة إلى القانون الذي يريده الحزب.

ـ الرسالة الخامسة تحمل أبعاداً إقليمية ودولية في ظل كل ما يجري في سوريا من توافق أميركي- روسي سار به رئيس النظام بشار الأسد بعد التصريحات الأميركية المطمئنة حول بقائه، والذي يقضي بإخراج إيران من الحلبة السورية مع كل ميليشياتها الإيرانية، وفي طليعتها “حزب الله”، وما يُحكى عن الاستعداد لتوجيه ضربة قاسية إلى الحزب في سوريا. ومضمون هذه الرسالة أن أي سيناريو من هذا النوع سيلقى رداً مباشراً في الداخل اللبناني وقد يتوسّع ليشمل تحريك جبهة الجنوب اللبناني بهدف إعادة خلط الأوراق في المنطقة.

وفي انتظار فك شيفرات الرسائل ومعرفة الأجوبة من الأطراف المتلقية، الثابت الوحيد يبقى بأنه وجّه ضربة قاسية جداً للعهد ستبقى ارتداداتها تتفاعل لفترة ليست بقصيرة.