IMLebanon

خرق سوري فادح للعَمَالة اللبنانية شمالاً

 

 

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

في دارة المحافظة وفي مكتبه يستقبلنا محافظ الشمال رمزي نهرا للحديث عن العمالة السوريّة وتبعاتِها التي أرخَت بظلالها على عمله منذ تسلّمِه مهامَّه. المكتب مكتظّ بالمواطنين الذين يأتون مجموعاتٍ وليس أفراداً شاكين «جارَهم السوري» الذي ينافسهم بعدما افتتح محلّه قرب محالّهم، في ظلّ عجزهم عن المنافسة. ويؤكّد بعض الذين التقيناهم أنّهم يعتبرون السوريين أشقّاءَهم ولا يقدّمون شكواهم بدافع عنصريّ، بل يحاولون حماية لقمة أبنائهم.يشرَح محافظ الشمال معاناة أهل الشمال، فيقول لـ«الجمهورية» إنّه وبما يمثّل يرحّب باللاجئين السوريين ولكن ليس على حساب أبناء وطنِه، فهو حسب تعبيره «لديه مهمّة مقدّسة تقضي بحماية اليد العاملة اللبنانية، ولا يمكن السماح بأن يصبح السوريون أصحابَ الوطن ونصبح نحن اللاجئين في أوطاننا».

أمّا عن الشكاوى التي تتوالى يومياً إلى المحافظة، فيقول نهرا إنّها تأتي بالمئات، وللمفارقة أنّها تأتي عبر مجموعات لا أفراد، فهناك السائقون العموميون وأصحاب الباصات ومجموعة المزيِّنين والحلّاقين ومجموعة من أصحاب المحالّ في الأسواق الشمالية، لافتاً إلى أنّ السوري اخترَق كلَّ القطاعات وأصبح «يضرب» التجّار اللبنانيين الكبار، فلم يترك قطاعاً إلّا واخترَقه، داعياً المستثمرين إلى عدم «تفضيل العروض السوريّة مقابل العروض اللبنانية من أجل حفنةٍ زهيدة من الأموال، لأنه بذلك يطيح بعمالة ابنِ بلده التي مِن المفترض أن تكون أولوية».

لكنّ نهرا يُقرّ في المقابل بأنّ أغلبية اللبنانيين يؤمنون بذهنية التوفير، ولكنْ لا يمكن مقايضتُها حتى على حساب عمالة اللبنانيين، مشدّداً على وجوب أن ينطلق الوعي من ذهنية المستثمر اللبناني أوّلاً وبعدها تأتي مهمتُنا بالتنفيذ على الأرض لِما نحن قادرون على تنفيذه.

ويكشف نهرا أنّ أصحاب تلك المحالّ يستخدمون أجَراء غيرَ لبنانيين من دون الحصول على إجازات عمل، فينافسون اليد العاملة اللبنانية، وقد وجّهت إنذارات اليهم وتمّ تنظيم محاضر ضبط في حقّ المخالفين منذ أكثر من أسبوعين لتسوية الوضع، ولم يلتزم أصحاب العمل بالمهلة ولا بالقوانين المرعيّة، لذلك أقفَلنا محالّهم تنفيذاً لقرار الوزير ووفقاً لصلاحياتنا.

وفي السياق، يكشف نهرا عن إقفال خمسة محالّ مخالفة لأحكام مرسوم تنظيم عمل الأجانب صباح أمس بالشمع الأحمر في طرابلس والبدّاوي، وهي: مطعم «بروستد سبسيال» شركة «تامر السواس» (محل حلويات)، ملحمة الفضيلة، ومحلّ معجّنات (محمد صلاح الدين عبد اللطيف)، اللورد للدولار (وان دولار).

العمالة السورية

أمّا عن العمالة السورية، فيقول نهرا: بدأنا بمكافحتها منذ سنة بعد قرار صدرَ عن وزير العمل السابق سجعان قزي يقضي بإيقاف أيّ أجنبي يحاول مزاولة مهنة معيّنة.

ويَلفت إلى أنّ 180 مهنة لا يستطيع العمّال الأجانب مزاولتَها داخل لبنان، «وعندما نتكلّم عن أجانب لا نخصّص فقط العمالة السورية بل الجاليات الأجنبية بكلّ ألوانها، لكنّ السوريين في غالبيتهم الساحقة هم مَن يحاولون مزاولة هذه المهَن الممنوعة أكثر من غيرهم وذلك بسبب كثافتهم، والملاحظ اليوم أنّ السوريين يحاولون ولوجَ جميع المهَن في لبنان بلا استثناء، والمفارقة أنّ العمالة التي يحقّ للعامل السوري مزاولتَها في لبنان مغايرة لطابع العمل والمهَن التي يحاولون إحداثها اليوم.

فالجميع يَعلم أنّ السوري يأتي للمساعدة في البناء أو كمزارع أو ناطور، لكن ما نشهده اليوم خصوصاً في محافظة الشمال أنّهم يحاولون افتتاحَ محالّ متنوّعة من صالونات حلاقة، مسالخ، مطابع، سوبرماركت، حتى إنّهم يعملون في الطبابة، وفي المستشفيات إذ يَدخلونها على أساس عمّال تنظيفات وفجأةً ينتقلون إلى التمريض، فيما يحاول حتى بعض الأطبّاء السوريين مزاولة أعمالهم عبر فتح عيادات خاصة في منطقة الشمال».

ويؤكّد نهرا: «لا يمكن أن نتساهل في هذا الأمر، وإذا كنّا نحافظ على لقمة عيش أبناء بلدنا فهذا لا يعني أنّنا عنصريون، وإذا حاولنا إيقاف أولئك ومحاربتَهم فهذا لا يعني أنّنا نضطهدهم».

ويَشرح نهرا عمل المواطن السوري في لبنان بالقول: «يستطيع العملَ كعاملٍ وليس كمهندس تقني أو كطبيب، يستطيع العملَ على محطة (بنزين) أو عامل زراعي أو ناطور، ولا يحقّ له العمل «كمعلّم» لورشة بناء، إنّما كعامل عند «صاحب الورشة»، أمّا اليوم فعندما تجولين على ورَش العمل تجِدين المعلّم ومديرَ الورشة سوريّين».

لذلك انقلبَت المقاييس في لبنان بنسبة مخيفة إلى درجةٍ لم يعُد الوضع يتحمّل الانتظار، ودقّ ناقوس الخطر. «لذلك قرّرنا قمعَ هذه الظاهرة، ونتابع اليوم بمؤازرة وزير العمل محمد كبارة الذي يُساندنا بتجاوبه في مكافحة هذا التوسّع المهني السوري، بإرسالِ مفتشين من الوزارة، كما تمَّ إنشاء لجنة رقابة وتفتيش مشترَكة بين وزارة العمل وبين محافظة الشمال للكشفِ على كلّ المحالّ والمؤسسات لمعرفة هل مالكوها سوريون أو يعمل فيها غالبية من السوريّين من دون إجازات عمل شرعية ورسمية، وعليه أصدرَ وزير العمل قراراً بإقفالها بالشمع الأحمر، والتزمت البلدية بتنفيذ القرار». ويشير نهرا إلى أنّ المحافظة اتّخَذت قرارات كثيرة بالإقفال في مختلف الأقضية الشمالية، في البترون وزغرتا وطرابلس والمنية.

التسوية

ويقول نهرا: «ليس هناك نصٌّ في القانون يجيز للمواطن السوري الحصولَ على غير إجازة العمل كعامل فقط، أمّا الباقي، إذا وُجد، فهو تزوير أو مخالف للقانون».

وعن التسوية، يقِرّ نهرا بأنّه يمكن تسميتها أحياناً مواربة، وهي تتمّ، ويَصعب القبض عليها بعد الاتفاق بين المالك اللبناني والعامل السوري على جعلِ ما هو باطل مشروعاً، ومواجهتُها صعبة لأنه يَلزمها مؤازرةُ فرعِ المعلومات والاستقصاء للمساعدة على كشفِ الاتفاقية بالتحديد إذا ما كانت مواربة قانونية، وكيف تمّت.

مؤكّداً أنّ المواربة يلزمها إثبات. فعندما يكون صاحب العمل لبنانياً وراضياً يعود الأمر لضميره الوطني ومواطنيته، لأنّ الأمر لا يضرّ فقط بالاقتصاد بل بالعمالة اللبنانية.

ويقدّم نهرا مثلاً عن ملحمة يملكها سوريّ وتبيع بأسعار أرخَص، لأنّها معفيّة من الضرائب «وفي ظلّ نسبة الفقر الفادحة في محافظة الشمال لا يمكننا لومُ الناس إذا اختاروا الأرخص»، كاشفاً أنّ المواطنين لا يشتكون سياسياً أو لأنّهم عنصريون، بل لأنّ السوري يأخذ مكانَهم، جازماً بأنّه بعيد عن كلّ أشكال العنصرية. وكلُّ ما في الأمر أنّه يحاول حماية لقمة عيش أبناء وطنه.