IMLebanon

أوجاعكم الجسدية غير موجودة… إلّا في نفسياتكم!

 

كتبت جنى جبور في صحيفة “الجمهورية”:

كثيرة هي المشاكل الطبّية العضوية التي تجمع بين مختلف الناس في العالم وخصوصاً في لبنان. فمن منّا لا يؤلمه عنقه أو ظهره، أو يعاني آلاماً مختلفة في أمعائه وأخرى على مستوى رُكبه. ولكن هل فكرتم أنّ لا سبب عضوياً لهذه الأوجاع وأنّ نفسيتكم هي السبب الأساسي لها؟

في السابق، كان الطب يفصل الاضطرابات النفسية عن الأخرى الجسدية، أمّا اليوم فزاد الوعي عن أهمية هذا الارتباط وقوته وكأنّ للمجلين كياناً واحداً، لا يمكن الفصل أو التفرقة بينهما، خصوصاً أنّ النفس تنعكس بشكل مباشر وواضح على الجسد والعكس صحيح.

وفي هذا الاطار كان لـ”الجمهورية” حديث خاص مع الاختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية الدكتور كارول سعادة التي شرحت “أهمية مجال اضطرابات النفس-الجسدية، والذي يؤدي دوراً مهماً اليوم، إذ انّ جسمنا يتولى مهمة التعبير عن الامور المكبوتة داخلنا عبر انعكاس بعض الأمراض العضوية في اللاوعي”.

الظهر والجلد والامعاء

تؤدي اضطرابات النفس – الجسدية دوراً متبادلاً فإذا تأثرت النفس ظهرت المشاكل الجسدية والعكس صحيح، وبحسب سعادة “لكلّ شخص نقاط ضعف معينة على مستوى الجسد، والتي تكون قابلة للتأثر عند ظهور الاضطرابات النفسية، ولكن بشكل عام تلمس غالبيتها الجلد فتظهر الحساسية والاكزيما، كذلك تنعكس على الجهاز الهضمي الذي يتأثر بالقلق والخوف، فتظهر وبشكل كبير آلام الأمعاء والمصران والكولون وارتجاع المريء، إضافة الى الاصابة بالربو والصداع النصفي.

وترتبط كثرة الهموم والعمل والضغط النفسي والخوف بأوجاع الكتف والظهر والركب. وفي هذه الحالات، لن يحسّن العلاج الجسدي بالطبع من وضع المريض. في المقابل، يخلق التعب وقلة النوم وسوء الغذاء حالة قلق واكتئاب، ويفيد المريض تحسين نوعية حياته للتخلّص من هذه المشاكل النفسية”.

التعنيف المنزلي والقولون العصبي

تتكدس الاضطرابات النفسية في لاوعي الانسان، ويحاول الهروب من هذا الصراع الداخلي عبر الاحتماء بالاوجاع الجسدية من دون أن يعلم سببها.

من هنا ترى سعادة “أهمية التعبير عن هذه الصراعات والتكلم عنها للغير، والتوجه للعلاج اذا تفاقمت، للحدّ من مضاعفاتها على الجسم. ويظهر أهمية المحيط في دعم المريض والسماح له بالتعبير على راحته وإلّا عبّر الجسد عن هذه الاضطرابات، وعلى سبيل المثال كشفت دراسة جديدة عن وجود علاقة وثيقة بين التعنيف المنزلي والقولون العصبي.

كذلك، هناك الكثير من الأشخاص الذين يستفيدون من الأوجاع المتكررة الناتجة عن الاضطرابات النفسية لجذب اهتمام المحيط ولفت نظره والحصول منه على العاطفة اللازمة، وهذا يبدو واضحاً عند كبار السن الذين لا يعانون أسباباً طبية تفسّر أوجاعهم العضوية”.

الشخصيات المُعرّضة

يعتبر الرجال أكثر عرضة من النساء من ناحية الاصابة، خصوصاً أنّ المرأة تعبّر أكثر عن نفسها، وهذا ما يفسر مشاكل القلب المرتفعة التي ربطتها الدراسات بهذا الموضوع. وفي هذا السياق، تعتبر سعادة أنّ “هناك شخصيات معينة معرضة للاصابة أكثر من غيرها، لا سيما الذين يتأثرون بالامور العاطفية، والذين لا يحللون الامور على المستوى الفكري والمنطقي، كذلك الشخصيات التي تَرَبّت في جوّ من القلق والمبالغة في ما يتعلق بصحة الجسد، فهؤلاء يستثمرون أجسادهم للتعبير عن أوجاعهم النفسية”.

الإصابة المرتفعة في لبنان

تعتبر اضطرابات النفس – الجسدية شائعة جدّاً في لبنان، و”أكثر من ما يمكن للعقل أنّ يتخيل”، بحسب تعبير سعادة التي أشارت الى أنّ “عياداتنا وعيادات أطباء الصحة تؤكد هذا الموضوع، وهذا ليس بغريب، خصوصاً مع الضغوطات التي نعانيها في بلدنا، والتي تنعكس على صحتنا بشكل مباشر.

ولكن ما زال عدد كبير من الناس يعانون “عقدة” الطبيب النفسي على رغم أهمية التواصل بين طبيب الصحة والمعالج النفسي، لأنّه في حال لم يجد طبيب الصحة أيّ سبب عضوي للأوجاع، من الضروري نصح المريض باستشارة اختصاصي في علم النفس، خصوصاً أنّ الدواء لن ينفع في هذه الحالة ولا حتّى الجراحة، فمثلاً دواء الاكتئاب والقلق يخمد العوارض لفترة معينة ولكن الاوجاع ستظهر مجدداً في غير أعضاء وبطرق مختلفة”.

حب الجسد

الى ذلك، يوجد بعض الاختصاصات في العلاج النفسي التي تعمل على النفس والجسد، وتشرح سعادة: “نصالح المريض مع جسده ونعلّمه أن يحبه، ونُفهمه أنه ليس فقط لتحمّل الأوجاع ونعالج طريقة التفكير والتعبير.

بعدها، نُفهمه الترابط بين نفسيته وجسده الذي يمكن أن يعطيه الاشارات التي تدلّ على الإضطرابات النفسية. أمّا العلاج الاصعب فيكون في كيفية جعله يتخلّص من التفكير السلبي الذي يولد عند المرضى نتيجة الأفكار السلبية التي يفكر بها الشخص، والتي تكون مغلوطة أو التي تستبق القلق والنتائج السلبية”.

وتضيف: “العلاج لا يرتكز على الدواء الذي يمكن أن يكون سنداً لوقت معين في حال كان هناك حالة اكتئاب كبيرة. أمّا الشفاء فيتركّز على قابلية الشخص على العلاج والمثابرة فيه، فعندها لن يكون الجسم وسيلة للتعبير عن الصراعات الداخلية، فتختفي العوارض بعد تعلّم كيفية التعبير عنها.

وبما أنّ النفس والجسد كيان واحد، يفيد العلاج النفسي حتى بالأمراض الجسدية التي يكون سببها عضوياً، من ناحية التفكير بإيجابية ورفع نزعة الحياة عند المريض”.

طرق بديلة

لكل إنسان حياته النفسية، وأمور لا يمكنه أنّ يفهمها من تلقاء نفسه فيأتي اختصاصي النفس لمساعدته في هذا الموضوع، ولكنّ كثيرين هم الذين يرفضون هذه المساعدة، وتَلفت سعادة الى “وجود طرق إيجابية تسمح للمريض بمساعدة نفسه، كتحسين طريقة عيشه وغذائه، وممارسة الرياضة”.

نصائح للمحيط والمريض

الى ذلك، كأيّ مرض من الأمراض النفسية يؤدي المحيط دوراً أساسياً في حياة المريض، وتنصح سعادة في هذا الاطار “أن يفهم المحيط حاجة الشخص الى التكلّم عن مشكلته، والإصغاء اليه وإعطائه الوقت الذي يحتاجه للتعبير عن مشاكله، وألّا يستهزأ بأوجاعه، ودعمه لتحسين حالته.

بدوره، على المريض أن يحبّ جسده وألّا يجعله مصدراً للازعاج والألم، وأن يتصالح ويتعامل معه بطريقة إيجابية، والحدّ من جعله ضحية للصراعات التي تعيش في داخله”.