IMLebanon

سمير فرنجية… عندما يهوي العمالقة! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

حمل سمير فرنجية فكره وإيمانه بلبنان ورحل. زمن المفكرين يضمحلّ وزمن الإيمان بلبنان الدولة وبالحرية والسيادة والاستقلال يتلاشى.

طوى سمير فرنجية أوراقه وبيانات 14 آذار ووثائقها ونداءاتها، من دون أن ييأس يوماً من اللبنانيين رغم كل الخيبات التي أصابته نتيجة أداء السياسيين. بقي دائماً وأبداً مصراً على أناقة الكلمة وحزمها في مواجهة السلاح على أنواعه، وعلى سلاح الموقف في وجه كل أنواع الترهيب والتبعية.

هو ذاك اليساري الهوى لا الإقطاعي الانتماء، وهو المنتفض على الوراثة السياسية من أجل الأدوار الفكرية، والباحث دوما وأبداً عن مبادرات تلاقٍ بين اللبنانيين لم يملّ يوماً من تلمّس سبلها.

هو اللطيف في حواراته إلى حد الأناقة، وهو الثابت في مواقفه إلى حد الصرامة، وهو المؤمن بانتصار لبنان إلى حد البشارة.

من يعرف سمير فرنجية يدرك حجم الأدوار “التصالحية” التي لعبها منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان وصولاً إلى تحالف قوى 14 آذار، وما تخلّل كل تلك السنوات من جلسات لم تستثن أي طرف لبناني، ومن حوارات تمحورت حول جوهر واحد اسمه لبنان.

كان يعرف دائماً كيف يدوّر الزوايا من دون أن يتنازل عن المبادئ. استطاع أن يبني المساحات الوطنية المشتركة بين القوى التي كانت متخاصمة خلال الحرب، وهو كان صاحب مبادرات حوارية حتى خلال أيام الحرب وما بعدها، ولم يتوقف يوماً عن البحث التقاطعات الضرورية بين اللبنانيين.

أدرك أن صخرة الاستقلال الثاني لا يمكن أن تُبنى إلا على صخرة بكركي مار نصرالله بطرس صفير فكان أحد عرّابي لقاء “قرنة شهوان”. لم يقتنع بأن المسيحيين وحدهم يريدون الحرية والسيادة والاستقلال في لبنان، فنسج مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري خيوط تلاقٍ وطنية تجسّدت في لقاء البريستول، يوم كان التهديد الأسدي للحريري في أقساه. ويوم استشهد الحريري عرف كيف يثمّر دمه في إطار ثورة وطنية لا طائفية، فكان صاحب مطالعات رائعة مع رفاقه الأبرز: فارس سعيد، والراحل نصير الأسعد والشهيد سمير قصير.

لن نؤرّخ اليوم لسمير فرنجية، فالتاريخ سيحتاج إلى وقت طويل ليكتب عن كل ما فعله وكتبه فرنجية. ما يهمني اليوم أنا رولا حداد هو أن أكتب عن سمير فرنجية الانسان والمفكر الذي استضفته في حلقات حوارية عدة في برنامجي الإذاعي عبر إذاعة “لبنان الحر”. من لحظة الاتصال به وإجابته بلطافة ومحبة، تولّد معه احتراماً لكياسته الفائقة، وإن لم يرد فرسالة نصية يتيمة تكفي لأن يعاود الاتصال فوراً، إلى حضوره المحبب وسؤاله عن تفاصيل كثيرة، وإصراره على النقاش في كل المواضيع من دون أي محظور، نقاش كان من الرقي إلى حد أنه يلزمك بأن تصغي أكثر مما تحاور، وأن تخزّن من سعة ثقافته وحكمته، وأن تغرف من صلابته ووطنيته وعنفوانه في ظل معاناة التصحّر في الثقافة والقيم والأخلاقيات لدى أكثرية من الطبقة السياسية.

رحيل سمير فرنجية سيترك فراغاً كبيراً، وسنفتقد أن ننادي “البيك” الراقي، البعيد كل البعد عن الإقطاع السياسي اللبناني والذي لم يسعَ لأن يرث ولا أن يورّث في بلد لم يبقَ فيه شيئ من الإرث الجميل!