IMLebanon

بعد نهار من حبس الأنفاس وليل صاخب.. هل تأجّل الإنفجار؟

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

… في تطور هو الأول في تاريخ لبنان، علق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عمل البرلمان لمدة شهر، استناداً إلى الدستور، واستباقاً لجلسة كانت مقررة اليوم للتمديد لمجلس النواب.

وبعد إعلان عون عن قراره، مساء أمس، سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إعلان إرجاء الجلسة التي كانت مقررة اليوم إلى 15 مايو المقبل، “بعدما استعمل رئيس الجمهورية نص المادة 59 من الدستور للمرة الأولى في تاريخ لبنان وذلك في سبيل تأمين المزيد من الوقت للاستفادة منه للتوصل إلى قانون جديد”.

وجاءت الخطوة غير المسبوقة لرئيس الجمهورية بعدما عاشت بيروت “ساعاتٍ عصيبة” على مدار نهارٍ شهد وضْع “الأسلحة على الطاولة” عشية الجلسة التي كانت محددة لبرلمان 2009 للتمديد لنفسه (لمدة سنة) للمرّة الثالثة، وسط تسارع الاتصالات لاحتواء أخطرِ أزمةٍ سياسية – طائفية تمرّ بها البلاد منذ أعوام طويلة، وسحب فتيل ما ذهب البعض إلى وصْفه بأنه “بوسطة 13 نيسان الثانية”، في “استعارةٍ” من “بوسطة عين الرمانة” الشهيرة التي ركبها لبنان في 13 نيسان 1975 في “رحلة جنونٍ” اسمها حرب الـ 15 عاماً التي لم تنتهِ إلا بـ “اتفاق الطائف”.

وكان كلّ لبنان “مشدود الأعصاب” حيال مآل الساعات الفاصلة عن خميسٍ صار فجأة تاريخاً، يستحضر للذكرى “التاريخ الأسود” للبلاد قبل 42 عاماً، ويُخشى أن “يعيده” وسط مشهدٍ انقسامي شكّل إحدى “الطبقات” الرئيسية لانفجار 1975، ويختزل اليوم مجمل الصراع الدائر حول قانون الانتخاب باعتباره ناظماً للتوازنات السياسية والسلْطوية، وهذه إحدى خلفيات تَمسُّك “حزب الله” وبري بأن يقوم على النسبية الكاملة، وأيضاً ممرّاً إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يجعل الثنائي المسيحي “التيار الوطني الحر” (حزب عون) و”القوات اللبنانية” يصران على صيغةٍ تحسّن التمثيل المسيحي واستطراداً تحصّن موقعيهما “المقرريْن” في “رئاسية 2022” من خلال حصولهما على 43 نائباً… وما فوق.

وبدت البلاد أمس، وكأنها في “حال طوارئ” سياسية أديرت معها “محركات” الاتصالات في كل الاتجاهات، وشكّل رئيس الحكومة سعد الحريري محوراً رئيسياً فيها، هو الذي وجد نفسه يلعب دور “الإطفائي” في ملفٍّ شهد استقطاباً شيعياً – مسيحياً حاداً، يُنذر بأن يتحوّل مسيحياً – إسلامياً لو انعقدت جلسة التمديد التي كانت مقررة اليوم “بمَن حضر”، أي من دون القوى المسيحية الوازنة التي حسمتْ قرارها بالمقاطعة والتصدي للتمديد دستورياً وفي الشارع.

وتركّزتْ حركة الحريري في اتجاهِ كل من عون، الذي يشكّل رأس حربة الموقف المسيحي المعترض على أي تمديد من خارج إقرار قانون جديد، وبري الذي يقود، بالتضامن والتكافل مع “حزب الله”، مسار “تمديد الضرورة” تفادياً للفراغ “القاتل” في البرلمان متى انتهت ولاية الأخير في 20 حزيران المقبل من دون التوافق على قانون.

وسعى رئيس الحكومة إلى تفادي وضْعه “بين ناريْ” المشاركة في جلسةٍ مطعونٍ في ميثاقيّتها بما يعني ضرْب علاقته بالعهد والقوى المسيحية، أو تحويله شريكاً في الوصول الى فراغٍ في مجلس النواب سيعني حكماً شلّ حكومته وإدخال البلاد في فوضى سياسية – دستورية عارمة. وهو لذلك عمل على خطيْ محاولة الدفْع نحو توافق “اللحظة الأخيرة” على قانونٍ جديد يتم التمديد للبرلمان تحت سقفه، أو أقله دفْع بري الى إرجاء جلسة التمديد لأيام بهدف تبريد الأجواء وإفساح المزيد من الوقت لاختراقٍ يجنّب البلاد مواجهةً يمكن ان تضرب كل المسار الانفراجي الذي بدأ مع إنهاء الفراغ الرئاسي في 31 تشرين الاول الماضي.

وفي حين كان الحريري يعبّر عن تفاؤل بـ “اننا ان شاء الله سنصل الى حلّ قبل الغد (اليوم)”، فإن مسار “التعبئة” السياسية بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي بلغ أوجه، فيما كانت تحضيرات “التيار الحر” و”القوات اللبنانية” تكتمل لـ “خميس غضبٍ” يراد له منْع التمديد والاعتراض عليه من خلال إضراب عام في كل المناطق.

وفي المقلب السياسي سَجّل “تمتْرسُ السقف الأعلى” الوقائع الآتية:

* اعتبار “التيار الحر” و”القوات”، اللذين أطلقا تحرّكات في اتجاه كل من البطريرك الماروني الكادرينال مار بشارة بطرس الراعي والحريري و”حزب الله”، أنهما يخوضان معركة ردّ الاعتبار للميثاق وتصحيح الخلل في الشراكة تطبيقاً للطائف، وصولاً الى ما نُقل عن رئيس الجمهورية أنه “يتأهّب لردع عدوانٍ سياسي يحشد له البعض”، لاعتباره أنّ التمديد إذا حصل فسيكون بمثابة “إعلان حرب”، قبل أن يوجّه رسالته الى اللبنانيين مساء أمس.

ويعني إرجاء الجلسة إلى منتصف ايار المقبل، أنه يبقى هناك مجال لتمديدٍ (يسبق انتهاء الدورة العادية في 31 ايار) بقانونٍ يمكن لرئيس البلاد ردّه خلال خمسة أيام (لأنه أُقر بصفة المعجّل المكرر) وباستطاعة البرلمان بعدها معاودة التأكيد عليه.

* تأكيد الثنائي الشيعي أن “الفراغ أسوأ السيناريوات”، وإعلان بري “اننا كنا دائماً منفتحين في النقاش لإنتاج قانون جديد واجراء الانتخابات على أساسه. لكننا مضطرون في غياب التوصل الى اتفاق على القانون الى تجرّع سمّ التمديد لتلافي الفراغ القاتل والمدمر للبلاد، وعندما نتفق على القانون ونقرّه فإن في مقدورنا تعديل مدّة التمديد ومفاعيلها”.

وإذا كانت “القوات اللبنانية” اعتبرت “ان اليوم (امس) هو أربعاء أيّوب وللصبر حدود، ونحن صبرنا لسنوات كي نتمكن من الحصول على قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل”، فإن الثنائي الشيعي رسم معادلةً لـ “جولة الإياب” في المفاوضات حول قانون الانتخاب عنوانها “النسبية الكاملة” وهو ما عبّر عنه بري بوضوح بقوله “بعد الخميس لن يكون هناك قانون إلا على أساس النسبية ولو قامتْ الساعة”، معلناً “منذ أربع سنوات لا يتكلّم الرئيس عون إلا عن النسبية. والآن لم يعد (الوزير) جبران باسيل يقبل بالكلام عنها حتى”، مضيفاً: “ثمة مَن يحاول أن يفرض علينا قاعدة إما أركب عليكم أو أعتب عليك. فليعتبوا علينا. الخميس يكرم المرء أو يهان”.

وإذا كانتْ “معركة قانون الانتخاب” وضعتْ علاقة “التيار الحر” و”حزب الله”على مفترقٍ غير مسبوق منذ التفاهم بينهما العام 2006، فإن هذا الأمر يعكس الاهمية الاستراتيجية التي يعلّقها الحزب على استيلاد قانون وفق النسبية الكاملة بما يريح وضعيته السياسية داخلياً كمُمسك بمفاتيح الواقع الداخلي، وتالياً هذا ما يجعله يرفض منْح الثنائي المسيحي أفضلية تفاوضية في حال بقي “اللعب على حافة الفراغ”، في حين يعتبر”التيار الحر” و”القوات” أن التمديد بلا قانون جديد يضعف موقعهما التفاوضي.

…وهكذا سار الضغط والتهويل جنباً الى جنب مع البحث عن مخْرج “ربْع الساعة الأخير”، وسط مواكبةٍ أمنية تحسباً لأي مفاجآتٍ.