IMLebanon

تحقيق IMLebanon: أين نحن من داء السكري؟

تحقيق نوال نصر

سؤالٌ كبير، مفتوح كما أمور كثيرة في لبنان على أقاويل وإشاعات و”خبريات” و”قيل وقال” واستنتاجات على مدّ العين وصدى الأذن ووشوشات “الجارة”… لكن، في الواقع، ماذا عن داء السكري والجهات الضامنة في لبنان؟ ماذا عنه في الأرقام والإحصاءات الواقعية؟ وماذا عنه في التوقعات على المدى المنظور؟

هناك من سيهمس الآن: ما لهم وللسكري في زمان ملبد بالقضايا السياسية الساخنة الكفيلة برفع منسوب السكري في أجساد اللبنانيين! فهل ننضمّ الى هؤلاء ونصمّ الآذان أم نفتح الأعين والآذان الى حقيقة أن هناك من لم يعد يهتم لا بالسياسة ولا بالسياسيين وهمه، كل همه، تأمين العلاج ولجم الداء.

في منتدى إستثنائي، أول من نوعه لإدارة مرض السكري في لبنان، إلتأم شمل كل المؤسسات الضامنة ومقدمي خدمات الرعاية الصحية بدعوة من الجمعية اللبنانية لأمراض الغدد الصمّ والسكري، تحت رعاية وزارة الصحة العامة، وبالتعاون مع شركة “سانوفي” الرائدة. فماذا في التفاصيل والنقاشات التي يفترص أن تصل بشفافية الى كل مريض سكري؟

شارك في المنتدى: أستاذ الأوبئة والصحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سليم أديب، ومدير البرنامج الوطني لمرض السكري في وزارة الصحة العامة الدكتور أكرم إشتي، ورئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الغدد الصم والسكري والدهنيات الدكتور إميل عنداري، والصيدلي المسؤول عن تسجيل وتعويض كلفة الأدوية في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتورة ميرنا متني، وشاركت نقيبة الممرضات في لبنان الدكتورة نهاد ضومط. وحضر ممثلون من تعاونية الجيش اللبناني. فلماذا كل هذا الحشد الذي نشهد أول مرة مثله والذي أداره الأستاذ المساعد في الطب السريري والغدد الصماء الدكتور محمود شقير؟

إذا أردنا أن نعرف الى أين نحن سائرون علينا أن نعرف أين نحن.

الدكتور سليم اديب

فلنبدأ من الأرقام، منذ ظهر الداء الى اللحظة، بلسان الدكتور سليم أديب الذيعاد الى الوراء، الى خمسينات القرن الماضي، حين كُتب أول مرة عن السكري في لبنان بقلم الدكتور جوزف شعيا. وفي إحصاء جرى عام 1968 كانت نسبة إنتشار السكري في لبنان 3,3 في المئة. وفي زمن الحرب الأهلية اللبنانية جرت دراسة حول انتشار السكري في بيروت وجاءت نتائجها أيضا منخفضة: 2,7 في المئة بين اللبنانيين ما دون سن الخمسين وترتفع الى 11 في المئة بين اللبنانيين فوق سن الخمسين، وفي العام 2004 دلت دراسة الى ارتفاع نسبة انتشار السكري الى 11,3 في المئة ولوحظ أن أكثر من 5 في المئة لم يكونوا على علم بإصابتهم! وفي العام 2016 جرت دراسة ميدانية بتمويل من “سانوفي” وشملت اللبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات وبيّنت ان نسبة الانتشار بين من هم في الشريحة العمرية 50 سنة الى 59 سنة 14,4 في المئة وأن نسبة ارتفاع ضغط الدم تزيد عن 9 في المئة وارتفاع الشحوم 7,5 في المئة وان 91 في المئة من المصابين بالسكري يصرون على تناول الدواء بالفم لا الأنسولين.

ماذا في المحصة؟ ماذا في أبعاد هذه الأرقام والنسب؟

يبدو أن داء السكري بات بحاجة الى متابعة أكثر دقة بعد أن بينت الأرقام ارتفاع عدد المصابين ومعاناة أكثر من 22 في المئة منهم من مضاعفات الداء، خصوصا أن المسح أظهر ركودا من ناحية السيطرة على السكري حيث أن 31,4 في المئة من المرضى في الصفوف العلاجية يحققون نسبة مخزون السكر في الدم أقل من 7 في المئة أما البقية أي نحو 68,6 في المئة فيحملون المجتمع والجهات الطبية والسلطات المعنية أعباء إضافية لأن السكري غير المسيطر عليه يعرّض المريض الى مضاعفات جمة خصوصا على العينين والكلى وأمراض القلب والأوعية الدموية.

هذا في لبنان، أما خارجه فيفيد أن تعرفوا أن كل 23 ثانية في أميركا تكتشف حالة سكري جديدة!

الدكتور أكرم أشتي

الدكتور أكرم إشتي اعترف أن مرض السكري يبقى من أبرز تحديات الرعاية الصحية التي تواجهها الأطراف المعنية لكنه استطرد بإمكانية حلّ: نستطيع التأسيس لمجتمع داعم وعلى أتم الإستعداد لمساعدة أفراده حتى ينعموا بحياة خالية من داء السكري.

نتمنى.

ما رأي رئيس الجمعية السريرية لأمراض الغدد الصم والسكري والدهنيات؟

الدكتور اميل عنداري

يتكلم رئيس الجمعية الدكتور إميل عنداري بأسلوب الناس، بطريقة يفهمها كل الناس، والوقت لا يسعه ليقول كل ما لديه “لأن الحقائق المستجدة كثيرة ولأن الداء أكثر خطرا بكثير مما نظن”. فماذا في التفاصيل؟

يبدأ الدكتور عنداري من الآخر، من الأخير، ليقول: يعاني شخص واحد من كل عشرة أشخاص في هذا العالم من داء السكري، وكل 9 دولارات تصرف على الصحة العامة هناك واحد منها يُصرف على داء السكري وأعراضه، وأكثر من 14 في المئة من اللبنانيين يعانون من السكري ويتكبد كل مصاب ما لا يقل عن 850 دولارا للعلاج سنويا، ويضيف: عام 1922 اكتشف الأنسولين أول مرة وفي العام 1955 ظهر أول دواء للسكري يتم تناوله عبر الفم وفي العام 1959 ميزوا ما بين نوعي السكري الأول والثاني وبات العلم أكثر وضوحا لجهة أنه كلما نجحنا في تخفيض معدل السكر في الدم واحد في المئة نخفض إمكانية الإصابة بالذبحة القلبية بنسبة 14 في المئة.

وتحدث عنداري عن اسباب السكري مشددا على وجوب ان يكون العلاج سهلا وسريعا لأنه كلما اكتشف الداء باكرا نجحنا في تجنب مضاعفاته. وفي هذا الإطار إليكم معلومة تغيب عن بال الكثيرين: العلاج بالأنسولين لا يُعلى عليه وكلما بدأنا به باكرا أتت نتائج العلاج أكثر نجاحا وحافظنا على خلايا “بيتا”. أمرٌ آخر يفترض أن تعرفوه أن لكل مريض علاجه فلا جسم يُشبه سواه ولا علاج يمكن أن يُطبق نسخة طبق الأصل على الجميع.

ما رأي الدكتور محمود شقير في كل هذا الكلام؟

يتدخل شقير ليزيد على الأرقام أرقاما: تُشكل كلفة مرض السكري نسبة 20 في المئة من كلفة الرعاية الصحية في دول عدة ونسبة 12 في المئة من الأموال التي تصرف على الصحة في العالم تذهب مباشرة الى علاجات السكري.

أمام هذه الحقائق بات ضروريا أن نُجدد السؤال:  ماذا تقدم وزارة الصحة العامة في لبنان الى مرضى السكري؟

وماذا عن تغطية الجهات الضامنة كلفة المعالجة داخل المستشفيات؟

292 ألف و272 مريضا عولجوا على نفقة وزارة الصحة في لبنان عام 2014 بسبب رئيسي هو السكري. وارتفع الرقم عام 2015 بنسبة 20 في المئة. وفي المقابل تسعى وزارة الصحة الى زيادة عدد مراكزها للرعاية الأولية في المناطق والتي بلغت حاليا 207 مراكز.

ماذا عن الضمان الاجتماعي؟

الدكتورة ميرنا متني

تجيب الدكتورة ميرنا متني: تم توثيق التغيرات في خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، وتبيّن أن زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية لا ترتبط بشكل متماثل بتحسن الصحة. وقد ارتفع إجمالي الإنفاق على أدوية السكري بنسبة 34٪ بين عامي 2013 و2016 ما يدلّ انّ التنسيق بين الإنفاق على الرعاية الصحية وتحسين الوضع الصحي للمرضى يتطلب مزيد من التعاون بين مختلف المعنيّين على المستوى الوطني.

في كل حال، هناك 200 دواء مسجل حاليا في لبنان للسكري يغطيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وفي العام 2016 صرف الضمان الاجتماعي 27 مليار ليرة على أدوية وعلاجات السكري. 25 في المئة من الكلفة تُصرف على الأنسولين و75 في المئة على الحبوب الفموية.

يصغي مدير عام شركة “سانوفي” في الشرق الأدنى الى كل هذه الأرقام بتمعن شديد مبديا حرص الشركة على وضع المرضى في مركز الإهتمام الأول ويبدأ هذا بتكوين صورة متكاملة عن الثغرات في إدارة مرض السكري في لبنان.

ماذا بعد عن تلك الثغرات؟

تقف نقيبة الممرضات والممرضين في لبنان لتقول: المشكلة الأهم هي أن الأطباء غير معتادين أن يقرأوا ما يكتبه الممرضون من ملاحظات والأسوأ أن الأطباء، أطباء الغدد والسكري، يصيغون تعليماتهم على ورقة تسمى بالإنكليزية “الأوردر” وهي بمثابة “الأمر” عليها أن تنفذ من دون أن يكون الأطباء قد انتبهوا الى ملاحظات الممرضات والممرضين. وكم من مرة يضع الطبيب في “ورقة الأمر” طلبا بأن يمشي المريض يوميا مدة ساعة غير منتبه أن المريض يعاني مثلا من مشاكل في المفاصل!

ماذا عن الحلّ؟

يبدأ الحلّ ربما بإنشاء مراكز في العاصمة والمحافظات  تجمع كل المعنيين في شؤون داء السكري معا، في سبيل أن تنخفض الكلفة على المريض والجهات الضامنة، وأن يحصل تعاون بين كل الأطراف من أجل المريض.

وقبل أن نختم نذكر وجوب التنبه الى بعض الأخطاء التي يمارسها مريض السكري يوميا معتبرا أنها لصالحه بينها انه يأكل العسل لأن جدته همست في أذنه ذات يوم: العسل يا بنيّ ممتاز لمرضى السكري!

وعي وتوعية ووقاية ونقاشات وأفكار من أجل لجم هذا الداء المستشري في عالمنا كما النار في الهشيم. أفلا يستحق كل هذا برأيكم استنفارا عاما أيضا في لبنان؟