IMLebanon

.. والقلمون لا آمن ولا من ينسحبون

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

الموت هناك، سيظل يُلاحقهم. عناصر على ضفة نهر غير آمنة يمنون النفس بالعودة إلى ما كانوا عليه قبل العام 2011، عام انطلاق الثورة السورية. اختصار الوضع، «حزب الله» في أزمة كبيرة لم يجد لها حتى اللحظة حلاً ولا ترياقاً أو حتّى مُخفّفاً للآلام. الموت يُحاصر القادة والعناصر ولا مفر منه لا بـالدعايات المصوّرة ولا بالإدعاءات المزوّرة. وحدها الحقيقة تسطع مثل عين الشمس، بأن قرار التدخل في الحرب السورية، كان خطأ يفوق حجمه خطيئة «لو كنت أعلم».

لا يُمكن للأبصار أن تُغض عن مشاهد الموت وعناوين الخسائر التي تُلاحق «حزب الله» خصوصاً في المرحلة الأخيرة حيث الإنتكاسات في قمة الوجع والألم. أمس عادت جرود القلمون لتتصدّر واجهة الضربات التي يتلقاها الحزب ولتدل على عمق الأزمة التي لم يهتدِ بعد إلى طريق تُخرجه منها. قائد ميداني وعنصر كانا بالأمس على موعد مع الموت في هجوم على أحد مواقع «حزب الله» في القلمون الغربي على يد جبهة «فتح الشام» (النصرة) سابقاً. خسارة جديدة لا تعكس على الإطلاق التصاريح التي كان أطلقها السيد حسن نصرالله منذ أيّام حول «عدم وجود أفق لبقاء المسلحين في الجرود».

شنّ مسلحو «النصرة» هجوماً ليل أمس على احدى نقاط «حزب الله» في جرد بلدة فليطة المتاخمة لعرسال، في الجانب السوري المعروف بـ «القلمون الغربي» مستهدفين نقطة رصد عسكرية على تخوم البلدة، وهي واحدة من عدة نقاط موجودة في مرتفعات المنطقة، وعلى الرغم من أن مصادر الحزب أكدت أن الهجوم جرى صده بالإضافة إلى تكبيد المهاجمين خسائر كبيرة، إلا أن الهجوم أسفر عن مقتل القائد الميداني في الحزب علي دندش دندش المعروف بـ «الحاج نزيه» من بلدة كفرصير، وتردد أن المهاجمين سحبوا جثته، كما قضى العنصر أحمد حيدر الأسمر المعروف بـ «ساجد» من بلدة العديسة.

لم يكن قد مضى يوم على هذه الخسارة الجسيمة، حتى تلقّى الحزب خسارة أكثر وقعاً، ولكن هذه المرة في مدينة تدمر. عنصر من الحزب تم أسره على يد تنظيم «داعش». وقد نشر التنظيم مقطعاً مصوّراً يُظهر قتلى للحزب داخل آلية عسكرية تم استهدافها وسُحب العنصر حيّاً منها. وبعد أقل من ساعة، أعلنت وكالة «أعماق» التابعة لـ»داعش» تصفيته. وضمن الخسائر المتتالية، نعى الحزب في الساعات القليلة الماضية، ثلاثة عناصر هم: ربيع عفيف عليق الملقب بـ «ابو هادي» ورامي بسام الاسعد، وعلي عباس بدران الملقب بـ «أبو حسن».

ما حصل يوصل في حيثياته إلى التأكيد ومن دون التباس، أن القلمون الغربي عاد ليتحوّل مُجدّداً إلى مسرح عمليات بين الفصائل السورية من جهة، وبين النظام السوري و«حزب الله». واللافت أن هذه التطورات أتت بعد سنوات على إعلان الحزب تحرير مناطق القلمون بشقيها الغربي والشرقي. لكن الأبرز في تجدّد القتال هناك، كان عودة إستهداف «حزب الله» بهجومات وكمائن متنوّعة وإستعادة سيرة سقوط عناصره وقادته وسط تكتّم شديد من «إعلامه الحربي». وهذا الهجوم من شأنه أن يُعيد عملية التفاوض القائمة بين الحزب و«النصرة» حول الإنسحاب من الجرود إلى المربع الأوّل وقد ينسفها كاملة. وفي هذا السياق تؤكد مصادر لـ «المستقبل» أن الأيام التي ستلي عيد الفطر، من شأنها أن تُحدد طبيعة المسار الذي سوف تسلكه عملية التفاوض غير المباشرة.

العام الفائت تعرض «حزب الله» لخسارة كبيرة في القلمون الغربي نتجت عن سقوط مسؤول المنطقة القائد العسكري اسماعيل أحمد زهري وهو من مؤسسي الحزب في بداياته. وبعدها استمرت العمليات ضد الحزب في المنطقة وهي في الأصل لم تتوقف، فنتج في إحداها وتحديداً في بلدة»رنكوس«، تكبيد الحزب والنظام خسائر كبيرة وأسر أربعة عناصر ومن ثم إعدامهم لاحقاً بسبب عدم الوصول إلى إتفاق يقضي بعدم دخول «حزب الله» والنظام إلى بلدتي «هريرة» و«أفرة». تلك الأحداث تُعيدنا إلى السابع عشر من أيّار العام 2015، يوم أعلن نصرالله أنه «سيأتي اليوم الذي لا يكون فيه في الجرود اللبنانية لا داعش ولا النصرة ولا قاطعو الرؤوس، وأن لا خطوط حمراً أمام هذا الهدف المشروع».

اليوم وبعد عودة مشهد سقوط قادة الحزب في مناطق عدّة في سوريا وتحديداً في القلمون الذي من المفترض أنه قدتم تحرير أكثر من «تسعين في المئة» من مساحته بحسب نصرالله أيضاً، ثمة أسئلة كثيرة عن «الإنتصارات» أو «الإنجازات» التي تحقّقت في هذه المناطق وعن الخطابات السابقة التي تحدثت عن «وصل الجرود بعضها ببعض» سواء من الجهة السورية أو اللبنانية. هذا الألم المتواصل، تُشبّهه بيئة «حزب الله» في الريف، بالموت العابر للقرى والبلدات بحيث يزور بيوتهم في كل يوم ليحصد منهم خيرة شبابهم. هذا الوجع، يواجهه إصرار من غرفة التحكم بالمسار العسكري في سوريا الموجود في إيران، بقتل آمال الأهالي بعودة أبنائهم أحياء واستبدالها بأوراق نعوة مجبولة بالدموع والدماء والحرمان.

للموت خلف الحدود، توصيفات «ملائكية» يهدف «حزب الله» من ورائها إلى إعلاء شأن الحرب التي يخوضها ومنحها منازل دينيّة متقدمة، مرّة تحت مُسمّى «عقائدية» ومرّات «إلهية» تماماً كما سبق وفعل خلال حرب تموز 2007، وذلك في محاولة منه للبحث عن أسباب تخفيفية أمام جمهوره علّها ترفع عنه مسؤولية الدماء التي يُقدّمها «قرباناً» على مذبح حكم «ولاية الفقيه» والنظام السوري طنّاً منه أنها قد تبعده عن المحاسبة أو المُساءلة، أقله في الوقت الراهن. ما يؤلم بيئة الحزب، أنه في الأيّام الأخيرة، بدأت تتكاثر أعداد الضحايا بشكل مخيف، ما يُنذر بأيام صعبة بدأت تتسلّل إلى داخلها وهي التي تحوّلت إلى هدف ثابت داخل الحدود وخارجها، من دون أن تجد من يرفع عنها شبح موت ينتظرها عند كل مفرق وبأشكال مختلفة. المُختصر الثابت، أن إعلان «الإنسحاب» من مواقع حدودية، لم يكن أكثر من «تطمينات» ولا أقل من «مُسكّنات».