IMLebanon

“حزب الله” يضع لبنان أمام المفاضلة بين “عدوانيْن”: إسرائيلي أو إيراني

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

استمرّت في بيروت الأصداء السلبية لإطلالة الأمين العام لـ”«حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخيرة (يوم الجمعة الماضي) لما انطوتْ عليه من مواقف تؤسس، في توقيتها ودلالاتها، لمزيدٍ من الأخطار على لبنان، الذي يعاند الانزلاق إلى أوضاع تهدّد استقراره الهشّ وتطيح بأحزمة الأمان الأخيرة فيه، كالقطاع المصرفي، وتُعرِّضه لعزلةٍ إضافية.

وإذ يَمضي نصرالله في إدارة الظهر للدولة ومؤسساتها ولمقتضيات “الوفاق الوطني” في خروجه المعهود عن سياسة “النأي بالنفس” وتحويله بيروت منصّة لحملاتٍ تَصاعُدية ضدّ المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فإن التطور المفاجئ الذي عكستْه إطلالته الأخيرة تجلّى في تلويحه بـ”فتْح الأجواء” لاستقدام مئات الآلاف من “المجاهدين” والمقاتلين إلى لبنان في حال نشوب حربٍ مع إسرائيل.

ومنذ أن قال نصرالله كلمته ومشى، توالتْ الأسئلة عن مغزى هذا “الإعلان” وجدّيته والقصد منه، وعن أيّ لبنان سيكون في ضوئه، إضافةً إلى دلالات الصمت الذي لاذتْ به الدولة التي تعاطتْ كـ”النعامة” حيال تَحوُّلٍ محتمل، كشف عنه وعلى طريقته الأمين العام لـ”حزب الله” الذي عاود الإيحاء بأنه يحتكر القرار الاستراتيجي في البلد.

وثمة مَن يعتقد أن نصرالله عندما تحدّث عن إمكان المجيء بـ”مئات الآلاف من المجاهدين من العراق ومن اليمن ومن إيران وإفغانستان وباكستان” أراد إظهار نفسه كـ”قائد” لمحورٍ واحدٍ يمتدّ على هذه الجغرافيا ويشكّل عمقه الاستراتيجي، وهو العمق الذي يجعل من لبنان مجرّد ساحة مفتوحة على ما وصفه بـ”الأجواء المفتوحة”.

وفي تقديرٍ يعكس ميْلاً لجدّية نصرالله في هذا الخيار، انه كما جاءتْ إيران بـ”ميليشياتها” المتعدّدة الجنسية إلى سورية لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد، من الطبيعي أن تدْفع بها الى لبنان للقتال الى جانب “حزب الله” ومشروعه في أي مواجهةٍ محتملة مع إسرائيل ، وحمايةً لما يوصف بـ”القاعدة الإيرانية” على البحر المتوسّط.

فإيران التي تتعامل مع مناطق نفوذها في المنطقة كـ”جبهةٍ واحدة” في صراعها المستميت مع المملكة العربية السعودية وعمقها، كانت بكّرتْ في اعتبار سوريا “ساحة جهادٍ” وزجّتْ بعشرات الآلاف من المقاتلين في حربٍ لحماية نفوذها تجاوزتْ تكلفتها الـ 25 مليار دولار على مدى ستة أعوام.

غير أن دوائر أخرى، وربْطاً بأولوية سورية في المشروع الإيراني، تعتقد أن إعلان نصرالله عزْمه على حشْد مئات الآلاف من الميليشيات الموالية لإيران في أي حربٍ مقبلة مع إسرائيل ، هو جزءٌ من حربٍ نفسية يُتْقِنُها الأمين العام لـ”حزب الله”، وهدفُها الفعلي دفْع اسرائيل لتجنُّب الحرب التي لا يريدها الحزب نظراً لأولوية المواجهة الإيرانية مع المحور السعودي – الخليجي.

فرغم أن “حزب الله” كسب خبراتٍ قتالية لا يُستهان بها في الميدان السوري “الفسيح”، إلا أن تلك الحرب التي يَزجّ فيها الآلاف من مقاتليه لم تنتهِ بعد، وتالياً فإن أولويّته المطلقة سورية لا إسرائيل، وهو لن يتردّد في قول أيّ شيء من شأنه ثني تل أبيب عن إشغاله بمواجهةٍ لا يريدها تجنُّباً لتشتيت قدراته.

ورغم الانطباع بأن كلام الأمين العام لـ”حزب الله” عن استقدام مئات الآلاف من المقاتلين من خارج لبنان جزءٌ من الحرب النفسية، فإن نصرالله جعل هذا الأمر خياراً في أيّ مواجهة محتملة. وبهذا المعنى، فإن “أسباباً موجبة” مبكّرة بدأتْ بالترويج لهذا الخيار من خلال وضْع لبنان أمام “عدوانيْن”: إسرائيلي أو إيراني.

فبإزاء بعض “الإعتراضات” الخافتة على ما قاله نصرالله والمطالبات بموقفٍ رسمي منه، بدأتْ ملامح الردّ المعاكس الذي يُراد منه المفاضلة بين عدوان إسرائيلي لا تقوى الدولة اللبنانية وحدها على مجابهته، وبين المجيء بميليشيات إيرانية من باكستان وأفغانستان واليمن والعراق وإيران وسوريا لـ”مؤازرة” لبنان في تصدّيه لأي عدوان اسرائيلي.

ومع بلوغ الوضع هذا المستوى من الاحتمالات، بدأتْ ترتسم في الأفق “سيناريوات متخيَّلة” عن فيضانٍ ميليشيوي جاء للزحف جنوباً ويعود ليُغرق العمق اللبناني بعشرات الآلاف من “المجاهدين” الآتين من أصقاع المنطقة وساحاتها إلى بلادٍ سلّمتْ “مفاتيح” قرارها الإستراتيجي إلى “حزب الله”