IMLebanon

توالد الحروب مُستمر!

كتب أسعد حيدر في صحيفة “المستقبل”:

سوريا والعراق، اللذان عرفناهما وعايشناهما، انتهيا. لا سوريا ستبقى سوريا، ولا العراق سيكون العراق. بعد مئة عام على معاهدة سايكس- بيكو، تغّير كل شيء. الأرجح أن دولاً أخرى من ضمن وخارج سايكس- بيكو لن تبقى كما كانت، ولن تكون كما كانت. شرق أوسط جديد يقوم، لأننا لم نعرف كيف نحكم، ولا كيف نبني، ولا كيف نثور، ولا كيف نحارب، ولا كيف نصنع السلام. كل قراراتنا كتبناها على الرمال أو على سطح الماء، في حين أنّ ما يجري وسيجري يُكتب بدمائنا وبمستقبل أسود للملايين من أطفالنا وشبابنا.

بعد قرن على سايكس- بيكو علينا أن نعترف أنّنا نحن مَن تآمرنا على مستقبلنا ونُطالب الآن أن ينقذونا. أقصى ما نطمح إليه أن نعود إلى الوراء، وأن نُعيد بناء التماثيل للأصنام التي حكَمَتنا. «الربيع العربي» أصبح يُنعت «بالربيع البائس»، وبشار الأسد صار الأمل ولو كان صدّام حسين ومعمّر القذافي حيين لعادا إلى الساحات على أكتاف الذين رجموهما.

عرض هذه الصورة السوداء ضروري، عندما نسمع ما يُقال عن عروض الحلول لسوريا والعراق وليبيا وبعدهم اليمن. مختلف العروض تجعل من الأمم المتحدة «الوصي» الذي يصيغ ونحن ننفّذ تحت

إشراف وتدقيق وتنفيذ واشنطن وموسكو. من ذلك أنّ «مشروعاً أميركياً عرض على الروس ووافقوا عليه». أهم ما في هذا المشروع كما جرى تسريبه يقوم على:

سوريا ستصبح دولة «فيدرالية».

إنّ الأمم المتحدة ستتولى كتابة الدستور السوري الجديد المستوحى من دستور العام 1951 الذي ترأّس الهيئة التي كتبته النائب في البرلمان سعيد حيدر.

بعد شهرين على صدور الدستور، الذي ينص على الفيدرالية التي تضم ثلاث مقاطعات: السنّية وفيها دمشق عاصمة للفيدرالية، والعلويّة، والكردية. وتجري انتخابات رئاسية يقترع فيها جميع السوريين في الداخل والخارج تحت إشراف الأمم المتحدة.

مستقبل الرئيس بشار الأسد يتوقف على فوزه أو فشله في هذه الانتخابات.

سواء فاز الأسد أو فشل، فإنّ مجلساً رئاسياً يتشكّل من الرئيس ومساعدين له: الأول سنّي، والثاني أقلوي كردي أو مسيحي.

الحكومة التي ستتشكّل تكون مختلطة تدير الشؤون العامة.

المحافظ يدير شؤون المدينة، بهذا تتأكد اللامركزية بأقصى درجاتها.

يتشكل الجيش السوري من القوات الحالية زائد المنضمّين إليه من مقاتلي المعارضة الذين يرغبون (تكرار التجربة اللبنانية مع الميليشيات).

تُلغى جميع الأجهزة الأمنية وعددها 16 جهازاً. ويُعاد إنشاء جهازَين:

• «الأمن الوطني» ويترأسه سنّي حلبي، ويهتم بشؤون وأمن المدنيين.

• جهاز «الأمن العسكري» ويهتم بالجيش ويترأسه علوي.

يتم إخراج كل الميليشيات الأجنبية من الأراضي السورية.

هذا هو المشروع المسرّب جزئياً من دمشق من دون أن يُعرف ما هو موقف النظام الأسدي منه. لكن يبدو أن خطوات مهمة وسريعة يجري العمل بها ومنها إعادة تنظيم قوى معارضة لها علاقات مع القاهرة وموسكو وأخرى خارجة من «الائتلاف» وغيره تعيد تنظيم نفسها لمواكبة المتغيرات.

إلى جانب ذلك، إن مشاريع أبحاث عديدة تُدرس أو تُعرض للمشاركة في إعادة بناء سوريا، من ذلك أن الأميركيين تحدثوا علناً عن استعدادهم لإعادة بناء الرقّة فور تحريرها من «داعش».

كل هذه التفاصيل المثيرة، والتي لا بد أنه ستُضاف إليها مشاريع واقتراحات مهمة، ستُساهم في بناء المستقبل، تتضمن ثغرات كثيرة بعضها خطير. وإذا كانت المشاريع تلحظ نوعاً من «الانتداب» الأميركي – الروسي بالتعاون مع تركيا، فإنها تتجاهل إيران كلياً وكأن قراراً بشطبها من «الترويكا» قد اتُّخذ. وإذا كان ذلك صحيحاً فهل هذا ممكن، وهي التي تُمسك جزءاً أساسياً من الأرض، خصوصاً في دمشق حيث السلطة والأسد، الى جانب ميليشياتها الشيعية و«حزب الله»؟ والسؤال الطبيعي: كيف ستردّ إيران على استبعادها الاستئصالي وأين؟

الانتداب الروسي – الأميركي يتأكد يومياً على الأرض. الروس يقيمون في «حميميم» وطرطوس.

أما الأميركيون كما سرّب الأتراك وثيقة ونشرتها موسكو فقد أقاموا قاعدتين أساسيتين يتم توسيعهما في «رميلان» وفي «خراب عشق». وسبع قواعد تستقبل طائرات الهيلوكبتر لكنها تضمّ منظومات مدفعية متطوّرة ومنظومات راجمات صواريخ وآليات حديثة للرصد والملاحقة. الى جانب ذلك يتم توسيع قاعدة مشتركة للأميركيين والفرنسيين معاً.

أما العراق فإن مستقبله سيتقرر مع إجراء الأكراد لاستفتاء الاستقلال، عندئذٍ ستتبلور خريطة العراق الجديد. كردستان والشيعة في الجنوب والسنّة في الأنبار المهدّم. المؤكد أنه إذا فازت الـ«نعم» الكردية للاستقلال فإن العراق يكون قد انتهى، وما سيبقى خاضع لمساومات طويلة وربما حرب مذهبية سنّية – شيعية مكشوفة، الى جانب ذلك والأهم أن «سكّين» التقسيم ستلحق بإيران وتركيا، مع كلّ تداعياتها وارتداداتها..

بذلك ستتوالد الحروب من الحروب لسنوات طويلة.. والقادم أعظم!