IMLebanon

ماذا حملت الإجتماعات السرّية التي سبقت الفجر المنتظر؟

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

مرّت لحظات الانتظار طويلة، التحضيرات كانت على نار حامية ضمن حسابات مُتقنة، عرقلتها بعض التحليلات من هنا والتوقعات من هناك لحسم ساعة صفر لا يعرفها سوى قلائل، حتى أطلّ «فجر الجرود» أخيراً… فكيف حُدِّدت ساعة الصفر؟ وماذا حملت الإجتماعات السرّية التي سبقت الفجر المنتظر؟ وكيف حسم القائد قراره؟لم تكن زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون ليلة الثلثاء 15 آب المفاجئة الى قيادة اللواء السادس في رأس بعلبك، حيث تتمركز غرفة عمليات قيادة معركة الجرود، عادية أو تفقّدية كالعادة، بل كانت للإطلاع على آخر التحضيرات ومدى الجهوزية لدى القوى لتنفيذ العملية من جهة، ولالتماس الخطط على أرض الواقع من جهة أخرى… ليلتها عاد القائد من «الرأس» كما يسمّيها أبناؤها، وفكرة واحدة تدور في عقله «ساعة الحسم اقتربت، وأوامر انطلاق عملية تحرير الجرود ستُعطى بين يوم وآخر».

إلّا أنّ القرار لم يكن بهذه السهولة، فاحتمال سقوط شهداء وجرحى وكلفة العملية التي قد تكون موجِعة، كلها حسابات لا بدّ لقائد مسؤول إلّا أن يدرس تداعياتها… حتى أطلّ يوم الأربعاء ظهراً حاملاً في جعبته صورة مكتملة في رأس قائد الجيش وأركان القيادة.

وعليه، إتُخذ القرار بتحديد ساعة الصفر صباح يوم السبت مع ترك هامش للتحرّك، وهكذا استمرت التحضيرات وأعطيت الأوامر بتكثيف القصف براً بالمدفعية وجوّاً من خلال غارات الطيران على مواقع «داعش» بهدف تشتيت القوى العدوّة وإلحاق الأضرار بها واستنزافها.

اليوم الطويل

لم ينتهِ نهار الجمعة بسهولة، مرّ على العسكريين بثقل خصوصاً أنّ التحضيرات يجب أن تُنجز، أمّا قائد الجيش فتمركَز في غرفة العمليات في القيادة منذ بعد الظهر مُطّلعاً على آخر التفاصيل مع الضباط القادة والأركان ليحسم القرار نهائياً بأن تبدأ العملية، فيما كانت كل الوحدات جاهزة على الجبهة لتباشِر بمهامها فور إعطائها الأوامر.

وسبق ذلك أن زار قائد الجيش ومدير المخابرات طوني منصور رئيس الحكومة سعد الحريري لوَضعه في أجواء توقيت المعركة، ليزورا بعدها قصر بعبدا سرّاً بعد الظهر ويلتقيا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي كان في أجواء اقتراب ساعة الصفر بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

الإجتماع مع الرئيس

«يا ليت عمري يسمح أن أكون على الجبهة الى جانب العسكر وأقاتل معهم»، بهذه الكلمات بدأ رئيس الجمهورية الاجتماع مع القائد ومدير المخابرات الذي حمل الكثير من الوجدانيات، ليؤكّد بعدها ثقته الكاملة بالعسكر وبقدرات الجيش الذي كان قائداً له في يوم من الأيام، وأنه على ثقة بأنّ الانتصار آت وبقائد الجيش الذي خدمَ تحت إمرته… بهذا الموقف والمسؤولية ترك قائد الجيش ومدير المخابرات قصر بعبدا واضعَين لدى الرئيس أمانة اتفق عليها، وآخذين منه وعداً بزيارة غرفة العمليات لمتابعة انطلاق المعارك.

تعليمات الجهوزية

بعد منتصف ليل الجمعة، أعطيت الأوامر لكل الوحدات التي ستتحرك على محاور الهجوم الثلاثة، أي اللواء السادس، فوج التدخل الأول، سرايا فوج المجوقل، مجموعات من فوج المكافحة في مديرية المخابرات، القوة الضاربة في مديرية المخابرات وفوج الهندسة لتكون جاهزة للتحرّك باتجاه الأهداف الموضوعة لها وعلى محاورها، وعُقد اجتماع في قيادة الجبهة في رأس بعلبك لأخذ التعليمات الأخيرة.

وتوازياً، كانت اللمسات الأخيرة على الأمر الذي سيصدره قائد الجيش توضَع في أحد المكاتب في وزارة الدفاع، وهي الجملة التي وُضعت على «تويتر» وانتهت بإسم العملية: فجر الجرود.

وفي تمام الساعة الثالثة والنصف، حضر قائد الجيش الى غرفة العمليات حيث كان كل أركان القيادة، مديرية العمليات، منسّقي المدفعية وجميع الضباط المعنيين بالعملية حاضرين في غرفة العمليات في اليرزة وعلى اتصال مباشر مع غرفة العمليات في رأس بعلبك.

ساعة الصفر

إنها الساعة الخامسة والنصف من الفجر المنتظر، أعطى القائد إشارة إطلاق الهجوم شفهيّاً لقائد اللواء بعدما كان قد أجرى اتصالاً بقادة الوحدات: «انتِبهوا عَا حالكن، ما في هَدف قِدّامنا إلّا الإنتصار، وانشالله الحَظ يكون حليفنا وما يكون في كتير خسائر بالمعركة».

قرابة السادسة، وصل رئيس الجمهورية، تماماً كما وعد، وتابع الى جانب قائد الجيش على الخريطة من خلال الأجهزة اللاسلكلية كيف كانت الوحدات تتقدم باتجاه أهدافها، ليُجري بعدها اتصالاً بقائد الجبهة مؤكداً له أنّ الإنتصار سيكون حليفهم خصوصاً أنه يعرف الضبّاط وإمكاناتهم.

غادر الرئيس الغرفة فيما بقي قائد الجيش طوال النهار متابعاً العمليات العسكرية أوّلاً بأوّل، وكيفية تقدّم الوحدات باتجاه المواقع بحسب الخطة المرسومة.

اللحظات الثقيلة

نداءات عسكريين أُصيبوا بدأت تُسمع عبر الأجهزة، إنها اللحظات الأصعب في الغرفة، فمجموعة من القوة المتقدمة وقعت في حقل ألغام وأشراك كان قد نصبها الإرهابيون، لكن رغم صعوبة اللحظات إلّا أنها انتهت إيجابيّاً بعدما عُلم أن ليس هناك شهداء وإنما جرحى فقط.

بعدها، أمضى قائد الجيش يوم السبت في غرفة العمليات كل الوقت، وغادر لبعض الدقائق لعقد اجتماع مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ظهراً لإطلاعه على المهمة التي كان الأمن العام يتحضّر لتنفيذها في عرسال، وعاد الى الغرفة مُسيّراً بالتوازي أعمال الجيش الروتينية.

وها هو اليوم الثاني من معركة الجرود ينتهي بعد المؤتمر الصحافي الثاني للناطق الرسمي بإسم قيادة الجيش باجتماع في مكتب القائد حضره كبار ضبّاط الأركان، اطّلعوا فيه على تفاصيل العمليات والتقارير الواردة من الجبهة، وكان الإنطباع ايجابياً جداً، وكان إجماع على أنّ الجيش يحقق الأهداف الموضوعة بسرعة وأنّ المعركة بإطارها العام لن تتخذ الكثير من الوقت لأنّ الجيش حقق الأهداف المنشودة أسرع من المتوقع، على رغم العقبات التي كانت أمامه والمرتبطة بطبيعة الأرض وحقول الألغام والأشراك والعبوات المنصوبة على مسالك التقدّم المحدودة.