IMLebanon

لبنان أمام 3 حروب دفْعة واحدة… فهل ينجو؟

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

يقع لبنان هذه الأيام تحت وهج ثلاث «حروبٍ» دفعة واحدة من شأن نتائجها تحديد اتجاهات الريح في مسار «الوطن الصغير» ومصيره بعدما بدا وكأنه يهمّ بمغادرة «الحال الرمادية» في الداخلِ المدفوع نحو خياراتٍ قاسية في الصراع على السلطة، وبوداعِ حال «ربْط النزاع» بين مآزقه المتوالية وحرائق الإقليم المفتوح على تحولاتٍ يصعب التكهّن بمنزلقاتها.

فلبنان، الذي ينخرط وبـ «كفاءةٍ عالية» في الحرب على الإرهاب الذي يئنّ تحت وطأته العالم بأسْره، يندفع في حربٍ سياسية اسمها الحرَكي «قانون الانتخاب» وجوْلتها الحاسمة منتصف الشهر المقبل، وسط مؤشراتٍ متعاظمة تشي بازدياد احتمالات نشوب «الحرب المؤجَّلة» بين اسرائيل و«حزب الله» كجزءٍ من المواجهة الأميركية – الإيرانية في المنطقة.

في جلسة «دردشة» مع مسؤولٍ أمني رفيع أخيراً، كان التقويم لما يحقّقه لبنان على مستوى الحرب الاستباقية على الإرهاب مُطَمْئِناً، وهو أبلغ الى «الراي» أن إنجازاتٍ نوعية يتمّ تحقيقها في هذا الميدان بعيداً عن «البروباغندا» الإعلامية لأسباب تتّصل بالحاجة إلى السرية في هذه الحرب المستدامة، وبالحرص على حماية المزاج العام لترْك اللبنانيين يعيشون بطمأنينة.

وما يفاخر به المسؤول الأمني «الكتوم» تؤكده التقارير الغربية، لا سيما الأميركية التي تعكس فائضاً من التقدير لما يبديه لبنان من تعاونٍ مع «أولوية» الإدارة الأميركية في الحرب على الإرهاب، من العراق وأفغانستان وصولاً الى اليمن وليبيا ومروراً بسورية، خصوصاً أن لبنان يحتضن نحو مليون ونصف المليون نازح سوري.

وتكمن الأهمية المضاعفة لهذه الحرب الاستباقية في الخشية من أن يؤدي كسْر «داعش» في عاصمته الرقة إلى تَناثُره في غير مكانٍ وتَسرُّب عناصر منه الى الجوار السوري كلبنان الذي يضع مؤسسته العسكرية وأجهزته الأمنية في جهوزيةٍ عالية أثبتتْ جدواها عبر الإنجازات اليومية التي تحقّقها على الحدود وفي الداخل.

وثمة مَن يعتقد في بيروت أن مكمن القوة في هذه الحرب، هو أن مكافحة الإرهاب المتّصل بـ «داعش» وأخواته تشكّل موقفاً اجماعياً من القوى السياسية ما يحصّن عمل الأجهزة الأمنية، على عكس ما هو مرتبطٌ بالتحديات الأخرى كالاستحقاقات المتّصلة بـ «تداوُل السلطة» والنفوذ الإقليمي على حساب المناعة الوطنية.

ومن هنا فإن الحرب السياسية الشرسة الدائرة بشأن قانون الانتخاب، كأداةٍ لتعديل التوازنات داخل السلطة، تأخذ مداها مع العدّ التنازُلي الفاصل عن «آخر المطاف» في 15  ايار المقبل، فإما الاتفاق على قانونٍ جديد للانتخاب، وإما وضْع البلاد أمام خياراتٍ مُرة كالتمديد للبرلمان أو الفراغ، وفي كليهما مضاعفاتٌ لا يمكن التبصر بنتائجها.

ورغم الضوضاء التي يثيرها «الكرّ والفرّ» في حفلةِ «التقاتل» بين القوى السياسية – الطائفية بصيغٍ متوالية لقانون الانتخاب، فإن المعطيات تشي بأن «أمر عملياتٍ» أَصدره «حزب الله» يقضي باقتياد الجميع الى قانونٍ يعتمد النسبية الكاملة، رغم انفتاحه كـ «ناظم سياسي – أمني» على تأمين ضماناتٍ للآخرين من ضمن هذه الصيغة التي قرّر الحزب التعاطي معها كـ «خط أحمر».

وبدا أن «حزب الله»، الذي يُمسك بـ «القفل والمفتاح» في لبنان، يتجه إلى وضْع الجميع أمام معادلة «اما النسبية الكاملة واما التمديد للبرلمان» في استنساخٍ لتجربة الاستحقاق الرئاسي لعامين ونصف العام حين قال «اما الفراغ واما (رئيس الجمهورية الحالي) العماد ميشال عون».

وبهذا المعنى، فإن «حزب الله» يفسح أمام اللاعبين المحليين لإفراغ ما في جعبتهم من اقتراحات حول قانون الانتخاب. إلا أنه بتحديده «حدود اللعبة» و«الممنوعات» التي يختصرها عنوان «الفراغ مستحيل» في البرلمان «ولو لثوانٍ»، مرتاحٌ على طريقة «أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك»، باعتبار ان كل صيغ المختلط (بين النسبي والأكثري) والمركّب (تأهيلي) تهاوتْ تباعاً، والنسبية الكاملة لا بدّ أن تشقّ طريقها الى قناعاتِ ما تبقى من قوى سياسية تتحفّظ عنها، ولا سيما المسيحية، إذا أرادتْ بلوغ «هدفها الأم» بقانون جديد للانتخاب، ناهيك عن أن التمديد الحتمي و«مهما كانت الأثمان» سيُبقيه في موقع قوةٍ للوصول الى النسبية الكاملة.

وإذ لم يعلن أي طرف بعد موقفاً رسمياً من الطرح الذي قدّمه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط اول من امس ويقوم على اعتماد قانون الستين النافذ حالياً على نصف مقاعد البرلمان يجري انتخابهم بالأكثري ضمن 26 دائرة (القضاء) مقابل انتخاب النصف الثاني بالنسبي ضمن 11 دائرة، فإن بعض الأجواء تحدّث عن أن «محاكاة أولية» له تشير الى أنه لا يعطي المسيحيين أكثر من 40 الى 41 نائباً يُنتخبون بتأثير الصوت المسيحي (من أصل 64)، وذلك بعدما كانت طروحات سابقة لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل وشريكه في الثنائية المسيحية حزب «القوات اللبنانية» وفّرت إمكان رفْع الرقم الى أكثر من 52.

ورغم أن طرح جنبلاط بدا غير بعيد عن رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، فإن بري يستعدّ الأسبوع الطالع لتقديم طرْحه القائم على النسبية الكاملة التي ستصبح للمرة الأولى على الطاولة رسمياً من هذا الثنائي.

ويشير كل هذا الحِراك الى أن قانون الانتخاب ما زال في «أول النفق» وأن الفترة الفاصلة عن مهلة 15 مايو ستكون محكومة بمناورات «ربع الساعة الأخير» التي يتحكّم «حزب الله» بخيوطها، باعتبار ان القوى الرئيسية هي التي تحتاج الى مَخارج سواء لتفادي توجيه ضربة قاسية للعهد أو استعادة مرحلة تعطيل المؤسسات، في حين أن التمديد يعزز ورقة النسبية الكاملة كما يرجئ الاستحقاق الانتخابي في مرحلةِ اشتداد «العاصفة» من حول ايران والحزب. وكان لافتاً في غمرة هذا المناخ، مواصلة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «الضرب» على وتَر إحياء قانون الستين النافذ كمَخرج لأزمة الفراغ او التمديد وهو قال امس في عظة الاحد «إنّ الشعب اللبناني يعتمد على حكمة رئيس الجمهورية ومسؤوليّته العليا عن مصير البلاد، لتجنيبها أيّ ازمة ترتبط بقانون الانتخاب ونتائجه»، معلناً انه «(…) ليس عيباً الإقرار بالفشل والسَّير بالانتخابات وفق للقانون الساري المفعول حاليًّا مع ما يلزم من تمديد تقني للمجلس النيابي. أما العيب والضرّر الكبيران فهما الذهاب إمّا إلى التمديد بالمطلق وهذا اغتصاب للسلطة، وإمّا إلى الفراغ وهذا تدمير للمؤسّسات».

أما مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان فأطلّ في الرسالة التي وجّهها بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج على الواقع السياسي معلناً «كنا نشكو من تعطيل منصب الرئاسة، فلا نريد أن نشكو من جديد من تعطّل مجلس النواب أو الحكومة»، لافتاً، في إشارة ضمنية الى اقتراح الوزير باسيل الأخير، إلى «أن ما يقال عن التأهل الطائفي أو المذهبي، يخل بالدستور وبالعيش المشترك»، ومعتبراً «أنه لعار كبير على أي فريق سياسي التهديد بتعطيل البرلمان أو الحكومة».

وفي إشارة الى الجولة التي نظّمها «حزب الله» قبل ايام قليلة الى الحدود الجنوبية مع اسرائيل، قال: «بلغْنا القرار 1701 بعد حرب إسرائيلية مدمرة. فلماذا هذه العنعنات وخلق الذرائع للعدو، ثم يقال: لكن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع، وأنا أقول: ونحن لا نحتاج إلى دماء وتهجير وتخريب، نقول بعدها إننا انتصرنا. وما دمنا قد انتصرنا على الأعداء ألف مرة، فالذي أريده أن ننتصر على أنفسنا ومطامحنا ومطامعنا ومكائدنا ولو مرة واحدة (…)».