IMLebanon

لبنان يحتوي ارتدادات قِمم الرياض ويعبّد الطريق نحو… قانون الستين

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

يتّجه لبنان، المشغول بواحدة من أسوأ أزماته السياسية – الدستورية، إلى التكيّف سريعاً مع الوقائع الاقليمية – الدولية الجديدة التي أرستْها قمم الرياض، وسط اعتقادٍ راسخ بأن أحداً في بيروت لا يرغب في المجازفة بهزّ الاستقرار الأمني أو التسبب بانهيار التسوية السياسية الهشّة في البلاد، خصوصاً ان القراءات المتناقضة للتحول الكبير في المنطقة توحي بأن الجميع، الذين لن يغادروا «خنادقهم»، يحتاجون الى انتظارِ ما يشبه «المَلاحق التنفيذية» للمتغيّر الاستراتيجي الذي أطلّ من زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للسعودية.

فرغم موقف لبنان الملتبس من قمم الرياض التي خصّتْه بحيّزٍ بارز عبر مساواة «حزب الله» بالمنظمات الإرهابية، فإن الأجواء في بيروت توحي بأن «ما حدث قد حدث»، وتالياً فإن الجميع يتّجهون نحو القفز من فوق التباينات للانتقال الى مشاورات «الفرصة الأخيرة» في شأن قانون الانتخاب، قبل سقوط البلاد في «الفراغ المخيف»، وسط انطباعٍ يسود الكواليس السياسية باستحالة التوصل الى الاتفاق على قانون جديد خلال نحو شهر يفصل عن الانزلاق نحو الفراغ، ما يؤشر إلى اتجاه الجميع للتسليم بإجراء الانتخاب وفقاً للقانون النافذ، المعروف بقانون الستين.

ويُنتظر أن يَخرج مجلس الوزراء اللبناني اليوم بخلاصةٍ من العموميات حيال الموقف من «إعلان الرياض» بعد الجدل الذي أحدثه تبرؤ وزير الخارجية جبران باسيل (حليف حزب الله) منه، على عكس موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يتعاطى مع مضمون «الإعلان» على انه جاء بمثابة «تأكيد المؤكد» لجهة الإجماع العربي – الإسلامي – الأميركي على مواجهة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وخصوصاً ان «الإعلان» لم يتطرق الى الوضع في لبنان ولم يسمِّ «حزب الله».

وإذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تبنّى، عشية جلسة مجلس الوزراء، موقف صهره وزير الخارجية «مئة في المئة»، في أول تعليقٍ غير مباشر على ما قيل في قمم السعودية، فإن أوساطاً قريبة من الوفد اللبناني الى القمة العربية – الإسلامية – الأميركية تحدثت عن أن باسيل كان تلقّى خمس رسائل من السفارة اللبنانية في الرياض أطلعته على جدول أعمال القمة وعناوينها وتوجهاتها، وتالياً فإن تبرؤه يعود لأسباب سياسية تتصل بالتموْضعات في لبنان لا بجهلِ ما كانت ترمي إليه القمة.

ولم تستبعد أوساط سياسية في بيروت أن يتجنّب مجلس الوزراء اليوم الغوص في الموقف من «إعلان الرياض» أو في الردّ على البيان الأميركي – السعودي الذي طالب الدولة اللبنانية بنزْع سلاح الميليشيات كـ «حزب الله»، نتيجة إدراك لبنان لحساسية الموقف من الشرعيتين الدولية والعربية، وخصوصاً الدعم الاميركي للجيش اللبناني في معركته ضد الارهاب والحاجة الى تطبيع العلاقات مع دول الخليج بعد انتكاسةٍ حادة بسبب خروج لبنان إبان الفراغ الرئاسي عن الإجماع العربي بإدانة حرق السفارة السعودية في إيران.

وإذا كان الموقف الرسمي اللبناني يحاذر في مقارباته المدوْزنة إغضاب اللاعبين الكبار، فما هو الموقف الذي سيعلنه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (يطلّ غداً) من التوجهات التي سادت قمم الرياض حيال إيران ونفوذها وأذرعها، وخصوصاً حزبه الذي وُصف بأنه المنظمة الارهابية الاولى في الشرق الاوسط وجرت مساواته بـ «داعش» و«القاعدة»؟

وفي هذا السياق، علمت «الراي» أن نصرالله، الذي غالباً ما يشنّ هجمات قاسية على السعودية منذ النزاع في اليمن، سيركّز في إطلالته غداً على ثلاثة محاور هي:

  • مغزى اعتبار ما يصفه بحركات المقاومة، أي «حزب الله» و«حماس»، منظمات إرهابية.
  • الدور الذي تلعبه الحكومات العربية وجامعتها في تعبيد الطريق أمام التطبيع مع إسرائيل، وبِدَفْعٍ من الولايات المتحدة.
  • الردّ على اعتبار إيران راعية للارهاب بإظهاره وجهها الديموقراطي من خلال الانتخابات التي تتيح تداول السلطة.

وثمة مَن يعتقد أن «حزب الله» الذي يدرك حجم التحديات التي تواجهه منذ أن أفصح ترامب عن خياراته، لم يجد في قمم الرياض ما يؤشر الى ما هو أدهى، وسط تركيزه على الجوانب الاقتصادية التي أرادها الرئيس الأميركي من خلال العلاقة مع دول الخليج، وإهمال الأبعاد الأخرى المتصلة بالسعي الى إحداث توازن جديد في المنطقة في مواجهة المدّ الروسي – الإيراني.

وفي تقدير أوساط متابعة أن «حزب الله» القلِق من وجود جنرالاتٍ في الحلقة الضيقة حول ترامب وإمكان جنوحهم نحو الحرب، يستبعد خياراً من هذا النوع لرغبة المجتمع الدولي بعدم تحويل لبنان إلى دولة فاشلة، وخصوصاً في ظل احتضانه لنحو مليون ونصف مليون نازح سوري، إضافة الى إدراك اسرائيل أن الضربة التي لا تميت تقوّي، في إشارة الى صعوبة القضاء على «حزب الله» اللصيق بطائفةٍ تشكّل بيئته الحاضنة.

ومن المتوقّع أن يولي نصرالله حيزاً من كلامه الى المسألة البالغة الحساسية المرتبطة بقانون الانتخاب، أي بالتوازنات المقبلة في السلطة، والتي يحرص على إبقائها غطاءً لخياراته الاستراتيجية. ولذا من المنتظر ان ينضم الى أصواتِ مسؤولين بارزين في الحزب رسموا خطاً أحمر في وجه احتمال بلوغ الصراع على قانون الانتخاب حد المجازفة بإسقاط البرلمان في الفراغ.

وبدا موقف «حزب الله» أخيراً حاسماً في الضغط في اتجاه الاتفاق على قانون الانتخاب، ولو على «تجديد شباب» القانون النافذ الذي جرتْ شيْطنته من الجميع، قبل نهاية ولاية البرلمان في 20 يونيو المقبل وإلا سقطتْ البلاد في الفوضى وعدم الاستقرار وفي فراغٍ شامل، حسب تحذيراتٍ أطلقها رئيس الكتلة البرلمانية للحزب النائب محمد رعد أخيراً.

غير أن اللافت أنه وفي اللحظة، التي لم يكن جفّ حبر تلك التحذيرات التي أُطلقت ضمناً في وجه الرئيس عون، جدّد الأخير التأكيد على موقفه السابق بأن تَجاوُز نهاية ولاية البرلمان لا يعني فراغاً بل الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية في غضون 90 يوماً ووفق القانون النافذ الذي سبق ان علّق عون العمل به، وهو أفتى أمس للمرة الأولى علناً بإمكان اللجوء اليه لـ «عدم ترك البلاد فلتانة».

وثمة اعتقاد في بيروت ان اللاعبين، خصوصاً «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس) و«حزب الله» يتجهان نحو ممارسة لعبة «عض الاصابع» حتى الرمق الأخير في مهلة نحو الشهر الفاصلة عن نهاية ولاية البرلمان، وسط تسليمٍ بأن اللعب في الهامش سيعيد الاعتبار للقانون النافذ.