IMLebanon

عرسال والقرار السياسي المُصادَر

كتب أسعد بشارة في صحيفة “الجمهورية”:

عندما يقول الرئيس سعد الحريري إنّ الحكومة فوّضت الجيش اللبناني القيام بعملية مدروسة في جرود عرسال، فهل هذا يعني انّ القرار اتخذ بتحَمّل تغطية عملية كبرى سوف ينفّذها «حزب الله» وجيش النظام السوري، في جرود عرسال، على أن يكون الجيش اللبناني على الارض لمواجهة اي محاولة من «النصرة» للتسرّب الى داخل الحدود اللبنانية؟لا يمكن عزل «حزب الله» عن هذه العملية، باعتبار أنّ الحزب دخل في مفاوضات طويلة مع «النصرة» لإخلاء الجرود ومنطقة القلمون، الى منطقة إدلب، وبعدما وصلت المفاوضات الى حدود الفشل، إقتربت العملية العسكرية، التي تمّ التحضير لها منذ فترة طويلة.

من خلال سير المفاوضات وما ستؤدي اليه، سواء في المعركة او الاخلاء يمكن استخلاص النتائج الآتية:

أولاً: إنّ هذه المفاوضات تجري تحت سقف التفاوض التركي-الايراني، الذي يجري بدوره تحت سقف التفاوض الاميركي-الروسي، الذي اقترب من الاتفاق على تحديد المناطق التي سيشملها وقف إطلاق النار، بعد أن ترسم خرائط واقعية تقسّم سوريا الى أربع مناطق: الاولى تمتد من الساحل الى الشام وحلب وهي تحت سيطرة ايرانية وروسية، والثانية في حوران والقنيطرة، وللأردن والأميركيين تواجد مباشر فيها، والثالثة محافظة ادلب التي تقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة، فيما الرابعة تقع في الشمال الشرقي ويسيطر عليها الأكراد.

ثانياً: إنّ استعجال «حزب الله» لتنظيف المنطقة الأولى يهدف الى استباق وقف إطلاق النار، وإزالة هذه الجزيرة الصغيرة المعزولة التي تقع على أطراف منطقة النفوذ الايراني في سوريا، والنجاح في ذلك سيؤدي الى نزع شوكة من خاصرة هذه المنطقة، وتكريس حدودها الواقعية المفتوحة على لبنان، كما سيؤدي الى تكريس الفرز، لأنّ هؤلاء المقاتلين سوف يتوجّهون الى ادلب التي سبق لها أن استقبلت مقاتلي الزبداني وريف دمشق.

ثالثاً: انّ المعركة بالتالي تجري على إيقاع الاجندة الايرانية، التي تهدف الى وَصل مناطق السيطرة في سوريا، والعراق، وتأمين الممر الجغرافي من طهران الى بغداد فدمشق فبيروت، وهذه استراتيجية ايرانية، بدأت تصطدم بالتفاهم الأميركي-الروسي، الذي لم يأخذ في الاعتبار المصالح الايرانية في سوريا، ومن هنا كان قرار فتح معركة جرود عرسال.

رابعاً: بَدا من خلال التحضير للمعركة أنّ «حزب الله» يحظى بغطاء كامل من الحكم، سواء بالنسبة لرئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة الذي وجد نفسه مضطراً الى السير بها بعد تَلقّيه ضمانات (لا أحد يعرف اذا كانت ستنفّذ) بشأن عرسال، كما بعد تَلقّيه وعداً بأنّ الجيش لن يشارك عملياً الّا بمنع مسلّحي «النصرة» من الدخول الى الاراضي اللبنانية، لكنّ كل هذه الضمانات لم تتطرق الى دور «حزب الله» في المعركة، كما لم تتضمن تصوّراً لما سيكون الوضع عليه على الارض في ظل حرية الحزب الكاملة بالتحرّك، عبر الحدود وداخل الاراضي اللبنانية، بما لا ينفي ازدواجية حركة الجيش والحزب على أرض معركة واحدة.

وتبدو معركة عرسال المقبلة نموذجاً عن مصادرة القرار السياسي للحكومة، وعن عدم تمكّنها ولَو من حيث الشكل، لَعب الدور المطلوب. وبالتالي، إنّ عدم قدرتها على التدخّل في المعادلة يشير الى انّ «حزب الله» هو من يقرر، وانّ دور الحكومة بات يقتصر على لعب دور الناطق الرسمي لِما يقرر خارج طاولة مجلس الوزراء، علماً انّ «حزب الله» لا يخفي انتماءه لمحور تترأسه طهران، وهذا ما يضع لبنان عملياً في خانة البلد الذي ينتمي الى هذا المحور.