IMLebanon

أوجه الشبه بين 1990 و2014

لا مبالغة في القول إنّ الوضع في لبنان على كفّ عفريت. في الأساس ساهم اللبنانيون في تخزين كلّ عوامل الخطر في الرقعة اللبنانيّة المتفسّخة والمشلّعة، واستهتروا بإرساء حدّ أدنى من الوقاية المطلوبة من خلال اندفاع زعمائهم في نزاع داخلي حادّ خالٍ من أيّ ضوابط أو مسؤوليّة وطنيّة.

مع بدء مرحلة دولة «داعش»، كان لا بدّ من توقّع الأسوأ والأخطر للساحة اللبنانية، في ظل انتشار هائل للنازحين السوريين الذين فاقَ عددهم ثلث السكان، معطوفاً على مشروع دموي مرعب لهذا التنظيم الطامح إلى بسط سلطة دولته على كلّ مناطق العراق وسوريا ولبنان في المرحلة الأولى، تماماً كما تشير تسميته.

صحيح أنّ واشنطن التي كانت تراقب هذا النموّ المطّرد لـ«داعش» في المناطق الواقعة عند الحدود السورية – التركية، فوجئت بالقدرة الكبيرة التي سمحت لهذا التنظيم بالانفلاش في منطقة واسعة، والسيطرة على منابع النفط، إلّا أنها، وعلى رغم خطورة الموقف، لا تبدو مستعجلة كثيراً لإطلاق الحرب عليه، إلّا بعد الحصول على مكتسبات تتعلّق بإعادة ترتيب خريطة المصالح في الشرق الأوسط.

فعلى «نار» داعش الحارقة تريد إعادة رسم حدود نفوذ ايران في المنطقة، وكذلك الوضع في سوريا والحضور الخليجي، إضافة إلى الصندوق المالي للدول النفطية الذي سيُموّل الحرب، ويُحرّك العملية الاقتصادية الاميركية من باب الصناعة الحربية هذه المرّة.

لذلك، لم تفتح معركة «ضرب داعش» فوراً على رغم حرب الإبادة الوجودية التي تعرَّضت لها الأقليات الدينية، وفي طليعتها الإيزيديون والمسيحيون. ومن هذه الزاوية يمكن تفسير المرونة التي رافقت تعيين رئيس جديد للحكومة العراقية. ومن هنا، أيضاً، تُفهم لعبة شدّ الحبال مع تأليف الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب، وخصوصاً الحقائب الأمنية والعسكرية.

وفي سوريا، أيضاً، شد حبال قوي في شأن طريقة التعاطي مع النظام الذي يحاول انتزاع اعتراف كامل بشرعيّته الدولية التي فقدها منذ العام 2011، لإدراكه أنّ ما يحدث الآن هو لترتيب صورة المستقبل وخصوصاً أنّ واشنطن تحتاج إلى خزّان المعلومات الذي يملكه النظام عن خفايا «داعش» وأسراره، بسبب وجود كثير من كادراته في المعتقلات السوريّة.

هذه الصورة زادت من عمق النقاش الحادّ الدائر في إيران بين جناحي المحافظين والإصلاحيين، وسرّعت في التواصل السعودي – الإيراني إلى التفاهم حيال «داعش» والعلاقات المتوترة بين البلدين. وهذه الصورة تعوّل عليها باريس لإحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية بسبب النزاع الإيراني- السعودي في المنطقة.

من هنا، فإنّ الإدارة الأميركية الذاهبة إلى انتخابات تصفية صعبة في تشرين الثاني المقبل، والتي تعوّل على استثمار إعلامي داخلي لعملية ضرب «داعش»، تريد، في الوقت نفسه، ترتيب اللوحة المستقبلية للشرق الأوسط على نار «داعش»، ولو أنها تحاول حصر «جموح» هذا التنظيم في الإطار الجغرافي الحالي.

هكذا تدخّلت الطائرات الحربية الأميركية وتتدخّل لدرء الخطر عن أربيل وسدّ العراق؛ وهكذا تُراقب واشنطن بعناية شديدة محاولات «داعش» والتنظيمات المتطرّفة لتفجير الساحة اللبنانية.

فالعواصم الغربية تملك معلومات مرعبة عن النيّات الموجودة لضرب الساحة اللبنانية كتدبير ضغطٍ مضاد على الغرب. وإذا كانت عرسال المنطقة الأكثر حساسية وخطورة، إلّا أن كلاماً كثيراً، لا يقلّ خطورة، يتردّد عن البقاع الغربي وعكّار، وأيضاً في الداخل اللبناني.

ذلك أنّ هناك من يعتقد أنّ هذه التيارات تتحضَّر لإنجاز اختراق عسكري عبر الحدود والوصول إلى العمق اللبناني. وتبدو منطقة البقاع الغربي هدفاً أساسياً في هذا المجال، أوّلاً لأنها تَحوي خليطاً طائفياً، وثانياً لأنّ اختراقها يبقى أسهل وفق اعتقاد بعضهم. أما في عكّار، فهناك من يخشى عملاً مماثلاً يُهدّد القرى والبلدات المسيحيّة.

يبدو أنّ تدابير دفاعية قد اتُّخذت لإجهاض هذه النيّات، علماً أنّ احتمالات عودة التفجيرات الإرهابية أصبحت مرتفعة، بدليل اكتشاف خمس سيّارات مجهّزة للتفجير في لبنان.

هناك من يحلو له تشبيه بعض أوجه الواقع الراهن ببعض جوانب مرحلة 1990. يومها كان التحضير جارياً لطرد الجيش العراقي من الكويت والترتيبات قائمة للمرحلة اللاحقة، التي أدّت إلى عقد المؤتمر الدولي للسلام الذي أنتج عودة ياسر عرفات وانسحاب إسرائيل من الضفّة الغربية وغزّة. وقد أنتج كذلك تلزيماً سوريّاً للبنان ووصول رئيس جديد إلى قصر بعبدا بعد نزاع عسكري عنيف ودامٍ، وبقيّة القصة معروفة.

أما اليوم، فالترتيب جار لرسم حدود المصالح للقوى الإقليمية وصورة أنظمة لدول وخصوصاً العراق وسوريا، ومستقبل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي بعد حرب غزة. لذلك هناك من لا يستبعد اشتعال الساحة اللبنانية أكثر، وأن يقترن ذلك مع إدخال لبنان في التفاهم القائم في شأن حدود مصالح القوى الإقليمية وبالتالي إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

الأكيد أنّ المخاطر الأمنية مرتفعة؛ والأكيد أيضاً أنّ حملة الضغط لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ستتصاعد خلال الأسابيع المقبلة، عسى ألّا نقع مجدداً في خطأ الحسابات الخارجية، إذ إنّ باب التسويات والمساومات مفتوح على وسعه.