IMLebanon

أولوية الحريري… والتحديات الضاغطة

 

رسم الرئيس سعد الحريري لعودته الى لبنان «خريطة طريق» مبدئية، حصرها بتفعيل المشاورات والاشراف على هبة المليار دولار التي قدمتها، قبل أيام، المملكة العربية السعودية، الى القوى العسكرية والأمنية، ولبنان يخوض أخطر المواجهات مع الجماعات الارهابية والمسلحين من «داعش» و«النصرة» في منطقة عرسال…

يعرف الرئيس الحريري، وأراد ان يقول ان الوقت يداهم الجميع، وان الدقيقة هنا بثمن، قد لا تعرفه الساحة السياسية التي توغل في المماطلة وتضييع الوقت في الاستحقاقات السياسية الداهمة… ومنذ اللحظة الأولى عقد سلسلة لقاءات واجتماعات مع المعنيين، السياسيين والعسكريين والأمنيين، من بينهم  رئيس الحكومة تمام سلام، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، للبحث في آلية صرف هذه «الهبة» التي وضعت في حساب الحريري، وهو مكلف بصرفها بمعرفته على موضوع واحد، هو تجهيز القوى المسلحة، بما يمكنها من مواجهة الارهاب، ووضع الآلية التي يفترض ألاّ تكون معقدة، وألاّ تستغرق وقتاً طويلاً…» على ما قال الرئيس سلام.

لقد أعطى الحريري الأولوية لمواجهة التطورات الداهمة حيث «لا صوت يعلو فوق صوت الاعتدال، ومعركته المفتوحة على التطرف والارهاب، وتفعيل آلية تسليح المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية…» عبر الهبة السعودية… التي شاء ان يعرف بها أمام المعنيين، في الداخل وأمام ممثلي «مجموعة الدعم الدولي للبنان…» حتى لا يذهب البعض بعيداً… لاسيما وان كثيرين من الافرقاء السياسيين كافة، كانوا يتطلعون الى «خريطة طريق» أوسع من ذلك، خصوصاً ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وقد دخل لبنان يومه التاسع بعد السبعين من دون رئيس للبلاد، ولا يظهر في المعطيات المتداولة – حتى الان – ما يشير الى أية خروقات ستحصل في جلسة مجلس النواب يوم غد الثلاثاء، والمخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية… كما ويتعلق بالاستحقاق الآخر الداهم، المتعلق بالانتخابات النيابية في تشرين الثاني المقبل…

وإذا كانت تسوية التمديد لمجلس النواب، قد وضعت على نار حامية، بعد اعلان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق (بعد زيارته الرئيس نبيه بري في عين التينة أول من أمس) «ان الوضع الأمني لا يسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في تشرين الثاني المقبل… وكلنا يرى ويعيش ما يجري من تطورات أمنية من حريق في المنطقة يمتد الى لبنان…» أما قرار التمديد او عدمه فيعود الى السلطة السياسية ومجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي طبعاً بعدها في مجلس الوزراء…. فإن عقبات لا يمكن انكارها قد تعترض هذا الخيار، من بينها رفض تكتل «التغيير والاصلاح» (العوني) التمديد وإصراره على اجراء الانتخابات في موعدها، مقابل تمسك كتلة «المستقبل» وحلفائها بأولوية انتخاب رئيس للجمهورية…

في قناعة البعض، ان غالبية القوى السياسية، على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار، وما بينهما، ستتحمل مسؤؤليتها في الدفاع عن التمديد لمجلس النواب «كأمر واقع لا بديل له…» خصوصاً مع عدم نضوج طبخة انتخاب رئيس الجمهورية…

لقد كان الافرقاء السياسيون يتطلعون الى «خريطة طريق» حريرية للخروج من مأزق الشغور الرئاسي… لكن الرئيس الحريري فاجأ الجميع بأن وضع الأولويات في مكان آخر، ولم يضف جديداً الى ما كان عمل له على خط الانتخابات الرئاسية طوال الأشهر الماضية… وهو عندما سئل، لم يخفِ رغبته في «لو كانت عودته لها علاقة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية..» موضحاً «الحقيقة انني كنت أتمنى ان يحصل ذلك، وان يكون أول تحرك لي فور العودة زيارة القصر الجمهوري، او النزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد…» مشدداً بالقول على ان انتخاب الرئيس «هو مسؤولية الجميع، وليس صحيحاً ان هذه المسؤولية يتحملها سعد الحريري منفرداً…» ليخلص الى القول داعياً الى «فتح الأبواب أمام توافق واسع على الرئيس والانتقال الى التضامن الوطني لمواجهة التحديات الماثلة…» ليرمي الكرة في «ملعب التوافق المسيحي الذي مايزال يدور في حلقة مفرغة…».

تختصر مصادر بارزة في «المستقبل الموقف بكلمات موجزة ومعبرة: «لا جديد… ولا فيتو على أحد…»؟! وهي خلاصة تتقاطع مع مواقف الرئيس نبيه بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ولم تنضج كفاية داخل أفرقاء 8 و14 آذار، خصوصاً المسيحيين منهم، حيث يلتزم «حزب الله» الصمت، ولا يريد ان «ينقز» حليفه الجنرال عون، وان كان مسيحيو 14 آذار، أكثر استعداداً للبحث في مرشح من خارج الفريقين، ولو «بجهد جهيد».

ليس من شك في ان الرئيس الحريري سيجد نفسه أمام لوحة الاستحقاقات الداهمة في موضع غير القادر على إدارة الظهر او التمسك بأولوية دون الأخرى… وان كان الهاجس الأمني يتقدم على كل ما عداه… خصوصاً، وان لا ضمانات حقيقية تؤكد ان ما حصل في عرسال قد انتهى الى غير رجعة، وبات صفحة من صفحات الماضي… وان المسلحين الذين قاموا باعتداءاتهم على الجيش وقوى الأمن الداخلي تركوا عرسال البلدة، لكنهم لم يتركوا الأراضي اللبنانية، بالمطلق وان احتمال العودة وارد في كل لحظة، ليس من باب البلدة البقاعية، وحسب، بل وعبر العديد من المسارب في الجرود العكارية أيضاً، وهو أمر، كان ولايزال، موضع متابعة حثيثة لدى الأركان العامة… خصوصاً أكثر، ان مسألة تسليح الجيش وسائر القوى الأمنية لا يمكن ان تتم وتنجز بين ليلة وضحاها؟!