IMLebanon

اتصال هولاند بجنبلاط: معطى جديد له شأنه وأبعاده!

  كثر من الذين اعتادوا اخذ كلمة السر من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط اتصلوا به فور سماعهم نبأ اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند به علّهم يقفون على أمر جديد، ولكنهم فوجئوا بزعيم المختارة يربأ في الافصاح عن أي معطى من شأنه ان يروي غليلهم ويلبي رغبتهم ولا سيما في موضوع الساعة الملح وهو الاستحقاق الرئاسي.

بناء على صمت جنبلاط انطلقت الأوساط السياسية التي “فرّغت” نفسها لمهمة متابعة تفاصيل هذا الاستحقاق وما يتصل به من مستجدات في رحلة تحليل وقراءة لهذا العنصر المستجد وما ينطوي عليه من أبعاد فتوصلت الى استنتاجات وملاحظات اولية ابرزها:
– ان اتصال هولاند فيه، من حيث المبدأ، خرق للبروتوكولات المعروفة، وهو اتى ايضاً بعدما استنفدت الى حد كبير كل الجهود والاتصالات بين الأفرقاء الداخليين بغية التوصل الى صيغة ما من شأنها ان تسهّل ولادة ظروف تسمح بانتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهلة الدستورية المعروفة وكان آخرها اللقاء الذي عقد في باريس وجمع زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري بموفد “تكتل التغيير والاصلاح” الوزير جبران باسيل، والذي اشارت كل المعلومات المعلنة والمضمرة الى انه لم يكن على قدر آمال التيار البرتقالي، وإن كان الفريقان حرصا على القول بأن الأبواب بينهما لم توصد كلياً بعد، الامر الذي فسره البعض بأنه تلطيف هادف للاخفاق.
وعليه فان اتصال الرئيس الفرنسي يندرج في سياق اساسي وهو ان باريس انطلقت لترجمة دور ما في الاستحقاق الرئاسي كان كثر الكلام عنه قبل فترة خصوصا لجهة ان الغرب عموماً ومعه عواصم اخرى أوكلت الى باريس مهمة ادارة شأن هذا الاستحقاق نظراً إلى الدور التقليدي للسياسة الفرنسية في الساحة اللبنانية. ولا ريب ان الاوساط عينها انطلقت بناء على ذلك في رحلة تقص واستقصاء عن حقيقة صلة المملكة العربية السعودية بالدور الفرنسي المفترض، وهل ثمة تنسيق بين البلدين ام لا لأنه يتوقف على الجواب عن هذا التساؤل الكثير من الأمور.
– ان اتصال هولاند بجنبلاط قاربته الأوساط عينها على اساس ان باريس تعوّل في مسعاها المرتقب ودورها المفترض في الاستحقاق على دور الوسطيين، خصوصاً ان رئيس التقدمي هو القطب الاساسي عند هذا الفريق الذي من المعلوم انه بادر مبكراً الى تصدّر موقع وازن ومؤثر استعداداً لمثل هذه اللحظة، ولاسيما بعدما أظهر انه بيضة القبان في ظل توازن القوى بين فريقي 8 و14 آذار، وبعدما نجح في جذب الرئيس نجيب ميقاتي ومن معه الى الموقع الوسطي، وبالتالي صار هذا الموقع رقماً صعبا يخطب ودّه الجميع ويعبر البعض عن ضيقه منه على غرار ما تبدّى في كلام لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري.
– ان اتصال هولاند فتح باب التساؤلات لدى جميع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي عما اذا كان لدى العاصمة الفرنسية عرض جاهز ينطوي على اسم، ام ان هذه العاصمة ما برحت في طور مرحلة جس النبض والبدايات التي تحتاج الى مزيد من الوقت لجمع وجهات نظر الأطراف وايجاد القواسم المشتركة بينهم.
– ان ثمة من وجد في اتصال هولاند بجنبلاط دلالة بيّنة على ان باريس تبعث بذلك رسالة الى من يعنيهم الامر فحواها انها مع وجهة نظر الوسطيين الداعين ضمناً الى رئيس توافقي ونبذ فكرة الرئيس المنتمي الى فريق من فريقي الصراع.
– ان تكتم جنبلاط على مضمون الاتصال بالرئيس الفرنسي هو في نظر المعنيين دلالة على أن ثمة امراً ما يخشى زعيم المختارة وسواه ان يحترق ويضيع في حمأة الصراع اذا ما بادر الى الكشف عن جوهره وخصوصاً ان المعنيين مباشرة بالاستحقاق الرئاسي ما زالت آمالهم كبيرة في فرض انفسهم كأمر واقع لا بد منه ولا غنى عنه.
– ان ثمة اوساطاً في فريق8 آذار وخصوصا في “حزب الله”، تقول انها لم تتلقَّ بعد اي اتصال مباشر او غير مباشر من باريس في شأن الاستحقاق الرئاسي، ولكنها لا تستبعد ان تبادر القيادة الفرنسية في لحظة من اللحظات الى فتح قنوات الاتصال مع الحزب خصوصاً ان باريس حرصت دوماً على ان تظل هذه القنوات مفتوحة.
– وبالطبع ثمة من يتساءل في هذه الأوساط: هل ان باريس ما زالت تقيم على قناعة فحواها ان بمقدورها الدفع باتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية المعروفة، ام انها بدأت تعمل على غرار العديد من المعنيين في بيروت على اساس ان الفراغ الرئاسي صار في خانة الحتمي؟
ولا شك في ان هناك من يجد صلات وروابط بين الحراك الفرنسي الجديد وزيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى العاصمة الفرنسية.
وبصرف النظر فالثابت ان المعطى الآتي من باريس هو الوحيد المعطى المتحرك والمتحول، في حين ان كل المعطيات والعوامل الاخرى ولا سيما منها الداخلية جامدة، وعليه فالسؤال المطروح بالحاح: هل نفض الافرقاء الداخليون ايديهم واخذوا الفرصة المعطاة لهم لتدبير امرهم، وبالتالي هل بدأت “الرعاية” الخارجية الفعلية للاستحقاق الرئاسي؟
اتصال هولاند لا يوحي بغير ذلك.