IMLebanon

الأخطاء القاتلة

 

يخطئ التنظيم السوري المسلح اذا كان يعتقد انه يحسن صنعاً بإطلاق سراح بعض المختطفين من العسكريين اللبنانيين والاستمرار في حجز حريات بعضهم الآخر. ويخطئ أكثر اذا كان يعتقد انه يكسب ود طائفة الذين أطلق سراحهم، وانه ينتقم من طائفة الذين يواصل احتجازهم. صحيح ان عائلات الذين تحرروا من الأسر فرحوا بعودة أبنائهم اليهم، غير ان طائفتهم لم تفرح. تفرح طائفتهم عندما تفرح كل الطوائف المكونة للبنان، أي عندما يتحرر جميع المخطوفين.

فالعسكريون جميعهم أبناء وطن واحد، وأبناء أسرة أمنية واحدة. كانوا في مهمة واحدة للدفاع عن أمن وسلامة وطن واحد هو لبنان. فإذا كانت هذه المهمة تبرر لدى التنظيم السوري المسلح اختطافهم، فان جميعهم متساوون في تحمل تبعات اداء هذا الواجب الوطني الشريف وفي دفع ثمنه. واذا كانت تبرر اطلاق سراحهم، فان الجميع متساوون في الحق باستعادة الحرية بشرف وكرامة.

ان التمييز بين العسكريين اللبنانيين على اساس مذهبي يصيب التنظيم السوري المسلح مقتلاً. لم يكن أي من هؤلاء العسكريين مكلف بالدفاع عن الطائفة التي ينتمي اليها. كان يدافع عن لبنان، اي عن كل الطوائف. ولذلك يرتكب التنظيم السوري المسلح خطأ مزدوجاً بإطلاق سراح مجموعة لانتمائها الى مذهب محدد، وبالإبقاء على مجموعة أخرى لانتمائها الى مذهب آخر. فالاختطاف كان على الهوية الوطنية، واطلاق السراح على الهوية المذهبية. والأمران على درجة كبيرة من السوء.

قد يختلف أهل هذه المذاهب، ولكنهم ليسوا من السذاجة بحيث يقعون في شرك لعبة غبية تستهدف تحويل اختلافهم الى خلاف. والخلاف الى صراع. والصراع الى تقاتل.

كم يبدو التنظيم السوري المسلح قصير النظر عندما يستعدي على قضيته طائفة لبنانية كبرى. ليس صحيحاً ان هذه الطائفة تقاتل في سورية ضد هذا التنظيم أو ضد قضيته. هناك قوة حزبية محددة تقوم بذلك، وليس كل الطائفة. كانت الحكمة تتطلب اطلاق سراح ابناء هذه الطائفة من العسكريين اولاً، وقبل غيرهم، ليوجه التنظيم المسلح بذلك رسالة الى الطائفة المعنية بانه ليس في حالة حرب معها. غير ان معاقبة العسكريين اللبنانيين لانتمائهم الى هذه الطائفة تحديداً يقطع الطريق امام عقلاء هذه الطائفة وهم كثر، وأمام أبنائها وهم الأكثرية، لمواصلة جهودهم من أجل فك ارتباط لبنان بالأزمة الدموية في سورية.

في الاساس لا يجوز شرعاً أو قانوناً أو أخلاقياً معاقبة أي انسان لدينه أو لمذهبه. يعاقب الانسان لجرم يرتكبه. وتتم معاقبته بعد محاكمته وادانته. اما أن يدان ويعاقب لمجرد انتسابه الى مذهب معين أو الى دين معين، ففي ذلك انتهاك لشرع الله وللمواثيق الدولية.

جريمة منكرة الاعتداء على مواطن مسلم لأنه علوي أو شيعي أو سني. وجريمة منكرة الاعتداء على مواطن مسيحي لانه مسيحي. فالإيمان المختلف ليس إثماً ولا هو جناية وطنية.

ثم ان هؤلاء العسكريين اللبنانيين جميعهم لم يكونوا في مهمة قتالية في سوريا ضد اي جهة، أو مع أي جهة، كانوا في مهمة دفاعية عن لبنان داخل الأرض اللبنانية. فكيف يمكن والحالة هذه أن يتوقع التنظيم السوري المسلح تعاطفاً لبنانياً مع قضيتهم في الوقت الذي ينتهكون هم حرمة السيادة اللبنانية ويختطفون العسكريين من داخل الأرض اللبنانية؟.

أي مصلحة يحققها التنظيم السوري المسلح بتحويل خلافه مع حزب في لبنان الى خلاف مع طائفة من الطوائف الكبرى المكونة للبنان ؟ وأي مكسب يحققه هذا التنظيم عندما يفقد القدرة على التمييز بين حزب وطائفة ؟. ومن قال له انه باستعدائه الطائفة يعاقب الحزب أو ينتقم منه ؟ وأي مصلحة يحققها بتحديه لكل لبنان من خلال المس بكرامة عسكرييه والاعتداء عليهم ؟.

تحتاج القضية السورية الى مزيد من الانصار، وليس الى استعداء المتعاطفين معها.. تحتاج الى جهود لاستقطاب كل الطوائف والاستقواء بها وليس الى تنفيرها والاستقواء عليها.

ولذلك فان ما فعله التنظيم السوري المسلح في عرسال وفي جرودها يفتقر الى الحد الأدنى من الوفاء لتضحيات بلدة عرسال خاصة بانتهاك حرمة أمنها وسلامة أهلها، ولتضحيات لبنان عامة الذي يتحمل أعباء استضافة اكثر من مليون مهجر سوري. وبدلاً من أن توجه اليه كلمة شكر وثناء، توجَّه الى وحدته الوطنية طعنات الفتنة المذهبية.

ان من الوفاء للبنان وللقضية الوطنية في سورية اطلاق سراح جميع العسكريين اللبنانيين المختطفين دون تمييز طائفي أو مذهبي، والاعتذار اليهم والى ذويهم. فالمظلوم لا يظلم. الذي يظلم هو المعتدي.