IMLebanon

«الجرأة على الجرأة» في مواجهة الخاطفين

 

في هذه الظروف العصيبة بالذات، كمثل الظرف الموجود فيه لبنان، بعد اختطاف عرسال واختطاف أبناء بلدنا من العسكريين المنتمين لأكثر من منطقة وطائفة، تظهر المشكلة الأساسية للتركيبة السياسية اللبنانية بشكل موجع. 

فالحقيقة أنّ الإطار المرتسم لعملية الخطف واضح، وما يفرضه الإرهابيون من ابتزاز نافر، وثمة خيارات مرّة ينبغي الاختيار بينها لا خارجها، والعتب على الاختيار.

فإذا كانت الأولوية هي لتحرير المخطوفين من العسكريين وعودتهم سالمين إلى ذويهم وإلى مؤسستهم الوطنية الشرعية، فهذه الأولوية ينبغي أن يتمّ التركيز عليها كمنطلق يحمي الحكومة والجيش في كيفية تصرّفهم سياسياً وأمنياً مع القضية. لا يمكن أن تميّع هذه الأولوية. لا يمكن التعامل مع الموضوع على أنّ ليس فيه أولويات ثابتة، بل «أولويات متحرّكة«. إذا كانت الأولوية هي تحرير المخطوفين فلنجعلها كذلك بشكل واضح ليس فيه لبس وليكن منطلقاً وطنياً جامعاً. الإرهابيون يفرضون معادلة ابتزاز على اللبنانيين، وبالتالي فأول ما يفعله اللبنانيون هو رفض ابتزاز بعضهم البعض على خلفية أيٍّ من تداعيات هذه القضية التي يفترض أن تجمع بينهم بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة. 

عندما يحدث هذا النوع من القضايا، خطف إرهابي لمدنيين أو عسكريين، تكون هناك دولة، حاضرة بسياستها وأمنها، بحكومتها وأجهزتها، ويكون هناك الإرهابيون الخاطفون وضحايا خطفهم، الذين على قيد الحياة والذين قتلوا أثناء عملية الخطف أو في ظل احتجازهم، ويكون هناك الوسطاء. هذا بديهي، إلا عندنا. فدور الدولة في هذا الباب لا يمكن أن يجري تقاسمه بينها وبين أي «مجتمع مدني« أو «أهلي« في هذه المسألة، فيما المعركة، تفاوضية كانت أو أمنية، مفتوحة. فالتحدّي هو تمكين الدولة، تمكينها من الاختيار بين خيارات ليس فيها أي خيار غير محفوف بخطر ما، أو بتضحية ما. في هذه القضايا ليس هناك «ربح مطلق«، لكنْ ثمة «ربح بالمحصّلة« أو «انتكاسة بالمحصّلة«. 

إنه لوضع استثنائي جداً حين تنجح مجموعة إرهابية في اختطاف عسكريين وفي السيطرة على بقعة من لبنان، لكنّ وضعاً كهذا يفترض أن يكون لديه من لديه «الجرأة على الجرأة«، الجرأة على اتخاذ القرار السيادي المسؤول وعلى أن يحاسب بعد ذلك على ما اتخذه من قرار، وأمام المؤسسات الموكلة بذلك. هنا يظهر التعطل الكبير في التركيبة اللبنانية. فهذه المساحة، مساحة «الجرأة على الجرأة«، التي يوجزها الفيلسوف الألماني كارل شميت في أن «صاحب السيادة هو الذي يقرّر حال الاستثناء«، هي المفقود في هذا النظام السياسي، وهي المفقود بشكل أكبر في ظلّ شغور المنصب الأول في الدولة اللبنانية. إن الفراغ الدستوري هو تركة ثقيلة تتراكم شهراً بعد شهر، وتظهر فداحة ذلك أمام قضية كمثل اختطاف العسكريين. ثمة نقص هيكلي هنا لا يمكن أن يسدّه أحد الآن. 

عدوان الإرهابيين على عرسال والعسكريين، وإراقة دماء شهيدين من جنود وطننا، إنما يكشفان مشكلة أساسية تتصل بصنع القرار عندنا وتحمّل مسؤوليته، شدّة أو ليناً، في الوقت المناسب. وهذا تفريع على مشكلة مركزية: مشكلة الشرعية. 

بالتوازي، هذا التحدّي بالذات يفترض أن يكون مدخلاً للانتباه إلى أن هناك أشياء ثمينة ينبغي الحرص عليها في هذا البلد، وهو البلد نفسه، ومؤسساته، بدءاً من تلك الدستورية، ووصولاً إلى استعادة استقلالية هذا البلد عن الأتون الإقليمي قدر المستطاع. فإذا كان تحرير المخطوفين هو الأولوية المباشرة، فإن إعادة تسييج لبنان وفصله بشكل تدريجي لكنْ سريع، عن الحريق الإقليمي، فيه مصلحة لكافة اللبنانيين، وما عادت المكابرة جائزة.