IMLebanon

كيف ولماذا عاد الشيخ سعد؟ ومن قدّم الضمانات المطلوبة؟ قرار أميركي ــ سعودي باستعادة المبادرة على الساحة السنية

على وقع هدير الطائرات الاميركية، الموقعة بالصواريخ ،خريطة تثبيت الحدود الشمالية لدولة «سنستان» العراقية،ترتسم في سماء المشهد السياسي اللبناني خطوط جديدة، بدأت ملامحها مع التطور الامني العرسالي مطلع الاسبوع، مرورا باللقاء السياسي الوسطي في منزل الرئيس السابق ميشال سليمان، مرورا بزيارة رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الى الرابية بعد حارة حريك، وصولا الى الحدث المفاجأة الذي شكلته عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد ثلاث سنوات من «منفاه القسري»،ينتظر ان تحرك الجمود السياسي باعتبار ان الظروف التي حملته على البقاء خارج لبنان منذ ايار 2011 وحتى 7 آب 2014، لا بد انها تبددت وكفلت عودته للبقاء.

عمليا تقول مصادر في تيار المستقبل اتت العودة تتويجا لمرحلة بدأت من نداء الملك عبد الله بن عبد العزيز حول نبذ التطرف والارهاب الذي تشنه الحركات التكفيرية باسم الدين والاسلام، لتستتبع بهبة المليار دولار، وتزامنا مع نداء بطاركة الشرق من الديمان الذي دق ناقوس الخطر في ما يتصل بوضع المسيحيين في العالم العربي وعدم تحرك المسؤولين المسلمين والعرب والدوليين لمساندتهم مطالبين بإصدار فتاوى رسمية تحرم الاعتداء عليهم .

فالعودة الموعودة تضيف المصادر حتمتها المستجدات التي فرضت نفسها على ساحة المنطقة من العراق وسوريا فلبنان وصولا الى الخليج ، في ظل الخطر المحدق بالاعتدال السني ، والذي دق ناقوس خطره الملك السعودي الاسبوع الماضي، فكانت مكرمة المليار دولار السعودية وتكليف «الشيخ السعد» تنفيذها وترجمتها دعما للجيش والقوى الامنية والعسكرية في حربها على الارهاب،الحصان الذي حمله الى بيروت ،ليعيد رسم المشهد السياسي الداخلي خالطا الاوراق من جديد، ليتقاطع مع المسعى الجنبلاطي ،ناسفا كل الكلام الذي قيل عقب اللقاء الاخير بين الرجلين في باريس.

المتابعون للملف، يؤكدون ان الاتصالات الاميركية – السعودية، على وقع التقارب بين واشنطن وطهران ،واستشعار جميع المتعاطين بالملف الاقليمي خطورة تمدد الاصولية المتشددة، والمتمثلة بتنظيم «داعش» من العراق مرورا بسوريا ووصولا أخيرا إلى الحدود اللبنانية، وما تفرضه هذه المرحلة من تضافر جميع الجهود لإنضاج تسوية معينة تبدأ بإعادة تكوين السلطة في لبنان من خلال إنتخاب سريع لرئيس جمهوريته، افضت الى نتيجة مفادها ضرورة استعادة المبادرة على الساحة السنية في مواجهة هجمة الحركات الاصولية، واعادة الامساك بهذا الشارع، خاصة في لبنان، بعدما فقد تيار المستقبل طوال السنوات الخمس الماضية الكثير من مفاصل القوة، والذي انعكس على شعبية التيار وداخل صفوفه تململا ونقمة، استغلتها جهات معينة، ليس آخرها ما حصل في عرسال سواء على صعيد المفاوضات او حتى رفض الاهالي للمساعدات المقدمة من مؤسسة الحريري.

المصادر في 14 آذار لم تخف مدى أهمية وجود الحريري في لبنان من زاوية التأثير في الوضع السني الذي يشهد حالاً من التشنج والغليان بعد موجة التطرف والإرهاب التي باتت تشكل خطراً على وجه الاعتدال السني، مشيرة الى ان عودته تسحب فتيل التوتر، داعية الى عدم الافراط في التفاؤل في ما يتصل بأسباب وأهداف عودة الحريري، على أهميتها، ذلك ان أكثر من ملف حمله على العودة ، دون ان تكون بالضرورة مؤشراً الى إنجاز الطبخة الرئاسية، كما حاول البعض ان يوحي، فهي ربما تشكل حافزاً لإنهاء الأزمة، الا انها لن تنتج رئيساً في الجلسة المقبلة بالتاكيد، معتقدة بوجود بداية مسعى للحل دون ان تكون هناك تسوية جاهزة وفق ما يتردد. فالنتائج السياسية لن تظهر بسرعة، لان الوضع معقد والشارع معبأ، والملفات العالقة ضخمة، وكلها تتطلب تنازلات من الفريق الآخر لتحقيق انجازات فيها والا فالاقامة في بيت الوسط لن تطول، فضلا عن ان الشارع غير جاهز لتقبل اي تنازلات حتى ولو شكلية راهنا، ما يفترض فسحة من الوقت لاعادة التوازن الى الساحة السنية، قبل ان يحين وقت المبادرات.

في المقابل، اعتبرت مصادر سياسية في قوى 8 آذار ان عودة الحريري قد يكون خلفها قرار سعودي بوجوب لملمة الحالة السنية المتفلتة في لبنان وحصر خطر تمدد التطرف، خصوصا ان في جعبته مليار دولار يمكن ان توظف في جزء منها لهذه الغاية، مشيرة الى ان لا جديد على مستوى الملف الرئاسي لأن الستاتيكو القائم لم يشهد اي تغيير او تطور قد يدفع بالاطراف الممسكة بالملف الى تعديل مواقفها، معربة عن الاعتقاد بان تلك الخطوة، جاءت منسقة مع بيك المختارة، في المعنى السياسي، والتي بدأت من زيارة حارة حريك مرورا باجتماع اليرزة وصولا الى الرابية، يسانده في الظل ويدعمه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وان كانت ملامح خارطة طريقها قد بدأت تلوح من خلال ثلاثية «الوضع الامني اولا والسياسي ثانيا والدستوري ثالثا» ، بحسب ما اعلن وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور من عين التينة والذي رأى في اشارة لافتة تباشير تسوية رئاسية .

ماذا تعني عودة الرئيس الحريري في قاموس السياسة الداخلية؟ وما هي ابعاد توقيتها؟ هل تتوج الانفراج الامني بعد الازمة العرسالية بانفراج سياسي؟ وكيف ستستثمر هذه العودة من فريقي 8 و14 آذار اللذين اختلفت قراءتهما الى حد التضارب؟ وما حقيقة الكلام عن نضوج الطبخة الرئاسية من ضمن تسوية شاملة قد تترجم في جلسة الانتخاب المحددة يوم الثلثاء المقبل؟هل اقترب موعد المواجهة بين السلفيين و«المستقبل»؟

مهما كثرت التأويلات واتسعت التحليلات تؤكد مصادر في «تيار المستقبل» ، فان عودة الشيخ سعد ستخلط الكثير من الاوراق وتقلب الكثير من المعطيات ، فارضة واقعا جديدا بمعدلات سياسية مختلفة عما عرفته البلاد قبل احداث الاسبوع الاخير. فعلى قدر كثرة التساؤلات واتساعها، ترتفع نسبة الارتباك والتشابك.