IMLebanon

تباين في التيار والقوات حول التحالف مع جنبلاط… و«البرتقالي» اكثر تشدداً

تأمّلت أوساط سياسيّة رفيعة المستوى في الانتخابات النيابيّة المقبلة بعد أحد عشر شهراً، وما يصاحبها من تحضيرات وتحالفات لتصف المشهد برمته بأنه فريد من حيث بنيته الجديدة. فالثقافة اللبنانيّة الانتخابيّة والسياسيّة لم تتلف وتلك النمطيّةَ الجديدة المنطلقة من هذا التزاوج بين النسبية والصوت التفضيليّ ضمن خمس عشرة دائرة ستنحصر فيها المعارك الانتخابيّة المقبلة. إنها لتجربة لم يألفها التاريخ اللبنانيّ، وتنغرس به كقاعدة مختلفة وغير متخلّفة ناهدة نحو الحداثة الديموقراطيّة ورانية إلى تطوير النظام السياسيّ بدءاً من تطوير النظام الانتخابيّ، بعد حقبة طويلة من التخلّف والجهالة والفساد، هيمنت على العقول وفرضت نظامها الجامد والفاسد في آن.

الملاحظات أبديت ودوّنت ليس من كتّابها أو القائلين بها، بل عند القيادات السياسيّة التي رأت فيها كملاحظات عملية ديناميات يفترض ان تتحرّك في قلب المشهد السياسيّ الانتخابيّ الحاليّ، حتى لا يصير القانون الجديد ملتبساً أو موضع التباس، وحتى لا تتسلّل إلى عمقه الأنماط القديمة المترجمة بثقافة المحادل المعبرة عن النظام الأكثريّ، أو التي قد تكون مدى له بحال المغالاة. وتقول المعلومات بأنه خلال هذه المدة الفاصلة ستشتدّ القراءات وتتكثّف أكثر، فعهد الرئيس ميشال عون يراد له أن يكون مضيئًا ومتفاعلاً ومتواصلاً مع التغيير الحقّ، لكون الرئيس قرّر أن يكون الوطن جديدًا مع انكبابه على بناء الدولة النظيفة والعادلة، كما ترى بعض المصادر المواكبة.

وفي تقييم عام لهذا المسرى، يقرأ بعض المعنيين به بأنّه سيؤمّن للمرة حيويّات سياسيّة متحركّة في هذه اللحظة وتتراكم عناوينها بغزارة سواء في التحالفات أو في المنافسات، والمتجهة ببعضها إلى معارك انتخابيّة شرسة. وعند هؤلاء المعنيين لم يعد الوقت مؤاتيًا للترف بل للعمل وبناء التحالفات على قواعد صلبة وليست هشّة. وفي الأصل ثمّة تحالفات كالقوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحرّ ستتبدّل آفاقها وتتغيّر مشهديتها في بعض المناطق كدائرة عاليه والشوف وربمّا زحلة، في وقت سيبقى التحالف قائمًا فيما بينها دائرة البترون الكورة وصولاً إلى إهدن بشري، وهي ستشهد معارك قويّة، وكسروان جبيل والمتن، وقد يظهر الافتراق في دائرة بعبدا. ففي التحالف أو الافتراق الانتخابيين، فإن التحالف القواتيّ-التياريّ لن يكون ممسوسًا في خطوطه العريضة وعنوانها المحافظة على الحضور المسيحيّ في لبنان.

يطرح المعنيون سؤالاً حول الأسباب الآيلة إلى الافتراق في عاليه والشوف، وستشهد هذه الدائرة معارك شرسة؟

ثمة سببان أساسيان برأيهم، واحد سياسيّ وآخر سياسيّ-تكتيّ.

1-السبب السياسيّ: ثمّة سوء فهم طغى في «ميكانيزم» قراءة الطرفين للعلاقة مع وليد جنبلاط وجدلية علاقته بشعبه كزعيم درزيّ أساسيّ، وجدليّة علاقته بالجانب المسيحيّ. في الخطّ العريض التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة متفقان على ترسيخ العيش المشترك في الجبل بين المسيحيين والدروز، وقد فهما من خلال التجارب العديدة والقراءات التاريخيّة بأنّ الجبل اللبنانيّ بدائرته الحالية هو أصل لبنان الصغير، كما هو أصل لبنان الكبير. وليس للبنان الصغير أو لبنان الكبير أن يحترّ التجارب الدمويّة وتكون مساحة لحروب من أجل الآخرين. يستوي الفرق بينهما بأن القوات اللبنانيّة تعتبر بأنّ المنازلة القصوى مع جنبلاط ضرب من ضروب التهوّر. ويمكن إيجاد حالة نوعية من التعاطي معه باستكمال التفاوض المرن والاتفاق على أسس لاختيار المرشحين. ويرى التيار الوطنيّ الحرّ في المقابل، بأن إرادة العيش الواحدة في الجبل طاغية برضى كبير، وقد ناضل التيار غير مرّة من أجل ترسيخه وتعميمه وتثميره في بنية النظام السياسيّ اللبنانيّ. لكن وليد جنبلاط وكما رأى التيار تصّرف مع المسيحيين في الجبل كأنه جزء من ذاتيته وإرادته وكأنهم خالون من كيان وصوت. ويذكر التيار كيف تصرّف وليد جنبلاط مع الانتخابات الفرعيّة في عاليه حين توفي النائب بيار حلو سنة 2003 فما كان من جنبلاط سوى أن قرّر ترشيح نجله النائب الحالي هنري حلو من دون العودة إلى المرجعيات المسيحيّة المختصّة روحية أو سياسيّة، وقد قرّر التيار آنذاك ترشيح النائب حكمت ديب ردًّا على ترشيح جنبلاط لحلو.

مشكلة التيار في هذا السياق مع جنبلاط هي بالتجاوزات القائمة في عقله لمنطق الشراكة الحقيقيّة، وقد ناضل التيار الوطنيّ الحرّ غير مرّة لتحقيقها، وقد رسا هذا المنطق بتفاعلاته مع حزب الله وتيار المستقبل ضمن قاعدة تشاورية مشتركة وتنسيقيّة تحصل بصورة دائمة. الكيمياء المفقودة بين وليد جنبلاط وجبران باسيل نابعة من المزاجية الجنبلاطيّة الآحادية بحسب وصف التيار. ويعتقد المعنيون بأنّ التيار الوطنيّ الحرّ يفقه مبادئ العيش المشترك بأنها طالعة من تعاقد ميثاقيّ شركويّ بين كلّ الطوائف اللبنانيّة يبطل كلّ خصوصيّة نافرة ومتضخمة، فتتلاقى الخصوصيات مع بعضها ضمن عقد سياسيّ اجتماعيّ متوثّب نحو بناء لبنان. ويفهم التيار الوطنيّ بأن العلاقة المسيحيّة-الدرزيّة في الجبل يفترض بها أن تسلك هذا السلوك وهي راسخة مع فئات درزية عديدة ترى نفسها قريبة في الخطوط العريضة والاستراتجيّة مع التيار الوطنيّ الحرّ كالحزب الديموقراطيّ الاجتماعيّ الذي يرأسه الأمير طلال أرسلان أو الوزير السابق وئام وهّاب. فليس من مشكلة مسيحيّة درزيّة في الجبل ومن غير المسموح تحويلها الى هذه الناحية وقد تبيّن المشهد جامعًا في الإفطار الدي دعا إليه مرشّح التيار الوطنيّ الحرّ عن المقعد الأرثوذكسيّ إيلي حنّا حيث شارك فيه ممثلون عن أرسلان وحزب الله وكان فيه مشايخ دروز كما كهنة مسيحيون وإمام بلدة القماطية وعشائر عرب خلدة. التيار الوطنيّ الحرّ بكلّ مرشحيه مؤتمن على هذه الرسالة وقمتها ستكون في البترون هذا اليوم، هناك صراع انتخابيّ فقط بين التيار الوطنيّ الحر ومرشحي اللقاء الديموقراطيّ برئاسة النائب وليد جنبلاط وفي اللائحتين يوجد مسيحيون ودروز ومسلمون سنّة وسيتمّ تحالف التيار بدوره مع تيار المستقبل.

-السبب الثانيّ سياسيّ تكتيّ: وهو ما سيسود على واقع العلاقة بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، ويبدي المعنيون أسبابها بأنّ القوات في الجوهر ليست بعيدة عن الأسباب الموجبة عند التيار الوطنيّ الحرّ وفي التوق إلى إرساء قاعدة متينة متوازنة للعلاقة المسيحيّة-الدرزيّة في الجبل ضمن خصوصيّة واحدة جامعة وليس ضمن خصوصيات نافرة، وقد شارك التيار في هذا الأمر إذ بنيت معركة انتخاب الرئيس التي خاضتها القوات متحالفة مع التيار على تلك الرؤية، وهي مؤمنة بالميثاقية في العلاقة. وعلى الرغم من ذلك فإن مبدأ التفاوض المرن بإمكانه ان يؤدي إلى نتائج مقبولة وهذا ما خاضه النائب جورج عدوان في الشوف.وفي السياق التكتيّ فالأفضل عدم التواجد في الجبل كثنائيّ مسيحيّ مترابط في الشكل، فهو مترابط في الأهداف بجوهرها بعكس المناطق المسيحية حيث سيوجدان مترابطين ومتحالفين حتى العظم. فالتحالف في المناطق المختلطة كالجبل وإن طغت عليها أكثرية مسيحيّة لكنها مرتبطة بواقع درزيّ واضح. ويرى المعنيون بأن جنبلاط وأرسلان لن يكونا على الأرجح حليفين كثنائيّة درزيّة فلن يتعاطى أرسلان مع هذا الواقع كأنه جزء منه، بل سيرى نفسه مديدًا وسيدًا على الأرجح في التحالف مع التيار الوطنيّ الحرّ كما تظهر المعلومات. فلا ثنائيّة مسيحيّة بوجه ثنائيّة درزيّة، وهذا ما يجعل المشهد الانتخابيّ متفلّتًا من الخصوصيات الطائفيّة المتنافرة.

وفي الختام للمرة الأولى ستجري الانتخابات في لبنان بضوابط جديدة على إيقاعات وطنية من شأنها أن تبشّر بالخير.