IMLebanon

أزمة كبرى أو شراكة بالحد الأدنى

 

يتواصل الأخذ والرد في قانون الانتخاب العتيد ولكنّ «الحركة لا تزال بلا بركة»، إذ إنّ كلّ المشاريع والأفكار المتداولة لم ترسُ بعد على خلاصات مشتركة تؤسّس لصوغ هذا القانون، حتى يُعلَن «موت» قانون الستين وتقام مراسم دفنِه في «مأتم مهيب» رسمي وحكومي ونيابي وسياسي وشعبي!

المتتبعون للمواقف يقولون إنّ أكثر من 60 في المئة من القوى السياسية تتمنّى في قرارة نفوسِها الإبقاء على قانون الستين لِما يمنحها من «عطاءات»، لكن هذه القوى غير مدركة أنّ هذا القانون سيتسبّب بأزمة سياسية كبرى لا تتحمّلها الحكومة ولا قوّة الدفع التي جاءت بالعماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية منهيةً «عصر» الشغور الرئاسي».

ولذلك يعتقد هؤلاء أنّ البلاد قد تكون الآن امام احتمالين: إمّا اشتباك كبير لا تُحمد عقباه على البلاد والعباد، وإمّا إقرار قانون يتضمن الحد الأدنى للشراكة بين جميع المكوّنات اللبنانية.

الى الآن يَعترف العالمون بما يجري في اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية المتلاحقة والتي تتناول البحث في القانون الانتخابي بأنّ «البونات» ما تزال شاسعة بين المواقف، وأنّ كلّ طرف لم يتزحزح كثيراً عن مواقفه.

وبعض الاطراف لم يتحرّر بعد من «ثقافة» النظام الانتخابي الاكثري القائمة على «الإقصاء» و«الاستحواز» على تمثيل شارعه ومكوّنات اُخرى بمرشّحين يختارهم هو بمفرده غيرَ عابئ بإرادة هذا الشارع وتلك المكوّنات.

لكن في المبدأ، الجميع يقرّ علناً بضرورة إقرار قانون انتخاب جديد، ولكن عند البحث في التفاصيل يتغيّر المشهد وتظهر غايات كلّ فريق من الصيغة التي يقترحها او المقترحة أمامه.

ولذلك حتى الآن لا يمكن لهؤلاء العالِمين، ولا حتى المشتغِلين على إعداد القانون، تحديد موعد محدد لإنجازه، على رغم وجود رغبة لدى كثير من المعنيين بأن يتبلور من الآن وحتى 15 شباط المقبل، اي قبَيل حلول موعد إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي يسبق انتهاء ولاية المجلس النيابي بتسعين يوما.

ولذلك، يرى هؤلاء انّ رفض رئيس الجمهورية تشكيلَ هيئة الإشراف على الانتخابات الذي استتبَعه برفض التمديد للمجلس النيابي مجدَداً مفضِلاً «الفراغ» في السلطة التشريعية عليه، هو موقفٌ أراد منه حضّ الجميع على تحمّلِ مسؤولياتهم لإنجاز قانون الانتخاب. ويزيد في هذا الحض المواقف التي يطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافضة قانونَ الستين «السيّئ» والتمديد «الأسوأ» حتى «ولو لساعة واحدة».

ومع استمرار اللقاءات، التي منها اللقاء الرباعي الثاني اليوم يفترض ان تتبلور صيغة ما إذا صَفت النيات، وترجَم البعض اقواله افعالاً، خارجاً من «باطنية» تضمِر الإبقاء على قانون الستين لأنه يجد فيه ما يحقّق له مصالحه الانتخابية ويمكّنه من الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية.

على انّ الهواجس، بل والمخاوف، الجدّية أو المصطنعة التي يعبّر عنها بعض الاطراف، يرى متابعون للشأن الانتخابي في مطاويها مبالغات في بلدٍ يدرك الجميع فيه انّ أحداً لا يمكنه ان يلغيَ أحداً، أياً كان حجمه التمثيلي في المجلس النيابي، فبعض القوى السياسية يطغى حضورُها السياسي تاريخياً وتقليدياً على تمثيلها النيابي، وبالتالي لا داعي للهواجس والمخاوف على المستقبل.

المتشائمون بإمكان الاتفاق على قانون الانتخاب يعتقدون أنّ المخرج سيكون في النهاية إجراءَ الانتخابات بموجب قانون الستّين كأمر «لا مفرّ منه» لتلافي الفراغ النيابي في بلد خارجٍ لتوِّه من فراغ رئاسي.

لكنّ القوى الراغبة جدّياً بإحداث نقلة نوعية في اوضاع البلاد عبر قانون انتخابي جديد، تؤكّد أن لا مفرّ من إنجاز هذا الاستحقاق النيابي بقانون جديد، وإلّا سيُصاب العهد بنكسة كبيرة، وهو الواعد بانتخابات تجري على اساس مِثل هذا القانون، ويكرّر هذا الوعد بنحوٍ شِبه يومي.

وفي الوقت نفسه ستُصاب البلاد إمّا باستمرار أزمتِها نتيجة عدم حصول تغيير في الحياة السياسية، لأنّ قانون الستين يُبقي القديمَ على قدمِه، أي انّه يُبقي على عناصر الأزمة وبعض الطبقة السياسية القائمة يشكّل أحدَ أسبابها.

ويكشف المتابعون للاتصالات واللقاءات الجارية أنّ القوانين المختلطة بين أكثري ونسبي لكلّ منها تفسيراته لدى مقترِحيه، وهي موضوع تناقض في الرأي بين الأفرقاء، فكلّ منهم يريد صيغةً تُعينه على الفوز بعدد كبير من المقاعد النيابية، ما يَجعل البحث متشعّباً من دون الرسوّ على صيغة جامعة بعد، وبين هذه المشاريع مشروع مختلط يَقضي بإجراء الانتخابات على مرحلتين: تأهيل على اساس النظام الاكثري على اساس القضاء، وتنتخب فيه كلّ طائفة أومذهب من يتأهل من مرشّحيها لخوض الانتخابات وفق النظام النسبي على اساس دوائر كبرى، والبعض يقترح ان تكون هذه الدوائر المحافظات الخمس التقليدية (بيروت، جبل لبنان، الجنوب، البقاع، الشمال) فيما البعض الآخر يقترح ان يكون لبنان اكثر من 5 دوائر، بحيث يضاف اليها المحافظات المحدَثة وهي: النبطية وبعلبك ـ الهرمل، وعكّار.

ويقترحون ايضاً إحداث محافظتَي كسروان ـ جبيل وعاليه ـ الشوف. فيما آخرون يطرَحون اعتماد لبنان 13 دائرة انتخابية وفقَ مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولكن على اساس اعتماد النسبية الشاملة.

أمّا نقاط الخلاف فتتركّز على موضوع نسبة التأهيل على اساس القضاء، ففريق يريد ان ينالَ المرشح من هذه الطائفة او المذهب نسبة 20 في المئة من عدد الناخبين، على ان يتأهّل الفائزان الأوّلان من مجموعة الفائزين للانتخابات في الدائرة الكبرى على اساس النظام النسبي.

لكنّ الفريق الآخر يريد ان تكون النسبة عشرةً في المئة فقط وأن يترشّح في الدائرة الكبرى جميع المرشحين الفائزين بنسبة العشرة في المئة من أصوات الناخبين وليس الفائزَين الأول والثاني فقط.

وذلك لأنّ التمسّك بنسبة العشرين في المئة للتأهيل وتالياً اقتصار الترشّح على الفائزَين الأول والثاني من شأنه أن يُقصيَ مرشحين، وبالتالي لا يليق بهدف تحقيق عدالة التمثيل وشموليته، وفي هذه الحال تكون الانتخابات التأهيلية وفق النظام الاكثري قد أفقدَت الانتخابات على اساس النسبية في الدائرة الكبرى معناها.

هذا ما قصَده جعجع!

وثمَّة من يقول إنّ التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» قد صاغا أو هما على وشك تصوّرِِ مشترَك إزاء قانون الانتخاب. وفي هذا السياق تكشف مصادر «القوات» أنّ ما قصَده رئيسها الدكتور سمير جعجع عندما تكلّم عن خطوات سياسية سلبية ظهَر بوضوح مع موقف عون المتشدّد في مجلس الوزراء لجهة رفضِه تشكيلَ هيئة الإشراف على الانتخابات، أو وضعِه تحت ضغط الوقت والمهَل، وبالتالي تخييره بين «الستين» أو التمديد، فجاء موقف عون رفضاً للخيارَين معاً وواضعاً الجميع أمام معادلة جديدة «قانون جديد للانتخابات أو الفراغ».

وحسب هذه المصادر فإنّ «تلويح جعجع بالسلبية هو نتيجة التنسيق المتكامل مع «التيار الوطني الحر» ومعرفته المسبَقة بالخطوات التي يَعتزم رئيس الجمهورية اتّخاذَها من موقعه الدستوري والكفيلة بالإمساك بالمبادرة الانتخابية وإسقاطِ

محاولات وضعِه وجعجع أمام الأمر الواقع». وتعتبر «أنّ السلبية التي قصَدها جعجع ولجَأ إليها عون هي خطوة دستورية أوّلاً، وإجرائية إيجابية ثانياً كونها تدخل في سياق الحضّ على إقرار قانون انتخاب جديد، خصوصاً بعدما أظهرَت التطورات المتصلة بالقانون أنّ المماطلة سيّدة الموقف منذ أكثر من 8 سنوات حتى اليوم بغية إبقاء قانون الستين، وبالتالي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى قانون جديد كانت رفعَ السقف ووضعَ الجميعِ أمام مسؤولياتهم».

وتكشف المصادر «القواتية» أنّ اجتماع معراب أمس الأول الذي ضمّ جعجع والوزيرين جبران باسيل وملحم رياشي والنائب ابراهيم كنعان «تَركّزَ على وضعِ خريطة طريق كاملة ومتكاملة عنوانُها الوصول إلى قانون انتخاب جديد، حيث تمّ استعراض كلّ قوانين الانتخاب المطروحة ومدى توفيرِها شروطَ التمثيل الصحيح وتأمينها التوافقَ بين القوى السياسية».

وتقول إنه في حصيلة الجوجلة المتأنّية تبيّنَ أنّ «المختلط» هو الأقلّ رفضاً لدى معظم القوى السياسية مقارنةً بمشاريع انتخابية أخرى، وتمّ الاتفاق على وضعِ برنامج اتصالات ولقاءات مواعيد للوصول إلى قانون جديد».

وتؤكّد المصادر أن لا مفرّ من قانون جديد سيبصِر النور، في رأيها، قبل 15 شباط المقبل، حيث إنّ الاجتماعات تتوالى يومياً وبوتيرة مسبوقة بغية إنجاز الاستحقاق النيابي بشقَّيه قانون جديد وانتخابات على أساسه.