IMLebanon

عصر سياسي جديد يلوح في أجواء البلاد والعباد

عصر سياسي جديد يلوح في أجواء البلاد والعباد

الجمهورية على أبواب تعاط جدي مع الناس

والدولة تنفتح على أبواب الطلاق مع الشغور

وقف وزير الاعلام رمزي جريج يوم الخميس الفائت بين حشد من السياسيين والاعلاميين، وبادرهم بأنه يريد أن يرحب بهم، لكنه يجد نفسه في لحظة وداع وفراق، لا في مجال الحفاوة والاشادة، لأن عصراً جديداً يلوح في البلاد، وانه لا يريد العودة الى السلطة، بعد قرابة عامين أمضاهما وزيراً للحرية الاعلامية، لا وزيراً للسلطة على الاعلام.

وسارع الوزير الى القول انه كان نقيباً للمحامين، وهو يستعد الآن للحفاوة معهم برئيس جديد للجمهورية عقب انقضاء فترة طويلة على الفراغ في السدة الأولى.

ترك رمزي جريج الميكروفون، بهذه العبارات المقتضبة، لكن الوزير سجعان قزي زميله في كتلة الوزراء الكتائب صفّق له بحرارة، وبادر الوزير السابق للاعلام وليد الداعوق الجالسين معاً الى طاولة واحدة بأنهما طلاب حرية وعدالة، وانه كوزير للعمل، يترك حقيبته، عندما تدق الساعة قلبه والعقل، وكلاهما وزير الاعلام السابق، والوزير الحالي يودعان الحكم قريباً لا لبنان الحرية، حرية الكلمة وحرية العمل واصحاب العمل. وصفق نقيب الصحافة عوني الكعكي ونقيب المحررين الياس عون للوزراء الثلاثة، لأنهم كانوا رواد حرية لا حراساًَ للنظام، وطلاباً لنظام اعلامي جديد، يكون الاعلام الالكتروني اساسيا فيه.

ربما، اراد الوزير رمزي جريج الاشارة الى ما يجري تداوله في البلاد، عن ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية، هو الفصل الاخير من مأساة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، بعد زيارته الأخيرة لباريس وعودته منها رئيساً في التداول، بعد تزكية ترشيحه من قبل الرئيس سعد الحريري.

وللرئاسة الأولى في لبنان شروط وتمهيدات ومساع، قبل ان تصبح ناجزة.

كان الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه بحاجة الى تحضيرات، لكن الأول أحجم عن المجيء الى لبنان في الاسبوع الفائت، لترشيح فرنجيه رسمياً، بعدما تكرّس ذلك جدياً، وسيحضر الى البلاد، من اجل اطلالة تلفزيونية لهذا الغرض، فيما يتابع قائد تيار المردة تحركاته من اجل انضاج ترحيب حزب الله بترشيحه، بعد موافقة حليفه الرئيس العماد ميشال عون على الخطوة الجريئة، من قبل زعيم تيار المستقبل واركان ١٤ آذار على ذلك.

طبعاً، صارح الرئيس في التداول لرئاسة الجمهورية، بأنه لا يريد الصعود الى فوق على حساب حلفائه وفي مقدمتهم الرئيس العماد ميشال عون، ولا يجب ان يتم انتخابه، قبل ان يتوافق عليه الزعماء المسيحيون الاربعة الكبار، وقد توافق معهم على ذلك في بكركي قبل اشهر، على ان يشمل التوافق الاربعة الكبار، وقد مهد لذلك عندما زار قبل اسبوعين رئيس الكتائب الشيخ سامي الجميل في بكفيا، للتداول في قضايا الساعة.

الا ان الزيارة الاهم كانت اواخر الاسبوع الفائت، عندما وضع ترشيحه في عهدة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي العائد من المانيا والذاهب قريبا الى سوريا وسواها، كما ان زيارة التعزية للرئيس العماد ميشال عون، بشقيقه زرعت اثرا طيبا في نفس الجنرال الذي يعتبر ومعه كثيرون ترشيح فرنجيه ضربة معلم لاستبعاده عن الرئاسة الأولى.

يدرك اصدقاء الوزير فرنجيه، أنه أصبح حكماً رئيساً للبلاد، ولا يستبعدون انتخابه قبل عيد الميلاد المجيد، لكنهم لا يستبعدون ايضا انهيار الآمال والأحلام، بوجود معارضة صلبة، من الجنرال عون والدكتور سمير جعجع، ومسيحيي ١٤ آذار، وفي مقدمتهم الرئيس الشيخ امين الجميل والشيخ بطرس حرب.

الا ان لكل عقدة معالجة، كما ان لكل ازمة حلاً، وهذا ما هو جار الآن دولياً واقليمياً، الا ان المطلوب لبننة الحل، وهذا ما يريده ايضا سليمان فرنجيه نفسه.

هل يعيد التاريخ نفسه، بعد ثلث قرن تقريباً؟

في العام ١٩٦٦ تألف تكتل مسيحي عمل له ومن أجله المرحوم كاظم الخليل نائب رئيس حزب الوطنيين الاحرار، على ان يضم الزعماء المسيحيين الاربعة الكبار: كميل شمعون، بيار الجميل، ريمون اده وسليمان فرنجيه، لكن الزعيم الأخير نأى بنفسه عنه، واختار لنفسه خطاً أكثر اعتدالاً، في ظل الصراع على الوجود الفلسطيني المهيمن على البلاد وعلى السياسيين في الطائفة السنية، واختار الزعيم الشيعي كامل الاسعد ومعه الرئيسان صائب سلام وسليمان فرنجيه تأليف تكتل الوسط. الا انه في العام ١٩٧٠، دقت ساعة الرئاسة الأولى، وبرز مرشحان أساسيان هما كميل شمعون وبيار الجميل.

الا انه في موعد الانتخاب برز اسم سليمان فرنجيه للرئاسة. واحتدمت المعركة الا ان الأخير جلس في مقاعد الحكومة والى جانبه الوزير فؤاد غصن، فيما ذهب نائب الكورة الآخر الدكتور باخوس حكيم، الى تكتل الوسط، ووضع نفوذه ونفوذ زعيمه سليمان فرنجيه، وذهب الجميع الى مجلس النواب لاختيار الرئيس العتيد للبلاد. وفي ساحة النجمة كان الزغارتاويون ينتظرون نتائج المعركة، لكن فؤاد غصن كتب اسم سليمان فرنجيه على ورقة الاقتراع، وابرزها للجالس في محاذاته، الذي فاز بأغلبية صوت واحد على منافسه المرشح الشهابي الاستاذ الياس سركيس. يومئذٍ دقت ساعة الزعيم الزغرتاوي، ذلك ان الاستاذ كمال جنبلاط قائد اليسار اللبناني وحزب الكتائب اتخذا قرارات شملت سواهما، باعطاء اصواتهما مناصفة بين الرئيسين فرنجيه وسركيس. وفاز الأول على الثاني، على الرغم من معاندة رئيس المجلس للنتائج، ومبادرة نائب رئيس المجلس النيابي ميشال ساسين الى اعلانها، من على مقاعد البرلمان، الا ان الرئيس شارل حلو اتصل بالرئيس صبري حماده وطلب اليه اعلان النتائج رسمياً، واستقبلهم جميعا في القصر الجمهوري في بعبدا.

بعد ذلك دقت ساعة الفراغ في المقعد النيابي في زغرتا الذي شغر بانتخاب سليمان فرنجيه، وبادر نجله طوني فرنجيه الى عقد مؤتمر صحافي في اهدن، واعلن ترشحه لخلافة والده في المقعد الشاغر بانتخابه رئيساً للجمهورية.

وركبت سيبة الحكم الجديدة: كامل الاسعد للرئاسة الثانية وصائب سلام للرئاسة الثالثة وراح النائب العميد ريمون اده يتدرج من الموالاة الى المعارضة، خصوصاً بعد استقالة احد الوزراء في حكومة الشباب وتعيين الاستاذ فؤاد نفاع وزيراً، وهو منافس النائب نهاد بويز في كسروان.

ودشن النائب الجديد طوني فرنجيه اعماله النيابية بحملة نقد لاذعة لرئيس الحكومة صائب سلام، معترضاً على مواكبه الرسمية في سيارات رسمية.

وعندما اقتحمت اسرائيل بيروت، واقدمت على اغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين اطلق الرئيس صائب سلام في الشارع دعوة الى اقالة قائد الجيش اسكندر غانم من منصبه، على الرغم من انه اتصل منتصف الليل الفائت، بالرئيس فرنجيه وأبلغه ان لعلعة الرصاص في بيروت ناجم عن معارك في المخيمات بين مؤيدي الرئيس ياسر عرفات ومعارضيه، الامر الذي جعل الرئيس فرنجيه يعارض طلب رئيس مجلس الوزراء باقالة قائد الجيش فوراً، وقبل التحقيق في ما حدث.

الانقلاب المفاجئ

استقال الرئيس سلام من الحكومة، وبدأ الطلاق السياسي بينه وبين رئيس الجمهورية، بعد عصر من التحالفات بدأ في حقبة الستينات، بعد نكسة صحية اصابت شقيقه السياسي الشهير حميد فرنجيه الذي نام في العام ١٩٥٢، واستيقظ على توافق دولي وعربي، على ترشيح كميل شمعون للرئاسة.

وعلى الفور تحرك النائب موريس فاضل عضو كتلة الرئيس رشيد كرامي وأقنع الزعيم الوطني بالتجاوب مع رغبات جامحة لردم الهوة بين الرئيسين فرنجيه وكرامي.

وصعد نواب طرابلس رشيد كرامي، هاشم الحسيني، امين الحافظ، ورشحوا الأخير لتشكيل الحكومة.

الا ان الامور تطورت بشكل سلبي، وهبت المقاومة الفلسطينية معارضة اعلان حالة الطوارى، بعد تفاقم الاوضاع الامنية خطورة بين السلطة والمقاومة، والامر الذي جعل كرامي يسحب دعمه لنائب كتلته متجاوباً مع الهيئات الاسلامية والوطنية.

وكان اختيار الرئيس امين الحافظ للنائب طوني فرنجيه وزيراً في حكومته من اسباب المعارضة السياسية لحكومته.

إلاّ ان المصالحة بين الحكم والمعارضة، تمت على أساس تكليف الرئيس رشيد الصلح بتشكيل الحكومة الجديدة.

بعد نيله الأكثرية النيابية بتكليفه، صعد رشيد الصلح الى القصر الجمهوري وعمل بنصيحة كمال جنبلاط، وبادر رئيس الجمهورية بأن له شرطاً أساسياً لقبول التكليف.

سأله الرئيس فرنجيه: ما هو الشرط الذي تطلبه؟

ورد بأن يكون معي النائب طوني فرنجيه في الحكومة.

وهكذا كان، إلاّ أن العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة السابق، تحسنت عندما كلفت قمة عربية رئيس الجمهورية بتمثيل الرؤساء والملوك والأمراء العرب، في دورة فلسطين التي عقدتها الجمعية العامة بحضور رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

وها هي الرئاسة الأولى تعود الى عائلة فرنجيه، وآلت لاحقاً الى شقيقه سليمان في العام ١٩٧٠.

والآن يستعد الحفيد لحمل المشعل الذي حمله جدّه، وهو مؤمن بأن انقاذ لبنان مكتوب على اسم العائلة التي نهضت باتفاق النقد مع فرنسا، وقبل رئيس الوزراء رياض الصلح ان يكون عضوا في وفد يرئسه وزير في حكومته هو بطل الجلاء الفرنسي عن لبنان.

ويقول المراقبون ان أمام سليمان فرنجيه خمسة أيام حافلة، لصدور ترشيحه رسميا عن سعد الحريري رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان، وتسوية الموضوع مع المتحفظين على ترؤسه للسلطة، وفي مقدمتهم الرئيس العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع، والشيخ بطرس حرب.

وفي تصريح الرئيس سعد الحريري استبعاد للتغيير القيادي والسياسي من خلال طرح أسماء بارزة في طليعتها حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، والسفير اللبناني لدى الفاتيكان والوجه القيادي الحيادي الوزير السابق وديع الخازن.

إلاّ أن التغيير كان يصبّ أولاً، صوب الوزير السابق للخارجية جان عبيد الذي يحظى بتأييد واسع في الأوساط الحيادية، ولدى رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ويقول المراقبون ان طرح اسم الوزير السابق سليمان فرنجيه، وعلى لسان الرئيس سعد الحريري، يعني اقتسام الفوز الرئاسي بين الكتل الأساسية في السلطة السياسية.

وهذا يعني ان الرئيس سعد الحريري احتفظ لنفسه بمنصب رئيس الحكومة، وترك الرئاسة الأولى للبلاد لقوى الثامن من آذار، عندما رشح النائب سليمان فرنجيه، الرجل الطموح الى المنصب الأول، والرئيس نبيه بري في المنصب الثاني.

ويبدو ان العقبة الباقية للمعالجة هي نكبة اذا ما استطاع أنصارها احباط الحل المقترح الذي يطرحه النائب فرنجيه بكثير من الحكمة والدراية والحرص على ان يأتي رئيسا متوجاً بتأييد معظم العائلات والقوى السياسية في البلاد.

طبعاً، ان العماد عون محق في تحفظه على الحل، باعتباره المرشح الأقوى للرئاسة الأولى، ومعززا بحليفه الأساسي حزب الله كما ان الدور المرتقب للرئيس بري، يعتبر مفصليا لما يجسدّه الثنائي الشيعي من حرص على احترامه، كما ان الحوار الذي فتحه الرئيس بري في عين التينة بين المستقبل والحزب على ما بينهما من تباينات، يوحي بأن التسوية في الطريق الى الانفراج.

أما العقبات فلا بد منها، خصوصا بعد الانفراجات المواكبة للصعوبات في أكثر من مجال.

والعارفون بالأسرار، ان المعركة التي فتحها الرئيس سعد الحريري، ساهم في الترويج لها سفراء وديبلوماسيون، وجدوا ان لا أمل في ايصال أحد الى رئاسة الجمهورية، إلاّ بالعماد عون أو النائب فرنجيه، وان لا دور للأسماء التي تروّج في بعض الأوساط على أنها حيادية مع انها لا تمثّل أي حضور انمائي أو اقتصادي أو سياسي.

وتقول شخصية على علائق بوجوه عديدة، ان السفير الأميركي السابق دايفيد هيل ترك الطبخة ناضجة للقائم بالأعمال الأميركي، كما ان وجوهاً لبنانية نصحت باسم الوزير فرنجيه، اذا كان صعباً السير في شخصية من طراز العماد عون، أو ان للوزير فرنجيه تاريخه في الاعتدال السياسي والتعاون مع القوى الأخرى، وهذا ما درجت عليه عائلته وما مارسه جدّه الرئيس فرنجيه يقول خلال حقبته النيابية وفي أثناء ممارسته للشؤون العامة في البلاد.

كان الرئيس فرنجيه قبل الطائف، ان رئيس البلاد، يكون في السنتين الأولى والثانية امبراطورا، وفي الثالثة والرابعة، يصبح، في نظر السياسيين رئيسا، في العامين الخامس والسادس يطالبون بتقصير ولايته واحياناً لا يتورعون على المطالبة في استقالته من الرئاسة.

إلاّ ان العنصر الأساسي في سياسة عائلة فرنجيه، هو الانفتاح على الشريك الآخر في الوطن، والعيش معه والتحالفات في القضايا المصيرية.

في العام ١٩٦٩، وجه الرئيس جمال عبدالناصر اليه دعوة لتمضية أسبوع في ضيافته مع الرئيس صائب سلام في العاصمة المصرية، صديقا وزميلا وعروبيا لا يشق له غبار في نزعته الانفتاحية.

وقد وجد الزعماء العرب، خلال القمم العربية التي انعقدت في القاهرة وتونس وفاس والخرطوم، الرجل الموحّد لا المفرّق. وخلال الأزمة بين الملك حسين، والسيد ياسر عرفات لم يستطع أحد مصالحة العاهل الأردني ورئيس منظمة التحرير سوى الرئيس فرنجيه.

عندما قرر الوزير والنائب سليمان فرنجيه لنجله طوني الاستعداد لخوض الانتخابات النيابية، قرر أيضا ان يستعد لترشيح نفسه لمعركة رئاسة الجمهورية. وعندما رشحت كتلة ٨ آذار الرئيس العماد ميشال عون للرئاسة الأولى، وقف سليمان فرنجيه الى جانبه.

وخلال دعوة الوزير السابق وليد جنبلاط للنائب والوزير السابق سليمان فرنجيه للعشاء تكريما له، بعد ترشيحه للرئاسة الأولى، قال بوضوح: أنا حتى الآن مرشح جدّي للرئاسة، والى ان يتكلل ذلك بترشيح رسمي، فانني أقف الى جانب العماد عون، فهو مرشحنا وقائد المسيرة التي تجمعنا.

ولدى ظهور مواقف تنأى عن الصداقة والتحالف المبدئيين، فان لكل حادث حديث.

إلاّ أن المراقبين يقولون ان التباينات جائزة، لكن الخيارات الموضوعية هي الثابتة.

ويرى النائب عمار حوري ان خيار سعد الحريري، هو خيار لبناني، يقود الى جمهورية جديدة في البلاد.

ويشدد على ان النظام يتمتع برجال تجتمع فيهم الحكمة والحنكة والدراية بما يدفع بالبلاد الى رحاب الحريات لا الى ميادين الأزمات، وهذا ما فعله الرئيس سعد الحريري، عندما اختار مع المخلصين رجلا من طراز سليمان فرنجيه الذي عرفناه وزيرا ونائبا لا تنقصه الحكمة، ولا تعوزه الحنكة.

ويحدد النائب قباني مفاهيمه لحكم الجمهورية، وأبرزها الايمان بالاعتدال وممارسة الانفتاح والابتعاد عن الانغلاق وهذا ما عرفه الجميع بالوزير فرنجيه.

ويخلص الى القول ان الحرية ليست شعارا فقط، بل هي شعار ينطوي على مفاهيم أبرزها المصارحة وتداول السلطة والعدالة في المناصب، وهذا ما زرعه فينا جميعاً الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

في السنوات الغابرة، كان قادة الاستقلال، يمهّدون لخروج فرنسي هادئ من لبنان، ولا شعور بأن الأمر صعب، ويصعب ان يهضمه الفرنسيون بسهولة.

إلاّ أن الحكمة، كانت تدفع قادة الاستقلال الى التروي والتهدئة، ولكن أي استقرار والانتداب الفرنسي لا يريد أن يسلم كل مفاتيحه في البلاد؟ وأي استقرار اذا لم تستطع دولة الاستقلال ان ترسخ دعائمها؟! ويروي الشيخ بشارة انه كان ذات يوم في نزهة بسيارته على طريق جونيه، وكانت نزهة السيارة متعة لديه، عندما تبعته دراجة نارية عسكرية الى انطلياس، وطلب الدرّاج من سائق السيارة الرئاسية أن يتوقف. وكان الدرّاج يحمل الى رئيس البلاد رسالة مستعجلة للعودة حالاً الى بيروت، حيث ينتظره رئيس الوزارة عبد الحميد كرامي ووزير الخارجية هنري فرعون والمسيو استروروغ الأمين العام للمندوبية الفرنسية في القصر الجمهوري.

ما الذي جرى؟! سأل الشيخ بشارة.

وسرعان ما أحيط علماً بأن جنوداً سنغاليين وصلوا الى ميناء بيروت، وانهم نزلوا الى البرّ دون علم سابق من الحكومة اللبنانية. وعلى الفور طلب الشيخ بشارة ان يختلي بالأمين العام للمندوبية الفرنسية، لأنه من غير اللائق ان يعنّفه أمام رئيس الوزارة ووزير الخارجية. وبالفعل تلقى المسيو استروروغ في الغرفة الجانبية للصالون تعنيفاً شديداً من الشيخ بشارة على مثل هذه التصرفات التي تسيء الى العلاقات الفرنسية اللبنانية وتدمر كل ما بناه الطرفان. وماذا كان ضرّ السلطات الفرنسية لو أحاطت السلطات اللبنانية علماً بوصول جنود سنغاليين الى مرفأ بيروت، وطلبت منهم الاذن بالدخول، حسب الأصول، وبخاصة ان صورة الجنود السنغال ليست مستحبة في عيون اللبنانيين بعد استشهاد ثلاثة عشر شابا في طرابلس تحت جنازير دباباتهم.