IMLebanon

ثالث آلية لمجلس الوزراء… لا أب لها

في 13 شهراً من الشغور الرئاسي، تعامل مجلس وزراء حكومة الرئيس تمام سلام مع آليتين متباينتين لانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليه وكالة. الثالثة على الطريق. اخفقت الاوليان من دون ان تعِدا الثالثة بحظ افضل

ليس لأي من الآليتين الاوليين اللتين اعتمدتهما حكومة الرئيس تمام سلام في جلسات مجلس الوزراء قياس موحد ومعايير مرجعية ثابتة، سوى تمسك افرقاء المجلس بقاعدة انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية كلها تقريبا الى الوكيل. اخصها علاقة الرئيس بوضع جدول اعمال جلسات مجلس الوزراء وتوقيعه مراسيم القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء تمهيدا لاصدارها. في المقابل اهملت صلاحية جوهرية لرئيس الجمهورية ملازمة لتقاطع علاقته بمجلس الوزراء ما دام لا يصوّت عندما يحضر، هي التريث في توقيع القرارات وحق ردها الى المجلس لاعادة النظر فيها، وكذلك القوانين التي يقرها مجلس النواب. تجاهل الوزراء مجتمعين صلاحية حق الرد، فعطلوها.

على ان المجلس، بناء على طلب رئيس الحكومة منذ اليوم الاول للشغور، اضاف الى نفسه صلاحية ليست مدرجة في تلك التي لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء المنصوص عليها في الدستور، هي التوافق اولاً ودائماً وفقط على القرارات التي يعتزم اتخاذها. عُزي الهدف منها الى استيعاب وطأة الشغور وتمكين الوزراء من اوسع مشاركة لهم في قرارات السلطة الاجرائية بما لا يستثني احدا. لا يعدو التوافق في صلاحيات مجلس الوزراء سوى محطة اولى حتمية، الا انها ليست نهائية. يسهل تجاوزها عندما يخفق المجلس في بلوغ التوافق.

طبّق مجلس الوزراء الآلية الاولى القائلة بالتوافق المطلق بضعة اشهر، ثم تعثر تحت ذريعة رفض وزراء الموافقة على قرارات ومن ثم الامتناع عن توقيعها، فوضعت في الادراج. سرعان ما تطور الحرد والنكايات المتبادلة بين هذا الفريق وذاك الى تعطيل كامل للمجلس في عز مناقشة موضوع تلزيم النفايات. عندئذ استحدثت آلية جديدة قالت بمحاذرة التعطيل، دونما التخلي عن التوافق كخيار اول، ليس نهائيا ولا دائما. بغية تعويم جلسات المجلس مجددا اتفق التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على تخطي التوافق المطلق الى التصويت عند الضرورة الملائمة على ان لا يستثني مكونا رئيسيا في الحكومة، كأي منهما وحلفائهما الرئيسيين مثل حزب الله وحركة امل والنائب وليد جنبلاط. ما لبثت ان تسببت الآلية الثانية بمعارضة وزراء لها اخصهم المستقلين، بأن تجمعوا في ما دُعي «اللقاء التشاوري» تحت مظلتي الرئيسين امين الجميل وميشال سليمان كي يقول الوزراء الثمانية انهم هم ايضا يملكون حق الفيتو، ويرفضون معاملتهم على هامش مجلس الوزراء.

عاشت الآلية الثانية بضعة اشهر، ثم انهارت في الازمة الاخيرة لمجلس الوزراء بين الفريقين المعنيين عند انفجار الخلاف على التعيينات العسكرية والامنية، وخصوصا على اثر تأجيل تسريح المدير العام لقوى الامن الداخلي. فاذا رئيس الحكومة في صدارة المواجهة مع التيار الوطني الحر الذي قاد حملة مزدوجة الشعار: استعادة المشاركة الفعلية في مجلس الوزراء والحقوق المسيحية، والمحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية بعد اتهام سلام بمحاولة الاستيلاء عليها.

اليوم يشاع عن آلية ثالثة لعمل مجلس الوزراء لا أب لها بعد: مرة هي العودة الى آلية التوافق المطلق، ومرة هي تجزئة القرارات وتدرّجها بين ما هو عادي وما هو اكثر من عادي وما هو ميثاقي.

رغم ان سلام ينفي الاتفاق على آلية ثالثة، ويكتفي بالقول ان الجلسة الاولى لمجلس الوزراء بعد الاعياد ستباشر مناقشتها تحت عنواني عدم التعطيل وعدم مسّ صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، بيد ان المواقف المبكرة من ايحاءات بآلية ثالثة تجعلها سلفا عرضة لتعذر الموافقة عليها:

ـــــ يرفض حزب الله التخلي عن الآلية الاولى التي لا تكتفي بالتوافق فحسب، بل ترفعه الى مرتبة الاجماع. وتبعاً لمطلعين على وجهة نظره، يقول الحزب انه لم يوافق على الآلية الثانية واضطر لمجاراتها مراعاة للتيار الوطني الحر الذي تفاهم عليها بشخص الوزير جبران باسيل مع تيار المستقبل.

ــــ بدوره التيار الوطني الحر، متخلياً عن الآلية الثانية، يفتقر الى اي حماسة حيال آلية ثالثة، ويلاقي حليفه حزب الله على بث الروح في الآلية الاولى التي يرفض رئيس الحكومة العودة اليها بعدما جرّبها، وقادت الى التعطيل وحملته في ما بعد على الاعتكاف.

ــــ يميل الرئيس نبيه بري ومعه النائب وليد جنبلاط الى آلية تزاوج بين التوافق ونقيضه وهو التصويت. عندما يتعذر الاول لا يوصد مجلس الوزراء ابوابه، بل ينتقل فورا الى التصويت تبعا للقرار المطروح والنصاب الذي يتطلبه بالثلثين او النصف+1.

ــــ يتمسك وزراء «اللقاء التشاوري» بالآلية الاولى مطعمة بالمرونة: التوافق اولا ودائما شرط ان لا يتسبب بتعطيل لا مبرر له او ذي طابع شخصي. بيد ان هذا الفريق يرفض حتما العودة الى آلية ثانية مجربة وآلية ثالثة مستهجنة.

ــــ يلتقي سلام وتيار المستقبل على التوافق مدخلا الى اتخاذ القرارات، يليه التصويت في كل حال. على انهما يضعان شعارا مشتركا هو الاستعداد للخوض في اي آلية محتملة لا تمس اولا صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في وضع جدول الاعمال ودعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد. ورغم ان اتخاذ القرارات عملا بالمادة 65 من الدستور لا يمنح رئيس مجلس الوزراء اكثر من صوته، ولا يخوّل صوته الترجيح بل يحيله الاول بين متساوين ما ان يطرح القرار على التصويت، الا ان ما يتشبث به سلام، وتيار المستقبل خصوصا، الحؤول دون تعطيل جلسات المجلس عبر تحويله سلة فيتوات تجعل اي فريق ممثل في الحكومة اقوى من رئيسها.