IMLebanon

حزب الله باع القنطار لإسرائيل حتى لا تتورط سوريا في الجولان

حزب الله باع القنطار لإسرائيل حتى لا تتورط سوريا في الجولان

تل أبيب نسقت مع موسكو قبل ضربه في حدود دمشق

فتح اغتيال القيادي في حزب الله سمير القنطار في سوريا الباب أمام التساؤلات حول التنسيق الإسرائيلي – الروسي في ضوء تدّخل موسكو العسكري والإعلان عن أن آلية التنسيق بين الطرفين تعمل بنجاح بين الطرفين. وفي وقت رفض الكرملين التعليق عما إذا كانت إسرائيل أبلغت روسيا بالعملية مسبقا وأحال الأسئلة إلى وزارة الدفاع٬ يعتبر البعض أّن عملية اغتيال القنطار تّمت من خارج الأراضي السورية ولا ينطبق عليها هذا التنسيق٬ بينما يرى آخرون أّنها ليست بعيدة عن عملية استخباراتية جمعت حليف حزب الله وعدّوه ونتج عنها اغتيال أحد أبرز قيادييه في سوريا٬ وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية معتبرة أن العملية كانت نتاج هامش الحرية الذي أتاحه التنسيق الإسرائيلي ­ الروسي في سوريا.

وكانت عملية اغتيال القنطار أثارت موجة من التساؤلات في لبنان في أوساط مناصري حزب الله كما خصومهم٬ سائلين عن الدور الروسي الحليف الذي يهّدد تركيا من مغبة اختراق المجال الجوي السوري لكنه لم يفعل شيئا حيال هذه العملية٬ وعن جدوى «صواريخ S400» الروسية التي قيل إّنها «تسيطر» على الأجواء السورية.

ورأى الخبير الروسي فيتشلاف ماتوزوف٬ أنه «لا يمكن أن تتورط موسكو في هذه المغامرة لا استخباراتيا ولا عسكريا٬ والعملية الإسرائيلية كانت تحديا لروسيا للقول: إن سلاح الـ(S400) ليس له فائدة».

واستبعد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» في الوقت عينه أن يكون لروسيا أي رد فعل على عملية الاغتيال٬ موضحا «إنما بالتأكيد هي علامة سوداء تسّجل على إسرائيل التي تعلم جيدا أّن موسكو تعتبر حزب الله منظمة شرعية».

مع العلم٬ أن الناطق الإعلامي باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف٬ قال أمس: «كما تعرفون هناك آليات لتبادل المعلومات بين هيئتي الأركان (في الجيشين الروسي والإسرائيلي)٬ ويجب إحالة الأسئلة حول ما إذا كانت هناك أي معلومات قدمت مسبقا من جانب إسرائيل٬ إلى الزملاء العسكريين (وزارة الدفاع)».

من جهته٬ شّكك الخبير الاستراتيجي٬ رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات٬ هشام جابر٬ في أن اغتيال القنطار كان نتيجة تنسيق إسرائيلي – روسي٬ وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن لروسيا أن تتواطأ ضّد حليف لها٬ أي حزب الله٬ رغم أن موسكو كان بإمكانها أن تتصدى للصواريخ الباليستية (يصل مداها إلى 120 كلم) التي استخدمت في العملية من خلال صواريخ S400» إنما لم تفعل ذلك انطلاقا من أن هذا الأمر لا يهّدد مصالحها كما أّن مهمة هذه الصواريخ الأساسية هي حماية قواعدها الجوية في سوريا٬ مضيفا: «التنسيق العسكري ضروري إنما التعاون بين الطرفين اختياري». وأوضح جابر٬ أّن الصواريخ التي استخدمت في عملية جرمانة أطلقت من خارج الأراضي السورية٬ على الأرجح من الأراضي اللبنانية المحتلة٬ وبالتالي فهي لا تدخل ضمن  الاتفاق والتنسيق العسكري بين الطرفين المحصور في الأجواء السورية٬ مضيفا: «وبالتالي فإن الأمر لن يكون له أي تداعيات بين إسرائيل وروسيا٬ من دون أن يخلو الأمر من عتب داخلي لن يؤثر سلبا على العلاقات بينهما».

في المقابل٬ أشار بعض المسؤولين الإسرائيليين ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن اغتيال القنطار كان نتيجة تنسيق مع روسيا٬ وقال نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي٬ الجنرال يائير جولان٬ المسؤول عن التنسيق مع الجيش الروسي٬ إن «الروس لا يرون أي تناقض مصالح في أنشطتنا داخل سوريا»٬ مشيرا إلى أن إسرائيل ­ في المقابل ­ لا ترى في العمليات الروسية ضد القوى المعارضة السورية٬ أي مصدر تهديد على مصالحها.

ولمح أليكس فيشمان٬ أحد كبار الخبراء العسكريين الإسرائيليين٬ المعروف بعلاقاته الوثيقة مع قادة الجيش والمخابرات الإسرائيليين٬ إلى أن هناك تواطؤا روسًيا ساهم في نجاح عملية اغتيال سمير قنطار. وقال: إن العمارة التي جرى تدميرها تقع في محيط العاصمة السورية – المحمية بمظلة دفاع جوي روسية٬ وفي مركزها صواريخ «إس٬«400 ورادار اكتشاف يغطي أجزاء واسعة من إسرائيل.

وفي الاتجاه عينه٬ كتب الخبير عاموس هرئيل٬ في صحيفة «هآرتس»٬ أمس: «السؤال حول ما عرفته روسيا عن عملية الاغتيال سيشغل بالتأكيد إيران وحزب الله. رسميا٬ توجد روسيا في جانبهما وجانب النظام السوري في الحرب الأهلية السورية. لكن نظام الرئيس فلاديمير بوتين٬ لا يخفي اشمئزازه من التطرف الإسلامي بكل أنواعه. ولم يتردد بوتين في الاتفاق مع إسرائيل على آلية لمنع الاحتكاك بين الطائرات الإسرائيلية والروسية٬ خلال عملها في الأجواء السورية.

لقد سبقت اغتيال قنطار ثلاث هجمات جوية٬ على الأقل٬ نسبت إلى إسرائيل٬ ضد قوافل الأسلحة بالقرب من العاصمة دمشق. ويستمد من هذا٬ أنه على الرغم من أن الوجود الروسي في شمال غربي سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلي في هذه المنطقة٬ فإنه لا يمنع القيام بعمليات أخرى تجري إلى الجنوب من هناك٬ حتى في منطقة دمشق. هذه ليست رسالة يسهل هضمها من قبل الرئيس السوري وشركائه في طهران وبيروت».

وكان مسؤولون أمنيون إسرائيليون قد سربوا إلى الصحافة الإسرائيلية٬ المكتوبة والإلكترونية٬ معلومات حول متابعة إسرائيل نشاط سمير قنطار. فأجمعوا على أن المعلومات المتوفرة حول خططه لضرب إسرائيل٬ هي تلك الواردة في تصريحاته العلنية لوسائل الإعلام. فقد تحدث صراحة عن «تشكيل مقاومة عنيدة في الجولان توجه ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي». كما أجمع المسؤولون في تل أبيب أن النظام السوري تخوف من القنطار وفتحه جبهة عليهم من جهة الجولان وأنه بتنسيق مع حزب الله تم تسهيل عملية اغتيال القنطار حتى لا يدخل دمشق في حرب مع إسرائيل خاصة أنهم يعتقدون أنه خططه في الجولان تفتح جبهة من جهة إسرائيل.

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قالت الأحد٬ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة أن روسيا تقر بحق إسرائيل في الدفاع عن مصالحها في سوريا٬ وهو ما مثل «تصريحا مفتوحا» لإسرائيل بالقيام بكل ما تراه مناسبا للحفاظ على هذه المصالح في سوريا٬ مشيرة كذلك٬ إلى أن إسرائيل لا تتوقع رد فعل ذا قيمة من إيران وحزب الله ردا على تصفية القنطار٬ على اعتبار أن عملا «عدائيا» من حزب الله سيحرج الروس٬ ويثير غضبهم٬ ويدفعهم لإعادة النظر في تدخلهم لصالح نظام الأسد.

مع العلم٬ أّنها ليست المرة الأولى التي تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات ضّد حزب الله في سوريا٬ وتحديدا بعد التدخل العسكري الروسي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن للمرة الأولى في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي٬ أن إسرائيل «تنفذ عمليات» في سوريا٬ في أّول تصريح إسرائيلي رسمي عن التدخل في سوريا.

وقال نتنياهو «ننفذ من وقت إلى آخر عمليات في سوريا بهدف تجنب أن يتحول هذا البلد جبهة ضدنا٬ ونقوم أيضا بكل ما هو مطلوب لتفادي نقل أسلحة فتاكة من سوريا إلى لبنان».

وبحسب مصادر متطابقة٬ فقد شن سلاح الجو الإسرائيلي منذ 2013 أكثر من 10 غارات جوية في سوريا٬ استهدفت غالبيتها عمليات نقل أسلحة إلى حزب الله اللبناني٬ كما قامت إسرائيل باغتيال 6 قياديين من حزب الله ومسؤول عسكري إيراني في القنيطرة جنوب سوريا٬ في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي٬ كان بينهم جهاد مغنية نجل القائد العسكري عماد مغنية الذي قتل في تفجير بدمشق عام 2008.

وآخر هذه العمليات الإسرائيلية٬ كانت تلك التي نفذت بعد التدخل الروسي في سوريا٬ باستهداف الطيران الحربي الإسرائيلي بعدد من الغارات مستودعات أسلحة لحزب الله والنظام السوري داخل أو في محيط حرم مطار دمشق الدولي٬ ما أّدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

مع العلم٬ أّنه ليس هناك أي معلومات دقيقة حول عدد قتلى حزب الله في سوريا٬ في وقت كان قد كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي٬ أنه استنادا لمصادره ورصده استطاع توثيق مقتل 971 مقاتلاً من الحزب خلال مشاركتهم في القتال منذ عام 2013.