IMLebanon

ضغوط إيرانية لمنع شيعة لبنان من الحج.. وإسقاط الفريضة الخامسة

ضغوط إيرانية لمنع شيعة لبنان من الحج.. وإسقاط الفريضة الخامسة

المجلس الشيعي ومكتب فضل الله يتجاهلانها.. وقيادات سنية وشيعية تستنكر «التسييس»

انضم ما يسمى «حزب الله» اللبناني إلى إيران في مقاطعة موسم الحج٬ كما أكدت مصادر لبنانية متطابقة٬ تحدث أحدها عن «تكليف شرعي» للمحازبين يقضي بعدم المشاركة في موسم الحج «تحت طائلة الفصل»٬ في حين حذر حساب على توتير يحمل اسم «منشق عن حزب الله» من أن الحزب يرسل عناصر ما يسمى «السرايا اللبنانية» إلى المملكة العربية السعودية تحت ستار الحج للتخريب وإثارة البلبلة.

لكن قرار المنع من الحج لم يسر على الهيئات الشيعية الأخرى٬ كالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى٬ الممثل الرسمي لشيعة لبنان الذي أوفد بعثة رسمية للحج على غرار الأعوام السابقة٬ كما مقلدي المرجع الشيعي الراحل الشيخ محمد حسين فضل الله الذين أرسلوا بعثة ترأسها نجله السيد علي فضل الله٬ في إشارة واضحة لرفض الضغوط الإيرانية التي مورست على شيعة لبنان لمقاطعة الحج أسوة بالموقف الإيراني٬ كما قال مصدر شيعي رفض ذكر اسمه. وأكد المصدر أن إيران مارست ضغوطا شديدة على هؤلاء٬ لكن ترؤس فضل الله بنفسه بعثة الحج يمثل رسالة واضحة٬ على الرغم من رفضه وأنصاره التعرض مباشرة للحزب وقراره.

وقالت مصادر لبنانية مطلعة على وضع الحزب٬ لـ«الشرق الأوسط»٬ إن الحزب عمم على محازبيه «عدم السفر إلى المملكة» كما أطلق حملة بين مناصريه تدعو لمقاطعة موسم الحج هذا العام تحت شعار: «المملكة العربية السعودية تستعمل أموال الحج لقتال الحوثيين في اليمن». وقالت محطة تلفزيون «الجديد» إّن «حزب الله» قد شدد على محازبيه عدم الذهاب لأداء فريضة الحج هذا العام٬ محذًرا أّن هذا التعميم هو تكليف شرعي وكل من يخالفه سوف يفصل.

ولم يعلن ما يسمى «حزب الله» رسمًيا عن منع عناصره من الحج٬ لكونه لم يصدر بياًنا ولم يتحدث أحد من قيادييه بالأمر عبر وسائل الإعلام٬ واقتصر على ما تحدثت عنه قناة «الجديد». وقال مصدر شيعي مطلع على شؤون الحزب ومعارض له٬ إن الحزب في الشؤون الدينية: «عادة ما يتجنب الإشكاليات الدينية مع مناصريه٬ فلا يعلن عن أي قرار ديني مشابه على الملأ»٬ مضيًفا٬ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»٬ أن الحزب في هذه الحالة «يمكن أن يصدر قراًرا بمنع سفر مناصريه٬ عوًضا عن منعهم من أداء فريضة الحج». وقال إن قرار منعهم من الحج «سيعرضه للمساءلة وسط مناصريه وجمهوره٬ لأنه لا يستطيع إسقاط فريضة دينية واجبة٬ مهما كانت الذرائع٬ ولا يستطيع إصدار قرارات منع بأحكام واجبة٬ وهو ما يدفعه لعدم الإعلان عنها». وقال المصدر نفسه: «حتى لو كان أصدر تعميًما داخلًيا٬ فإنه لا يعلن عنه تجنًبا للإحراج الكبير»٬ واضًعا القرار الذي تم تسريبه «في إطاره السياسي بما يتخطى القرار الديني».

وفي المقابل٬ أخرجت الشخصيات الشيعية٬ الدينية والسياسية المعارضة لما يسمى «حزب الله» اللبناني٬ قضية منع مناصريه من أداء فريضة الحج هذا العام٬ من إطارها الديني٬ مؤكدة أن التزام الحزب عقائدًيا بإيران٬ وبولاية الفقيه٬ دفعها لذلك. وقال رجل الدين الشيعي البارز٬ السيد محمد حسن الأمين٬ إن «التزام الحزب سياسيا بإيران٬ يعني الالتزام حكًما بولاية الفقيه فيما يخص المواقف الدينية»٬ لافًتا إلى أن ما يسمى «حزب الله» المعروف بولائه لولاية الفقيه: «من الطبيعي أن يمتنع عن أداء هذه الفريضة٬ وهي التي بادرت إلى الامتناع عن الحج لهذا العام لأسباب سياسية وتتعلق بالخلافات القائمة مع المملكة العربية السعودية».

وقال الأمين المعارض للحزب: «هذا أمر بديهي بالنسبة لمن يعرف العلاقة التي تربط الحزب والقيادة الدينية في إيران»٬ مشدًدا على أن هذا الاعتبار «هو المفصل الأساسي لكون الحزب يعلن ويصرح ويقول دائما إنه مرتبط بقيادة الولي الفقيه٬ أي ما يلزم الحزب هو هذا الارتباط الوثيق». ورأى الأمين أن دوافع إيران للامتناع عن الحج «تكمن في الوجهة السياسية٬ وبكل أسف هناك مظهر من مظاهر الخلاف والصراع بين الدولتين ويؤدي أحيانا إلى نتائج منها منع الحج». وإذ أشار إلى أن «الطرف المعني بالأمر قد يملك بعض المبررات الدينية»٬ أكد أنها «لا تلزم كل الناس وكل الشيعة٬ بل تلزم من هو مرتبط بولاية الفقيه سواء أكان إيرانيا أم لبنانيا». كما أكد أن القرار الإيراني يلزم الشعب الإيراني لأن القيادة الموجودة في إيران هي قيادة الدولة وليس تيار ولاية الفقيه».

وعّبر رئيس مركز «أمم» للدراسات٬ لقمان سليم٬ عن أسفه لأن «هناك من يمعن في تحويل فريضة الحج إلى سجال له خلفياته السياسية والمذهبية». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»٬ أن الأمر «لا يحتاج إلى بذل مجهود كبير لنتذكر السجل العدلي للإيرانيين وجماعتهم في مواسم حج ماضية٬ عندما استغلّوا هذا الركن الإسلامي٬ وحولوه في ثمانينات القرن الماضي إلى مظاهرات تحت شعار (البراءة من المشركين(٬ محاولين بذلك استغلال موسم العبادة لغايات سياسية». وقال سليم وهو ناشط سياسي شيعي مناهض لما يسّمى «حزب الله»: «ليس جديًدا على الإيرانيين وحلفائهم٬ أن يحولوا موسم الحج والعبادة إلى موسم نقاش وسجال». وسأل: «هل يستطيع (حزب الله) أن يقرر بنفسه إسقاط ركن من أركان الإسلام الخمسة؟٬ هذه كبيرة جًدا عليه»٬ معتبًرا أن «الأمر يأتي من إيران ومن الولي الفقيه والحرس الثوري»٬ مضيفا: «كما استخدم الإيرانيون الحج سابًقا لإثارة الشغب تحت شعائر دينية معينة٬ ها هم يحاولون الآن التلاعب بهذا الركن والتشويش عليه تحت عنوان: (السعودية ليست أهلاً لإدارة هذا الركن)٬ ويكفي أن نطّل على الماضي لنستشرف منه ما يخططه الإيرانيون للمستقبل». وأبدى سليم أسفه لأن «السلوك الإيراني يعّمق يوًما بعد يوم خطوط التماس المذهبية من باكستان إلى الضاحية الجنوبية»٬ معتبًرا أن «إسقاط (حزب الله) هذه الفريضة٬ ليست إلا الصدى للخطاب الإيراني الذي يتردد في بيروت٬ كما في بغداد التي استفاقت اليوم (أمس) على جداريات تحمل كلام خامنئي التحريضي ضّد المملكة العربية السعودية». وقال: «لنكن واضحين إن (حزب الله) ليس إلا ذراًعا تتحرك بأمر من العقل الإيراني».

وفي الإطار نفسه٬ أجمعت شخصيات دينية سنية على رفض قرار ما يسمى «حزب الله» منع محازبيه من أداء فريضة الحج هذا العام تحت طائلة الفصل٬ واضعة إياه في خانة «تسييس» «ركن الإسلام الخامس» استجابة لمرجعية الحزب الدينية والسياسية المتمثلة بـ«ولاية الفقيه». وفيما دعت إلى عدم الالتزام به أّكدت أنه ليس هناك من أسباب موجبة تدعو إلى الامتناع عن القيام بهذه الفريضة.

ورأى مفتي الشمال٬ الشيخ مالك الشعار٬ أن قرار الحزب سياسي بامتياز ولا علاقة له بالشريعة كما أنه «لا يجوز أن يطاع». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد خافيا على أحد أن الحزب ارتضى لنفسه طريقا التزم بها أطلق عليها تسمية (ولاية الفقيه)٬ والفقيه هو ولي المبايعين أو التابعين له وهذا منطق لا أساس له في شريعة الإسلام٬ حيث لا وجود لـ(الولي الفقيه)٬ وعندما يلزم الحزب أتباعه بعدم أداء فريضة الحج فهذا جزء من مفهومه لولاية الفقيه». وأضاف: «هناك قاعدة شرعية هي أّن القاضي ولي من لا ولي له يعني القاضي ولي القاصر التي فقدت أباها وجّدها أما أن يكون الفقيه ولي لأتباعه فهو منطق غريب وجديد في الإسلام». واعتبر أنه ليس هناك أي أسباب في أيامنا هذه من شأنها أن تكون مانعا لأداء فريضة الحج٬ خصوصا إذا كانت الحجة الأولى التي يطلق عليها «حجة الإسلام»٬ موضحا: «قد يكون لبعض الأشخاص ظروف شخصية تمنعهم من القيام بها إنما الوضع السياسي لا يشكل مانعا لها». وهّنأ الشعار كل الحجيج قائلا: «أبارك لكل من شّد الرحال لتأدية الفريضة مثنيا على دور المملكة العربية السعودية والقائمين عليها في رعاية بيت الله الحرام والحرمين الشريفين٬» وأدعو أن يجزيهم الله كل خير على ما يقومون به».

من جهته٬ يقول مفتي البقاع٬ الشيخ خليل الميس٬ لـ«الشرق الأوسط»: «يحق للحاكم أن يتخذ قرارا بمنع أداء فريضة الحج لأسباب فقهية متعلقة بظروف طارئة لكن قرار حزب الله) وإن كان من شأنه التخفيف من الاحتقان الحاصل نتيجة الحادثة الأليمة التي وقعت العام الماضي٬ هو قرار سياسي أرادوا من خلاله تسييس هذه الفريضة الإسلامية». وأضاف: «وبما أّنهم أسقطوها عن أنفسهم أي عن عناصرهم فقط فيمكن القول إنه رب ضارة نافعة وعّل هذا القرار يمنع الفتنة في الوقت الحالي».

كذلك٬ يعتبر مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو٬ أن ما يسمى «حزب الله» يقوم بمعركة سياسية تحت غطاء الدين. وقال٬ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب التي يشنها (حزب الله) بتوجيهات إيرانية لا دين لها٬ الدين لا يأمر بقتل المدنيين والاعتداء على الحرمات٬ وبالتالي قتل الأبرياء والمدنيين تحت شعار الدين فيه تزوير للواقع»». وأضاف: «يبدو واضحا أن الحزب ينفذ تعليمات إيران التي تريد أن ترفع شعارات مناقضة للشريعة الإسلامية بعدما سبق لها أن اتخذت قرارا بمقاطعة الحج إثر خلافها مع المملكة العربية السعودية»٬ مضيفا: «من هنا يعطي الحزب أوامره لعناصره للالتزام سياسيا بإيران المعروفة بعدائها للسعودية٬ في وقت الحج هو ركن أساسي من أركان الإسلام أمر به المولى عّز وجّل ولا يمكن لأحد أن يمنعه».