IMLebanon

عباس إبراهيم… في قلب الأمن والسياسة

أغلى ما يتمناه اللواء عباس إبراهيم هو أن يأتي اليوم الذي تصل قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي الى خواتيمها السعيدة ويعود هؤلاء العسكريون الى ذويهم سالمين، على غرار التجربة الناجحة مع تحرير العسكريين من قبضة «جبهة النصرة».

عندما يُسأل اللواء إبراهيم عن الجديد في هذه القضية، وما إذا كان هناك بصيصُ أمل حول مصير العسكريين، تقرأ في تعابير وجهه حجمَ التعاطف مع ذويهم وما يعانونه من عذابات، وحجم الاهتمام الذي يوليه لهذه القضية الوطنية: «إنها في رأس الأولويات بالنسبة الينا، وانطلاقاً من مسؤوليتنا بدأنا جهودنا مع كلّ الأطراف التي يمكن أن تشكل عاملاً مساعداً لنا في هذه القضية، ولم تتوقف، لا بل إنّ عملنا مهما كان صعباً أو شاقاً أو حتى مضنياً، لن يتوقف، سنطرق كلّ الأبواب، وسنستمرّ الى أن نبلغ الهدف المنشود.

هذا العمل، يقول ابراهيم، يتطلب الكثير من الحرص والدقة وتوخّي الحذر والعمل بصمت أمام هذه القضية التي لا بدّ أن تنجلي في يوم من الأيام. وآمل ألّا يكون هذا اليوم بعيداً».

في الأمس القريب نبتت على حافة قضية العسكريين المخطوفين مسألة بعض الجثث المجهولة الهوية التي عثر عليها وأثارت بلبلةً والتباسات.

لكن سرعان ما تكشّفت حقيقة الأمر وتمكّن الأمن العام من تحديد هوياتها غير اللبنانية. أما على الخطّ الموازي فيعمل الأمن العام حالياً على ما يصفه اللواء، بالأمر المهم، لكنه يبقيه طيَّ الكتمان، ويحدوه الأمل في أن تنجح هذه المهمة «..نحن نشتغل ونقوم بما علينا وبكلّ طاقتنا حول أمر معيَّن، وبالتأكيد سيعلَن عن هذا الأمر بكلّ تفاصيله فور إتمامه في القريب العاجل».

«الأمن فوق كلّ اعتبار»، هو العنوان الذي يفهمه اللواء إبراهيم على أنه المتقدّم على كلّ ما عداه من عناوين أخرى. يشعر بالاطمئنان الى وضع البلد «أنظروا من حول لبنان، لا بل انْظروا الى كلّ دول العالم، الأمن في بلدنا ورغم إمكاناتنا المتواضعة جداً وقياساً مع غيرنا من الدول، يكاد يكون الأفضل والأكثر أمناً واستقراراً من بينها كلّها، هذه حقيقة لا نبالغ فيها، بل يشهد بها كلّ العالم وخصوصاً الأجهزة الأمنية العالمية، ولقد سمعنا ذلك صراحة».

لكنّ إبراهيم ومع ذلك، لا ينام على حرير، «فالواقعية والمسؤولية توجبان ألّا نسترخي أبداً او ندير ظهرنا، فلا يؤمّن للإرهاب أبداً، وعدونا التكفيري – الإرهابي خبيث، لقد خبِرنا فيه الغدر في أيّ لحظة، أو من أيّ نقطة يتمكّن من النفاذ منها، وقرارنا أن نواجهه ونقطع رأس هذه الأفعى ونحمي بلدنا ونقيه شرّه بالتعاون والتنسيق مع سائر الأجهزة الأمنية والعسكرية.

نحن نملك القدرات، وإن كانت متواضعة، ونملك الإرادة الأكيدة والخبرات التي مكّنتنا من القيام بعمليات استباقية وتحقيق نجاحات وإنجازات كبرى على هذا الصعيد، ولاسيما تفكيك خلايا وشبكات كانت تُعدّ لتنفيذ عمليات إرهابية كارثية، وإلقاء القبض على أفرادها».

الوضع الأمني ممسوك وتحت السيطرة، يقول مدير عام الأمن العام، ولكنّنا لا نستطيع القول إنّ خطر الإرهاب قد زال مئة في المئة، من هنا فإنّ الحذر أكثر من واجب، خصوصاً أنّ هذا الإرهاب بكلّ تصنيفاته ومسمياته، وتحديداً تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي يتعرّض لنكسات في أماكن وجوده في سوريا وغيرها، بالإضافة الى ضرب شبكاته وتفكيك معظمها، نضع في سلّم احتمالاتنا أنه قد يفتّش عن ثغرة ينفذ منها الى الداخل اللبناني أو الى أيّ مكان آخر لتنفيذ عمل إرهابي ثأراً وانتقاماً لما يُمنى به من انهيارات متتالية».

لكن، يضيف ابراهيم، عيوننا ساهرة وجهوزيّتنا مستنفرة ومتأهّبة في أقصى طاقتها، خصوصاً تجاه الأمكنة التي يعتبرها الإرهابيون ملاذاً آمناً لهم وعلى وجه التحديد في مخيمات النزوح السوري التي يحوي بعضها، كما كشفت التحقيقات مع الإرهابيين الموقوفين والمتابعات الحثيثة التي يقوم بها الأمن العام، عناصر على استعداد للاستجابة للمجموعات الإرهابية وتنفيذ عملياتٍ انتحارية.

وفي الأمس القريب تمكّن الأمن العام من القبض على فتاة سورية في طرابلس، أدلت باعترافات خطيرة ومنها أنها مستعدة لتنفيذ عمليةٍ إنتحارية، وأنها كانت تقوم بتجنيد فتيات وإرسالهنّ الى الرقة، بالإضافة الى أنها كانت تشتري أسلحة وذخائر لاغتيال عسكريين في الجيش اللبناني».

يفتح ذلك على التأكيد أنّ أزمة النازحين السوريين في لبنان كبيرة جداً، وهنا يقول مدير عام الأمن العام «لا نستطيع أن نختبئ خلف اصبعنا، ملف النزوح السوري شائكٌ ومعقَّد ويشكّل عبئاً كبيراً على الدولة اللبنانية، وبالتالي لا بدّ من أن يُزاح عنه، تجنّباً لأثاره ولتفاقمه أكثر ولكلّ التداعيات التي قد تنجم عنه.

لذا صار اكثرَ من ملحّ وضروري إيجاد العلاج السريع لهذه المشكلة، وبالتأكيد لا يستطيع لبنان وحده أن يوجد هذا العلاج بل هي مسؤولية المجتمع الدولي في مساعدة لبنان على إزاحة هذا العبء الذي يستنزفه مالياً وعلى كلّ المستويات».

لا يقف اللواء إبراهيم فقط في الحلبة الأمنية، كما لا يقف على تماس مع السياسة، بل تراه في قلب هذه السياسة معجوناً فيها، يعرف الكثير، يكتنز على كمّ كبير من الحقائق، وعلى وقائع وتفاصيل، واسرار متراكمة، وخفايا. ويقاربها بمهارة العارف، قيل عنه إنه إطفائي.

ربما هو كذلك، إذ تستهويه المهمّات الصعبة، ويؤدي فيها الأدوار بما تتطلبه من حنكة تمرَّس بها وخبرة وإرادة على خوض التحدي، وسرعة بديهة ملحوظة، وقدرة استثنائية على الإقناع متسلّحاً بوجه هادئ، والأهم هو «المختصر المفيد» الذي يعتمده، من دون الغرق في التفاصيل أو الدوران حول الثانويات والشكليات.

صعب أن تسحب من مدير الأمن العام ما لا يريد أن يقوله، وصعب أكثر أن يفرج عما يجب أن يبقى سراً محبوساً داخله. وجوابه جاهز: إبتسامة لا أكثر… مرفقة بكلمات معدودة تُفهِم صاحب السؤال بأنّ «المجالس بالأمانات».

وكما أنّ للواء إبراهيم مداه الأمني الذي يسبح فيه، له رأيه في السياسة، قناعته أن لا تأجيل للانتخابات النيابية، ورغبته واضحة في «أن يبلغ البلد مرحلة الاستقرار السياسي الجدي والحقيقي، لا بل مرحلة الأمان لجميع اللبنانيين ولكلّ الأجيال المقبلة، والطريق الى ذلك يكون بالتأكيد عبر إنتاج قانون جديد للانتخابات يشكل الركيزة لمستقبل آمن لأولادنا ولبلدنا، ولكن إن استمرّ البلد أسيراً لذات القانون فمعنى ذلك بقاؤه في متاهة لا مخرج لها».

القانون الانتخابي السليم، يؤكد ابراهيم، هو الذي يشكل الضمانة لأبنائنا، وهو السبيل الوحيد لتطوير البلد، وإعادة انتاج الدولة كدولة كاملة المواصفات والمعنويات. اعتقد أنه آن الأوان لصياغة مثل هذا القانون الإنقاذي الجديد، وآن الأوان لكي يستفيد اللبنانيون من كلّ تجارب الماضي، وآن الأوان لكي يدركوا أنّ عدم التغيير وقطع الطريق على أيّ تطوير، وكذلك التمسّك بقانونٍ انتخابي قديم، يعني التمسّك بقانون لا ينتج دولة بل ينتج واقعاً مزرياً لا مستقبل فيه لا لأبنائنا ولا لأولادنا».

لقد لمس اللواء إبراهيم من مستويات رسمية رفيعة حماسة شديدة لتغيير قانون الانتخابات، وسمع «كلاماً مسؤولاً»، يؤكد «الرفض المطلَق للقانون الانتخابي النافذ حالياً، وأن لا قبول تحت أيّ ظرف ومهما كلّف الأمر، بشيء اسمه «قانون الستين» لا كما هو، ولا مُعدَّلاً ولا مُجمَّلاً، لا يجوز أبداً أن نظهر وكأننا عاجزون عن إنجاز قانون انتخابي جديد… لا بل عيب علينا أن نظهرَ عاجزين… ونسلّم أو نستسلم لهذا العجز».