IMLebanon

«أبو» سورية و «أخوها»

موسكو وطهران: مصير الحل في سورية يقرره السوريون. النظام السوري: نقرره بالبراميل المتفجّرة والغازات السامة والتعذيب والتنكيل، والتهجير… فالهدف استئصال الإرهاب والتكفيريين.

ولنا أن نستنتج أن جميع الذين أبادتهم البراميل السود في دوما قبل أيام قليلة، هم تكفيريون، رجالاً ونساء وأطفالاً.

أما المثال الروسي- الإيراني عن رؤية لم تتبدّل- للصراع والحرب في سورية، رغم توقيع الاتفاق النووي- فهو جزء من حملة دشّنها حليفا النظام السوري لتبديد أي وهم زرعه الرئيس الأميركي باراك أوباما بإمكان تبديل سياسة الحروب بالوكالة التي تديرها طهران خصوصاً، وتشجّعها موسكو… من دون اعتبار لأي مصلحة مشتركة في تعاون الكرملين مع الدول العربية المعنية بإنهاء مأساة السوريين ونكباتهم.

الآن، لم يعد ممكناً الشك في أن الاتفاق النووي الذي وصفته إيران بأنه انتصار لها في مواجهة الدول الكبرى، شجّعها على مزيد من التمادي في تسهيل ما يرتكبه النظام السوري، رغم «العقاب» القاسي له في عبارات التنديد المملّة التي يكررها مجلس الأمن. حتى واشنطن تتعمّد سياسة الغباء في ترك حبل المجازر على غارب النظام السوري الذي يتنافس مع «داعش» على دماء شعب تخلى عنه العالم «المتحضّر»…

ومن دون أدبيات بكائية، رغم فظاعة مشاهد أكياس الجثث المكدّسة في دوما، يجدر السؤال عن صدقية «نظرية» التحوُّل في موقف روسيا من نظام الرئيس بشار الأسد، بل حتى طهران التي نفت مرات أن مصير الأسد كان تحت الطاولة في مفاوضات فيينا النووية، لتوجّه أخيراً رسالة إلى الجميع مفادها أنها لن تتخلى عن دعمها النظام السوري. بل إن تقهقُر حلفائها الحوثيين في اليمن، يرجّح مزيداً من التشبُّث الإيراني بسورية، أرضاً ونظاماً، وكل ما روّجته طهران عن انفتاحها على حوار مع جيرانها الخليجيين من أجل استقرار المنطقة، هدفه ينحصر في إظهار دول مجلس التعاون بمظهر المتردّد السلبي الذي لا يريد إنهاء سفك الدم.

ما حصل بعد الاتفاق النووي مع إيران التي ما زالت تمارس سياسة التعمية، واستغباء الآخر، والتعالي على المصالح العربية، وترويج صورة عدوانية لكل من يخالفها في نهج الهيمنة على المنطقة، هو إعلان روسي- إيراني عن تجديد رعاية النظام السوري بوصفه «ضحية» الإرهاب والتطرف والتكفير! والأنكى أن يصدّق الكرملين وطهران ان العالم يصدّق ما يدّعيانه في شأن نيات الأسد، واختزال كل الصراع في سورية وكل المآسي بمواجهة مع الإرهاب، اقترحت لها موسكو حلفاً مستحيلاً مع نظام يرتكب المجازر في حق السوريين، ويدّعي أبوّته لهم!

صيغة شبيهة لما قيل قبل اتفاق فيينا، حول القنبلة النووية الإيرانية: طهران استماتت دفاعاً عن حليفها الأسد، وجرّت «حزب الله» إلى خسائر جسيمة تكبّدها في سورية، فكيف بعد حصولها قريباً على صواريخ «أس 300»… وكيف بعد ورطة تركيا في قتال الأكراد (حزب العمال الكردستاني)، وفتح أبواب المواجهة مع «داعش»، والصراع المرير مع المعارضة في الداخل؟

«فليقرر السوريون من دون تدخُّل خارجي»! الوجود الإيراني في سورية «جمعية خيرية» لتضميد جروح السوريين، ومواساة أيتامهم وأراملهم، وأما البراميل المتفجّرة، فحال طهران معها كحال النظام في دمشق، وهو يكاد ان يعتبرها وروداً، خاسر كل من يضيّعها، ويلعق أشواكها.

ولكن، هل هناك ما يبرر كل تلك السوداوية في تقويم مآل ديبلوماسية التفجيرات «النظامية» والسكاكين الإيرانية التي لا تريد الطعن إلا في «النيات السيئة»، ولا تطمع بأكثر من كشف خبث التكفير، ولا تسمع بالبراميل… ولا ترى مصيبة للسوريين إلا في «تدخُّل خارجي»، فيما تدخّلها محلي، «أبوي»، جلّ مسعاه أن يقرروا وحدهم؟

للوزير سيرغي لافروف أن يبتهج بأن الحليف الإيراني بات على عتبة الخلاص من سيف العقوبات، بات موعوداً بخزينة تسمح بصفقات وعقود تسلُّح، تُنعش سوق الأسلحة الروسية. حافز آخر لتجديد دماء الشراكة التي ترعى نظام البراميل، وفصول النكبات السورية… حتى الأمل بتغيير جِلد هذا النظام، بدّده لافروف، لأن إزاحة الأسد حتى في نهاية المرحلة الانتقالية ليست مضمونة، فهو «الرئيس الشرعي لسورية».

بين الأميركي والروسي ما الذي تبدّل إذاً، بعد الاتفاق النووي، في الملفات الإقليمية؟ أي تقارُب بين واشنطن وموسكو يشجّع على أمل بحلحلة في تفكيك عُقد الصراع في سورية وعليها؟

يمكن الكرملين أن ينام على حرير منحه أوباما مكافأة نزع الأسنان الكيماوية السورية، وأن ينام مطمئناً إلى تغاضي الرئيس الأميركي عن المجازر في دوما وغيرها، ما دام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي عبّد لأوباما طريق اتفاق فيينا، ليدخل التاريخ من أبواب خامنئي.

… وعبّد للسوريين مزيداً من الطرق إلى الكوارث.