IMLebanon

ما بعد قرار الحريري المنتظر ليس كما قبله  

صدقت توقعات بعض من يقفون على سيل من المعطيات والأسرار المحيطة بالاتصالات والمشاورات الجارية من فوق الطاولة ومن تحتها، وعاد الرئيس سعد الحريري مساء أول من أمس الى بيروت وسط تطورات سياسية – أمنية على الساحة اللبنانية، جذبت العديد من الاتصالات على غير مستوى وفي أكثر من اتجاه وارتفع معها منسوب الاجتهادات بين من يجزم بأن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في الثامن والعشرين من أيلول الجاري لن تكون كسابقاتها، وهي ستأتي برئيس للجمهورية هو العماد ميشال عون، وبين من يستبعد ذلك ولا يرى في الجلسة المقبلة سوى امتداد للجلسات الاربع والاربعين السابقة ونسخة طبق الاصل عنها..

في قناعة هذا البعض الذي يجزم بحتمية انتخاب عون رئيساً، ان »جنرال الرابية« هو الأوفر حظاً والأكثر شعبية في البيئة المارونية – السياسية – ويحظى بتأييد »القوات اللبنانية« التي تقدمت شعبياً على ما سواها من احزاب وقوى سياسية، بقيادة سمير جعجع الذي تنازل عن ترشحه للرئاسة وأعلن تأييده الجنرال، وهو، كان ولايزال حتى الأيام الأخيرة على قناعة يعلنها على الملأ أمام محازبيه ومناصريه وكل الذين يؤيدونه او يخاصمونه فإن »الحل هو بوصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة وحليفنا سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.. أما الاعتراضات او التساؤلات التي يطرحها البعض حول وصول الأقوياء الى المواقع الدستورية الأولى، فهي ليست في محلها، وبالتالي لا تخدم المصلحة الوطنية بشيء..«.

لم يعد سراً ان الجميع يترقب ما سيكون عليه موقف الرئيس الحريري، وهو على ما تقول المعلومات سيجري أوسع حركة اتصالات ومشاورات داخل كتلة »المستقبل«، كما داخل »تيار المستقبل« للوصول الى القرار النهائي، مع اشارة الى ان الجميع في »الكتلة« كما وفي »التيار« يؤكدون ان »كلمة الفصل« النهائية هي للرئيس الحريري »الذي لا تعلو على كلمته كلمة«.. وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار التباينات التي لم تعد داخل الجدران الأربعة وقد أفصح عديدون من نواب »المستقبل« عن آرائهم باستبعاد انتخاب الجنرال عون لرئاسة الجمهورية.. بل ورفضهم لذلك..

وصول الجنرال عون الى بعبدا، ليس محصوراً فقط بالتيار الأزرق، لكن حصوله على بركة هذا التيار ستزيل من طريقه إحدى أبرز العقبات والموانع، والباقي سيضع حليفي الجنرال (»القوات«) و»حزب الله« في موقع حرج للغاية لاثبات صدقيتهما، لاسيما وان غير جهة تجزم بأن الحزب غير جاد في ايصال عون وإلاّ لكان وضع كامل قوته مع حلفائه لتأمين نصاب الجلسات النيابية لانتخاب الرئيس..

وفي قناعة »القوات اللبنانية« على ما يقول النائب جورج عدوان ان »عودة الرئيس سعد الحريري والتفاهم على انتخاب العماد ميشال عون ستشكل بديلاً للتحرك في الشارع واستمرار الفراغ.. والمشكلة الرئيسية في لبنان هي عدم وجود رئيس للجمهورية..«.

حتى الساعات الأخيرة الماضية، كان »المستقبليون«، على وجه العموم، يرمون الكرة في ملعب »حزب الله« ويحملونه مسؤولية التخلف عن القيام بأبسط واجباته وحشد حلفائه والنزول الى مجلس النواب لتأمين النصاب وانتخاب عون.. وهم يؤكدون أن الحزب »لا يريد رئيساً للجمهورية، بل يريد ان يوهم عون بأن مشكلته ليست معه، بل في مكان آخر.. هذا مع اعتراف »المستقبليين« عموماً بأنهم على »خلاف سياسي« مع »الجنرال البرتقالي، لكنهم لن يقاطعوا الجلسة..«.

في مرات سابقة أشار البعض الى ان حدود »مونة« حزب الله على »حلفائه« ومن بينهم الرئيس نبيه بري محدودة، بل محدودة جداً.. وهو (أي الحزب) ينأى بنفسه عن أي دور قد يشكل احراجاً لرئيس المجلس الذي يقر »بفقدان الكيمياء« بينه وبين الجنرال الذي لم يتأخر عن زيارة عين التينة، لا هو، ولا صهره الوزير جبران باسيل الذي يتولى رئاسة »التيار الحر« الذي رفع من منسوب التصعيد الكلامي وبادر الى الانسحاب من الحوار الوطني ومقاطعة جلسات الحكومة بحجة »الميثاقية« التي أثارت العديد من الأسئلة والتساؤلات حول معنى وجدوى وتوقيت سحبها من الادراج في مثل هذه الظروف والأوضاع.

صحيح ان الرئيس بري يعطي الأولوية لقانون الانتخابات من ضمن التوافق على »سلة متكاملة« يصار من بعدها الى انتخاب رئيس للجمهورية.. وهو كان على مدى الأسابيع الماضية محور اتصالات خارجية، ويرفض تقزيم المسألة الى حدود العلاقات الشخصية بينه وبين العماد عون وقد كررها أكثر من مرة قائلاً: »أنا أشعر بالود حيال الجنرال عون على المستوى الشخصي، وهو دمث الاخلاق.. وبالتأكيد مش قاتلي بيي.. ولا أريده ان يقتل نفسه..« وخلال زيارته الى لبنان حضر الاستحقاق الرئاسي في لقاء بري مع  وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية توماس شانون، وبعدما استمع (ابو مصطفى) الى الموقف الاميركي حول دعم الاستقرار وضرورة الاسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، توجه (على ما يقال) الى ضيفه بالقول: »أنتم الآن تتكلمون مع الايرانيين والسعوديين.. حاولوا في الملف الرئاسي ان تفعلوا شيئا على خط طهران – الرياض..«.

الواضح الى الآن، ان الرياض تبني على »الارث العريق من العلاقة المميزة بين السعودية ولبنان..« وهي تؤكد في كل مناسبة »الحرص على لبنان وشعبه واستقراره وتشعر بمسؤولية تجاهه..« على ما قال القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد بن عبد الله نجاري.. لكن طهران »تغسل يديها« ولا ترى موجباً للتدخل، وهي تصر على ان يكون الحل عبر بوابة »حزب الله«، الذي بات يحتل موقعاً متقدماً على قائمة المنظمات الارهابية، في الولايات المتحدة، كما في العديد من دول الخليج العربي.. من غير ان يعني ذلك اقفال الأبواب بين »حزب الله« و»المستقبل« اللذين يتشاركان، مجلساً نيابياً واحداً، وحكومة واحدة، وجلسة حوار شاملة واحدة، إضافة الى »الحوار الثنائي« الذي لم يتوقف وقد كانت جلسته الأخيرة الاسبوع الماضي موضع اطراء من الجميع وقد نجحت بحدود او أخرى في تجنيب الشارع مخاطر الاحتقانات السياسية والمذهبية.. التي يمكن ان تتوج بقرار تتطلع اليه الغالبية الساحقة، يصدر عن الرئيس الحريري، والذي سيكون ما بعده بالتأكيد ليس كما قبله؟!