IMLebanon

«اجندة» واشنطن لبنانياً

                                      

غرق المسؤولين اللبنانيين في الجدل «البيزنطي» حول قانون الانتخابات، واقرار الموازنة العامة، لا يلغي وجود استحقاقات داهمة تنذر بمخاطر جدية بينها ملفي الارهاب، و«الرسائل الامنية» «المشفرة» من «بوابة» مخيم عين الحلوة… اما الاميركيون فلهم اولويات أخرى واجندة مختلفة تحتاج الى اجابات حاسمة من الدولة اللبنانية، وفي مقدمها ملف المناطق الامنة على الحدود اللبنانية- السورية، والتي تجلت بوادرها في الزيارة الاستطلاعية، الديبلوماسية -الامنية لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس روبرت كوركر، الى «خط التماس» اللبناني – السوري في عرسال، فيما يعود الى الواجهة ملف حزب الله، مع زيارة قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال جوزف فوتيل، ولكن هذه المرة من «البوابة» السورية، حيث اتضح في الساعات القليلة الماضية ان اولوية الاميركيين والاسرائيليين ليست سلاح الحزب في لبنان، بل وجوده في الجولان..طبعا لا يلغي ذلك «استياء» الاميركيين من تصريحات الرئيس ميشال عون حول سلاح المقاومة، دون ان يكون لذلك مفاعيل مباشرة لهذا «الغضب» من المعادلة «الماسية» الجديدة «الشعب الجيش المقاومة والرئيس»… فماذا يريد الاميركيون؟

اوساط مطلعة على محادثات كوركور في بيروت اكدت انه عبر صراحة امام من التقاهم عن وجود «صدمة» بين مسؤولي الملف اللبناني في الادارة الاميركية حول تصريحات الرئيس ميشال عون المتعلقة بسلاح حزب الله، ولفت الى ان كلام رئيس الجمهورية سبب حالة من الاستياء الشديد في واشنطن، لانه لم يراع الحد الادنى من الدبلوماسية المعهودة في مواقف مماثلة، فالموقف في المضمون  لم يكن مفاجئا، لان احدا لم يكن يعتقد ان «الجنرال» سيغير مواقفه من حزب الله بعد وصوله الى قصر بعبدا، لكن كان الظن به ان «يغلف» مواقفه ببعض المرونة الشكلية التي تسمح بالتمييز بين مواقفه كرئيس اكبر حزب مسيحي في البلاد، وبين كلامه كرئيس للجمهورية يمثل مختلف مكونات المجمتع اللبناني المنقسم حيال هذه القضية..لكنه لم يراع ذلك، ولم يراع ايضا موقف المجتمع الدولي من هذه القضية.

…لكن من التقوا الزائر الاميركي فهموا منه ان الادارة الاميركية لا تزال تضع نصب اولوياتها الحرب على الارهاب المتمثل «بداعش» وتنظيم «القاعدة»، وليس ضمن اولوياتها راهنا فتح النقاش في لبنان حول سلاح حزب الله، بل يهمها ما يحصل في سوريا، وزيارة كوركور الى منطقة عرسال كانت «رسالة» واضحة لا تقبل الالتباس حول اهتمامات الاميركيين، وفي هذا السياق ثمة نقطة جوهرية تحمل دلالات شديدة الاهمية، وهي ان الاميركيين لم يلمحوا الى نيتهم خفض المساعدات العسكرية الى الجيش اللبناني، بل على العكس من ذلك اوحوا بامكانية زياردة التعاون مع المؤسسة العسكرية، والواضح انهم ممتنون للعلاقة مع القيادة الراهنة، واعربوا عن استعداد واضح للتعاون مع القائد الجديد للجيش الذي سيعين في وقت لاحق، مع علمهم المسبق انه سيراعي التوازنات الداخلية والاقليمية والدولية… ولذلك فان تصريحات الرئيس عون حول ضعف امكانيات الجيش كسبب رئيسي للحاجة الى المقاومة، لم «يفرمل» القرار الاميركي بابقاء تعاونهم مع الجيش، بل حفزهم على ابداء الاستعداد لتوسيع قاعدة المساعدات لتامين حاجات الجيش لتامين الاستقرار الداخلي ومواجهة «الارهاب»، لكن ضمن سقوف مضبوطة تراعي اسرائيل..

وفي هذا السياق، لفتت اوساط مقربة من بعبدا، الى ان محاولة بعض الجهات اللبنانية الاتكاء على بيان مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان» والذي دعت فيه قبل ايام الى التزام اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها واحترام الاستحقاقات والمواعيد والتزام القرارات الدولية، للضغط على الرئاسة الاولى لتبديل موقفها، رهان خاطىء ولن يجد آذاناً صاغية في بعبدا، فاستياء المجتمع الدولي من التصريحات الاخيرة لرئيس الجمهورية في موضوع سلاح «حزب الله»، لن يتجاوز الموقف الدبلوماسي غير القابل الى التسييل، ولا نية لدى الرئاسة الاولى الخضوع لاي ابتزاز..

 المناطق الامنة

اما الحديث عن «انذار اخير» من المجتمع الدولي للبنان، قبل اتخاذ اجراءات ردعية تبدا بوقف برامج الدعم التي تم اطلاقها من نيويورك في أيلول 2013 «من أجل حشد الدعم والمساعدة لاستقرار لبنان وسيادته وتفعيل مؤسساته» وتحديدا من اجل دعم للجيش اللبناني، فان هذه التسريبات غير مقرونة باي موقف دولي جدي ما يزال يرى في الاستقرار اللبناني ضرورة لمنع تدفق اللاجئين السوريين الى الغرب، وهي تبقى اولوية في استراتيجية الرئيس الاميركي الذي لا يرغب في اثارة خطوات تهز الاستقرار في الدول المضيفة للاجئين، بل يرغب في ابقائهم حيث هم، او اعادتهم الى «مناطق آمنة» في سوريا، وهذا الملف من المرجح ان يثيره قائد القيادة المركزية الاميركية خلال زيارته الى بيروت، وبحسب اوساط بارزة في 8 آذار، من المفترض ان تكون لدى الدولة اللبنانية اجوبة واضحة حيال هذا الملف، حيث من المفترض ابلاغ الجانب الاميركي ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية في هذا الشان لان اتخاذ خطوات آحادية الجانب على الحدود اللبنانية السورية يحمل الكثير من المعوقات والمحاذير لا يرغب لبنان بالتورط فيها، مع العلم ان حزب الله بما يملكه من حيثية في تلك المناطق، لديه الكلمة «الفصل» في هذا الملف…

 حزب الله والجولان

وحول الاولويات الاميركية فيما يتعلق بملف سلاح حزب الله، فهي بحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، لا تنفصل عن اولويات اسرائيل الحالية، فالاميركيون والاسرائيليون يدركون ان فتح هذا الملف في الوقت الراهن غير واقعي ولا قدرة لاحد في الساحة اللبنانية على تحمله، كما ان المعطيات الاقليمية والدولية لا تسمح بنقاش هذه المسالة باعتبارها ملف مؤجل الى حين تنضج التسويات الكبرى في المنطقة، او حين تكون اسرائيل اتمت استعداداتها لخوض مغامرة جديدة للقضاء على قدرات المقاومة، وهذان الامران لا يبدوان متاحين الان، لاسباب عديدة يطول شرحها، ولكن السبب الرئيسي يبقى توازن الرعب القائم على جانبي الحدود…

ولهذا سمع من التقى المبعوث الاميركي كلاما واضحا عن ضرورة انسحاب حزب الله من سوريا وخصوصا من المنطقة الجنوبية وصولا الى المناطق المحاذية للجولان، ويعمل الاسرائيليون في هذه المرحلة على استغلال الدور الاميركي المفترض على الساحة السورية، لتامين مصالحهم في التفاوض مع الجانب الروسي، والمطلب الوحيد بعد تجاوز مسالة بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة، وهو الحصول على ضمانات بانسحاب حزب الله من الجولان السوري، هذا الامر يشكل بالنسبة للاسرائيليين الهاجس الاكبر في المرحلة الراهنة، وهم طالبوا الاميركيين الضغط لانهاء وجود حزب الله في سوريا، اما في لبنان فثمة قواعد «للعبة» لا يتجاوزها الطرفان، وفي هذا السياق ابلغت اسرائيل الاميركيين انها لا يمكن ان تقبل بوجود بنية تحتية ولوجستية قرب الجولان تشبه جبهة جنوب لبنان، هذا التوسع الذي ترعاه ايران ويعمل على تنفيذه على الارض حزب الله، كما يقول الاسرائيليون، سيكون الخطر الاستراتيجي الاهم في المرحلة اللاحقة، وسيكون اكثر نتائج الحرب السورية سوءا، لان الكارثة الكبرى ستكون انتهاء الحرب مع بقاء حزب الله في مناطق استراتيجية كانت قبل 6سنوات جبهة «ميتة» وحولها الحزب اليوم الى موقع متقدم وخطير جدا سيكون له تاثيراته المباشرة على اي حرب في المستقبل… وهذه الاجندة الاسرائيلية تبناها الاميركيون ويفاوضون عليها اين ما ذهبوا بالنيابة عنهم…