IMLebanon

عين دارة بحماية «دولة الكسّارات»

تعرُّض أهالي عين دارة والمجتمع المدني وشرطة البلديّة لاعتداءات متكرّرة من مسلّحي الإخوة فتوش، لم يؤثّر ذلك على موقفهم المُمانع لإنشاء معمل الاسمنت، أو معمل الموت بحسب وصفهم، إلا أن المستغرب هو عدم شمول هذا الموقف الكسّارات غير القانونيّة المنتشرة في المكان نفسه، والتي تطوع أصحابها لنشر «مسلّحيهم» على الطريق المؤدية الى موقع المعمل لمنع إدخال أي تجهيزات إليه!

في 13 تشرين الأوّل الماضي، أحال وزير البيئة محمد المشنوق، الكتاب الرقم 1054 إلى وزارة الداخليّة والبلديّات، بعدما سبقت إحالته إلى وزارة البيئة في 14 أيلول الماضي، من رئيس بلديّة عين دارة فؤاد هيدموس، ويشتكي فيه من أعمال تفجير في المقالع الواقعة في منطقة عين دارة العقاريّة، خلافاً للمرسوم 8803 الصادر عام 2002 والمتعلّق بتنظيم العمل في المقالع والكسّارات.

يطلب وزير البيئة في خلاصة الكتاب من وزير الداخليّة: 1- وقف المقالع غير الحاصلة على ترخيص قانوني في منطقة عين دارة العقاريّة. 2- إلزام المقالع المرخّصة باستخدام مواد التفجير المرخّص استعمالها. 3- اعتماد أساليب التفجير العمودي بدلاً من التفجير الأفقي. 4- تنفيذ التفجيرات بحضور القوى الأمنيّة.

بحسب الكتاب المُرسل إلى وزارة البيئة والمستند إلى دراسة أعدّتها مجموعة من الاختصاصيين البيئيين، تسبّبت التفجيرات التي ينفّذها أصحاب الكسّارات في منطقة ضهر البيدر بتلوّث المياه الجوفيّة التي تغذّي مياه نبع الصفا وإقليم الخروب، بكمّيات كبيرة من المواد الكيميائيّة، مثل النيترات والفوسفات، المُستعملة في عمليّات التفجير الرامية إلى استخراج البحص، ورفعت عدد الإصابات بسرطان المعدة إلى 4 بين كلّ خمسة مصابين بالسرطان.

حتى تاريخ اليوم، ومع مرور شهر على كتاب وزير البيئة، لم تصدر وزارة الداخليّة والبلديات قراراً بإغلاق هذه الكسّارات.

عوضاً عن إغلاق الكسّارات، تطوّع أصحابها لنشر مسلّحين على الطريق المؤدّية إلى أرض المعمل الذي ينوي الإخوة فتوش إنشاءه لمنعه من إكمال الإنشاءات فيها، بدلاً من الاستعانة بشرطة البلديّة وشباب عين دارة. أمّا الهدف الذي تشيعه البلديّة فهو حمايتهم من الاعتداءات التي يتعرّضون لها من المسلّحين التابعين لفتوش.

يبدي ناشطون بيئيون خوفاً من إضفاء شرعيّة معيّنة على الكسّارات التي يحاربون وجودها (سواسية مع معمل الاسمنت) تؤمّنها البلديّة بطريقة غير مباشرة، وخصوصاً أن الكسّارات بالنسبة إليهم هي “أصل المشكلة لأن المعمل لا يمكن أي يقام من دون الاعتماد على المواد الأوليّة التي ستوفّرها له”.

يُنتج الاسمنت في لبنان في ثلاثة معامل تتفق في ما بينها على تقاسم الأسواق

ويعتبر هؤلاء أن “ما يحصل هو خرقٌ لكل قوانين الجمهوريّة اللبنانيّة، والسريان بقوانين الأمر الواقع والمافيات”.

في المقابل، ينفي رئيس بلديّة عين دارة فؤاد هيدموس وجود أي نيّة لدى البلديّة في حماية الكسّارات التي لوثت المياه الجوفيّة نتيجة التفجيرات التي تقوم بها، ويؤكّد أن وزارة الداخليّة والبلديّات لم تصدر قراراً بإغلاقها بعد، وتالياً لا يمكن للبلديّة أن تقوم بذلك باعتباره من مسؤوليّة القوى الأمنيّة.

ويتابع هيدموس: “معركتنا الأساسيّة اليوم هي ضدّ معمل الاسمنت المنوي إنشاؤه، وتالياً لن نذهب لخوض معركة على جبهتين، بل سنسعى إلى عدم إمرار مشروع المعمل، ومن ثمّ نتفرّع لمشكلة الكسّارات غير القانونيّة”. وينفي هيدموس “وجود مسلّحين تابعين لأصحاب الكسّارات”، مؤكّداً أن “عنصرين تابعان لشرطة البلديّة يتكفّلان مع مجموعة المعتصمين بإغلاق الطريق ومراقبتها”.

لا يشكّك البيئيون بنيات البلدية، لكن لديهم خشية من خدمة مصالح اقتصاديّة متضرّرة من إنشاء معمل الاسمنت في عين دارة الذي سيؤثّر حكماً على عائدات معمل سبلين، من دون السعي إلى القضاء على الكسّارات التي شوّهت ولوّثت بيئة المنطقة منذ عقود، وأضرّت بصحة القاطنين بجوارها، والعمل على تكريس وجودها وتشريعه. فعملياً، يُنتج الاسمنت في لبنان في ثلاثة معامل: السبع، هولسيم وسبلين، وهناك توافق ضمني بين هذه المعامل لتقاسم الإنتاج وأسواق تصريفه المحلي والخارجي. وبحسب متابعين، ليس هناك من نيّة لزيادة عدد المستفيدين من هذه السوق، تكريساً لمبدأ الاحتكار، وحفاظاً على أرباح صناعة الاسمنت، بعيداً من أي منافسة، وخصوصاً أنه يُباع محلياً بضعف سعره المُصدّر إلى الخارج.

بالنسبة إلى هؤلاء، الفضيحة كبيرة، إذ ليس هناك نيّة حقيقيّة لحلّ مشكلة الكسّارات أو معامل الموت في كلّ الحكومات المتعاقبة، وخصوصاً أن هذا الموضوع يخضع للمحاصصة الطائفيّة والسياسيّة. لكنّهم مصرّون على مطالبة “وزير الداخليّة بالإيعاز بإغلاق الكسّارات بناءً على كتاب وزارة البيئة، وهو القرار المنتظر منذ سنين، ومطالبة البلديّة بممارسة صلاحياتها كضابطة عدليّة وتسطير المخالفات وإغلاق هذه الكسّارات بدلاً من التعاون مع أصحابها”.