IMLebanon

النفايات إلى ضهر البيدر والتويتة: بعد الكسارات… مزابل في الجبال

للمرة الاولى منذ بداية أزمة النفايات، يخرج أعضاء في اللجنة الوزارية جازمين بأن الحل بات قريباً جداً. لكن الحل المقترح ما زال بحاجة إلى بعض الخطوات قبل إنضاجه، كالاتفاق مع أصحاب كسارات على طمر النفايات حيث نهشوا الجبال

على ذمة مصادر في اللجنة الوزارية المكلفة بإدارة ملف النفايات، فإن الأزمة باتت في طريقها إلى الحل. وربما يبصر هذا الحل النور خلال 48 ساعة، ليبدأ نقل النفايات من بيروت والضواحي وجبل لبنان، إلى عدد من الكسارات، في أعالي الجبال. ووقع الخيار في جلسة اللجنة أمس على كسارات ضهر البيدر، وعلى كسارات في منطقة التويتة الواقعة بين بلدات جديتا وتعلبانا وسعدنايل وحزرتا وكفرسلوان. وإذا ما جرى الاتفاق على هذا «المخرج»، فإن عملية نقل النفايات إليها ستتم خلال ساعات، بعد اجتماع اللجنة الوزارية مجدداً بعد ظهر اليوم.

قبل اجتماع اللجنة وبعده، يجهد تيار المستقبل للخروج من أزمته الشعبية التي أوقع نفسه فيها، مع شريكه وليد جنبلاط. التيار يواجه غضبة من مناصريه، في إقليم الخروب، وعكار، وبيروت. تحريضه على أبناء المناطق تحت عنوان «التضامن مع بيروت» لم ينفع، فلم يجد بداً من سياسته التي يمارسها منذ 10 سنوات، أي التحريض على حزب الله. لم يحدث أي إشكال يمكن التيار أن يستغله لإخفاء كارثة النفايات التي وقعت فيها البلاد نتيجة فساد حكمه وجنبلاط وشركائهم، فوجد ضالته في الاحتكاك الذي وقع أمس بين الوزير رشيد درباس ومتظاهرين من حملة «طلعت ريحتكم» ومن اتحاد الشباب الديمقراطي في شارع سبيرس في بيروت. درباس سارع إلى الادّعاء على الشاب طارق الملاح، مهدّداً بأنه سيأخذ حقه بنفسه إذا لم يتحرك القضاء.

والقضاء كان سريع الاستجابة، إذ أمر المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود بسوق الملاح إلى التحقيق. فرع المعلومات نفّذ عملية ربما تكون الأسرع في تاريخه، وأوقف «المجرم الخطير». أمر المدعي العام المحققين بأن يستجوبوا الملاح، وأن يفيدوه بنتيجة التحقيق صباح اليوم. وهذا الإجراء يعني حجز الملاح خلف القضبان طوال الليل، من دون أي اعتبار لقدسية حق المواطنين بالحرية، الذي كفله الدستور الذي يسمو على القوانين وعلى قرارات أي قاضٍ مهما علا شأنه. وفي موازاة سرعة الاجراءات القضائية والأمنية، خرجت بيانات من شخصيات شمالية، وضعت رمي النفايات على سيارة وزير في حكومة مسؤولة عن إغراق اللبنانيين في النفايات، في خانة استهداف مدينة طرابلس، أو في إطار «فتنوي» يدرك اللبنانيون بلا أي تفسير مقاصد الحديث عنه. وما كادت وتيرة حفلة البيانات تنخفض، حتى خرج تلفزيون تيار المستقبل بخبر «عاجل» قال فيه إن «المجموعة التي اعتدت على الوزير درباس تابعة لسرايا المقاومة، وهي نفسها التي قصدت منزل الرئيس فؤاد السنيورة في بلس وأطلقت الشتائم». هذه الفكرة البائسة والمعدومة الذكاء يُراد منها التغطية على الشتائم التي طالت الرئيس سعد الحريري والنائبة بهية الحريري والامين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، والتي أطلقها مناصرو آل الحريري في إقليم الخروب والشمال وبيروت وغيرها من المناطق. بهذه الطريقة يدير تيار المستقبل البلاد. «رجال الدولة» في فريق آل الحريري زرعوا في مكب الناعمة وحصدوا ملياراته طوال 17 عاماً، فيما حصد اللبنانيون الزبالة في شوارعهم والضرر على صحتهم. وعلاج هذه الازمة يكون بكذبة يراد منها التغطية على المصيبة التي أنزلها الحريريون بالناس، والتي سيعالج آثارَها «رجال دولة» من «قماشة» درباس الذي لم يتوانَ أمس عن التهديد باستيفاء «حقه» بيده، فضلاً عن تشهيره بالملاح، لمجرد أن الاخير سبق أن ادّعى بأنه تعرّض لاعتداء في دار الأيتام قبل 12 عاماً. قال درباس إن الملاح «أراد من ظهوره السابق أن يقيم عرضاً، واليوم كذلك يريد الظهور». وأضاف «سأستمر في الدعوى. ما حصل مصوّر في شريط فيديو، والمعتدون معروفون، وإذا الدولة لم تأخذ حقّي فأنا أعلم كيف آخذه. أنا لست سهلاً ولن أسكت. لا يُرهبني أحد، والنفايات التي رشقني بها هؤلاء الناس أشرف منهم».

إزاء هذه الوقائع، نظّمت مجموعة من الناشطين والحقوقيين اعتصاماً أمام مقرّ فرع المعلومات في الأشرفية، للمطالبة بإطلاق سراح الملاح. وقال وكيله المحامي نزار صاغية إنه مُنع من مقابلة موكله. وتقرر تنظيم اعتصام ثان عند التاسعة من صباح اليوم أمام قصر العدل في بيروت. يُذكر أن الملاح سبق له أن فضح أنه تعرّض للاغتصاب في دار الأيتام الاسلامية، وادّعى أن حالات اغتصاب أخرى حصلت في الدار. وقد رفض درباس حينها ادّعاءات الملاح، معتبراً أنه تم تجنيده بهدف التجنّي وتشويه سمعة دار الأيتام الاسلامية والمؤسسات التابعة للطائفة السنية.

أداء درباس لا يختلف في عمقه عن أداء زميله وزير الزراعة أكرم شهيب. فالأخير، وقبل دخوله اجتماع اللجنة الوزارية في السراي أمس، هدّد اللبنانيين بأنه سيذهب إلى البيت ويترك النفايات في الشوارع. أراد ابتزاز التيار الوطني الحر، ورمي كرة اللهب في حضن العونيين. محاولة جديدة لحرف الأنظار أيضاً عن أن الشريك الاول لتيار الحريري في التسبب بكارثة الزبالة ليس سوى رئيس شهيّب، النائب وليد جنبلاط. طالبت اللجنة وزير التربية الياس بو صعب بتأمين مطامر للنفايات في منطقتي المتن وكسروان، لتتوزع النفايات عليها، مع المكب الذي اختاره جنبلاط وشهيّب في منطقة عين دارة. دخل بو صعب اجتماع اللجنة أمس، وأبلغ زملاءه أن منطقتي المتن وكسروان خاليتان من أي موقع يمكن استخدامه كمطمر للنفايات. قال لوزير البيئة إن المواقع التي عرضتها وزارته هي إما باتت تضم منازل لمواطنين، أو قريبة جداً من منازل، أو انها تعلو ينابيع رئيسية في المنطقتين. وبناءً على ذلك، تم التوافق في اللجنة على موقعين رئيسيين للطمر: كسارات ضهر البيدر، وكسارة كبيرة في التوَيتة (جنوبي بلدة حزّرتا البقاعية). وبحسب مصادر اللجنة، فإن هذه الكسارات حفرت في الجبال حتى وصل عمق بعض حفرها إلى نحو 120 متراً. وتؤكد المصادر أن الحكومة ستقدّم حوافز للمعترضين على تحول الكسارات إلى مزابل، «علماً بأنهم لم يعترضوا على وجود الكسارات. ونحن لا نختار مواقع بيئتها سليمة فيها ماء وخُضرة وسكان، بل مواقع نهشتها الكسارات». وجرى الحديث في اجتماع اللجنة عن إمكان تقديم عرض لآل فتوش لاستخدام كساراتهم في ضهر البيدر أيضاً، لطمر النفايات. وكل أصحاب الكسارات سيتلقون بدلاً مالياً يبلغ ما بين 6 و7 دولارات أميركية للطن الواحد من النفايات. جنت هذه الفئة ما جنته من تشويه البيئة سابقاً، وستقبض اليوم ثمن تحويل أعالي الجبال إلى مزابل. ويقول أعضاء اللجنة إن المطامر الجديدة ستكون مؤقتة، إلى حين الانتهاء من المناقصات. وفي البحث عن كبار المستفيدين من الإدارة الجديدة لملف النفايات، بات واضحاً لأعضاء اللجنة الوزارية وجود توافق «أوّلي» بين الحريري وجنبلاط على إبعاد ميسرة سكر (صاحب الشركة المالكة لسوكلين) مستقبلاً، مع الاستعانة بشركته خلال الفترة الانتقالية لنقل النفايات إلى المطامر الجديدة. أما سُكّر فيصرّ ــ بحسب عارفيه ــ على أن تشمل حصة عمل شركته مناطق بيروت والضواحي وجبل لبنان مجتمعة، حيث الربح الوفير، وإلا فلا طائل من «الفتات» الذي تنتجه كل منطقة على حدة.