IMLebanon

هكذا نضج الحل بالتخلص من السلبيات واستدراج الجميع الى الايجابيات

 

هكذا نضج الحل بالتخلص من السلبيات واستدراج الجميع الى الايجابيات

وقائع متضاربة بين بكركي والديمان والقصر الجمهوري

وظروف المصالحة تصطدم بالعقد السياسية والمارونية أولاً !

مرَّ الأول من آب، وكأنَّ ليس في لبنان عيد للجيش، قصة العيد قصة حزينة، مثل قصة الاستقلال الحزينة، منذ رحيل الرئيس فؤاد شهاب عن وطن أراده بلداً برز فيه زعماء، وندر فيه القادة.

اختار فؤاد شهاب العزوف عن الترشح مجدداً، للرئاسة، واختار شارل حلو على الأمراء الشهابيين لخلافته. كما اختار كميل شمعون قبله الاتفاق مع كمال جنبلاط على خلافة بشارة الخوري، واختار الأمير الشهابي شاباً آتياً من العلم والذكاء، ليكمل الياس سركيس ما عجزت المدرسة الشهابية عن متابعته.

وفي تاريخ لبنان، مرّ ايضا رجال كبار، لم يستطعوا تحقيق ما صمم فؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجيه والياس سركيس على صناعته، ذلك ان صناعة الأوطان لا تأتي بالصدفة بل بالموهبة.

بعد مرور قرابة القرن من السنوات، احتفل لبنان بمئوية لبنان الكبير.

هل ما حققه البطريرك الياس الحويك ب تكبير لبنان كان غلطة تاريخية، لأن التصغير افضل من التكبير؟ أم لأن الحق على الفرنسيين، لأنه كان في نية البطريرك ضم وادي النصارى في سوريا الى لبنان، لأن اضافة المسيحيين الارثوذكس الى لبنان الكبير كان يجعله في منأى عن الهواجس الطائفية.

في عيد الجيش كادت السلطة القائمة ان تتهاوى وتزول على ايام حكومة تمام سلام، في ظل معارضة يقودها الرئيس العماد ميشال عون، وسط مناوأة يقودها الرئيس سعد الحريري.

قصة لبنان منذ رحيل الرئيس بشير الجميل مأسوية، وكأن قدره أن يعيش في ظلال الاحلام، وكأن قصته تتكرر مع الزعماء الاربعة الكبار من القادة الموارنة. في حين ان اتفاق الطائف كان قرار النواب الموارنة، الذي ينفذه السوريون ولا استطاع اللبنانيون تنفيذه بأمانة، ووفق الاصول.

وخلال وجود الرؤساء الكبار، من الرئيس امين الجميل الى القادة العسكريين للجيش مثل العماد اميل لحود والعماد ميشال سليمان، لم يستطع احد منهم ملء الفراغ في الموقع الرئاسي الاول. وها هو العماد عون يختلف أو يتفق مع الزعماء الكبار من الطوائف الشيعية والسنية على حال السوريين من دون تكريسه.

وخلال خمسين عاماً، حاول البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، أن يرمم ما عجز البطريرك الحويك عن ترميمه. لكن المقر البابوي في روما عجز عن الاتيان ب معجزة حل تغطي ما عجز التاريخ عن تحقيقه، لأن دخول السوريين الى لبنان، واثناء حكم الرئيس الياس الهراوي، أول رئيس للجمهورية، بعد اغتيال رئيس جمهورية الطائف رينه معوض، ترك شروخاً عميقة في البنية السياسية.

يومئذٍ، طلب الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير من السفير البابوي بابلو بوانتي المجيء الى بكركي، ليحدث المطارنة عن المساعي التوفيقية التي يقوم بها القاصد الرسولي من اجل الوحدة الصعبة بين الرئيس الهراوي والدكتور سمير جعجع والعماد عون لتحقيق المصالحة المسيحية. وقيل يومئذٍ انها قطعت اشواطا بعيدة على الرغم من الخروقات في ظل المعابر المقفلة.

وتردد في ذلك الوقت ان هناك خمسة عوائق تعترض تلك الخطة وهي:

١- وقف اطلاق النار.

٢- فتح المدارس.

٣- وقف الحملات الاعلامية.

٤- اطلاق سراح الأسرى.

٥- وقف تحركات الجيوش والبدء بمفاوضات سياسية للعمل على اتفاق شامل بين جميع الفئات اللبنانية من مسلمين ومسيحيين تنبثق منه حكومة اتفاق وطني. وهذا الحل لن يستثني احدا، لا عون ولا جعجع ولا سواهما، والمخيف الهجرة، لا خوفاً من الاقتتال بل لفقدان الامل، ومهمة الكنيسة ان تعطي الامل ولا سيما ان ٨٠% من الشعب اصبح في حاجة الى مساعدة انسانية تمكنه من العيش، والقيام بنفقات التعليم في المدارس الكاثوليكية.

ورداً على سؤال اجاب السفير: باستطاعة الكنيسة ان تعمل كثيرا، لكن هناك انفصالا بين الكنيسة والشعب، وهذا يجب ان يزول، وذلك بسبب مواقف سياسية. وكنا قد علمنا ان بعضا من المطارنة يقول بلسان الشعب، وكأنه يتبنى ما يقوله الشعب، ان البطريرك اخذ مواقف لا يرضى عنها الشعب، فماذا ينتظر ليستقيل وكأن التشديد على الانفصام بين فئة من الشعب يراد منه تحميلنا المسؤولية، لذلك رأينا ان من واجبنا ان نعلن امام الله والضمير وممثل الكرسي الرسولي واعضاء المجمع البطريركي، اننا اذا كنا عائقاً في وجه تفاهم المسيحيين في ما بينهم اولا، وبينهم وبين الكنيسة على ما يعتقد بعضهم، فاننا نستقيل. هذا ما قلناه. لكن السفير واغلبية المطارنة قالوا: لا، لا حاجة الى مثل هذا الاعتقاد. وقال السفير: ارجو الا يتسرب الى الخارج ما قاله غطبته. وفيما كنت ارافقه وهو خارج قال: لا تفكر بالاستقالة. انك تقول ما لا يجرؤ على قوله سواك.

وفي ٢٢ حزيران ١٩٩٠، عقد لقاء ضم الكاردينال صفير والرئيس الياس الهراوي والسفير الفاتيكاني بابلو بوانتي.

ويروي الكارينال وقائعه على الشكل الآتي:

وصل السفير الى بكركي واطلعنا على الخطة التي اعدها بالاتفاق مع الفاتيكان، وهي تلحظ ما يلي: يعاد تأليف الحكومة ويكون فيها ٦ وزراء دولة، ثلاثة مسيحيون وثلاثة مسلمون من بينهم العماد ميشال عون فيكون وزير دولة ونائب رئيس مجلس الوزراء بالاضافة الى نائب الرئيس الارثوذكسي، وكذلك يكون وليد جنبلاط ونبيه بري وزيري دولة، والباقون يصير الاتفاق عليهم فتكون الوزارة موسعة، ولو وصلت الى ثمانية وعشرين وزيراً، وان يعاد النظر في مراسيم الاصلاحات التي تقررت في الطائف ويترك العماد بعبدا واليرزة.

وركبنا معا سيارة الوزير السابق جورج افرام، التي استعارها السفير لأنها مصفحة، ومشت وراءنا سيارة السفير العادية، وفيها الى جانب سائقنا شماسنا جورج، وشق لنا الطريق حتى بناية فتال على مرفأ بيروت المطران خليل ابي نادر. وسرنا على الطريق القديمة المحاذية للبحر في الزوق ومحلة نهر الكلب، وشاهدنا البنايات وآثار الدخان والتدمير بادية فيها، واما محلة الفنادق والاسواق فالخراب فيها لا مثيل له. في العاشرة وصلنا الى مقر الرئيس الياس الهراوي بعد ان قطعنا عدة حواجز يرافقنا حارس من شرطة الجيش ابتداء من المرفأ. الرئيس الذي كان يشغل بناء من سبع طبقات ملك رفيق الحريري الذي وضعه في تصرفه، كان على المدخل ثلة من الجيش اخذت التحية. صعدنا في المصعد. ودخلنا فوجدنا الرئيس داخل غرفة الاستقبال يرحب بنا والتقط المصورون الصور. وبعد تبادل عبارات الترحيب عرض السفير البابوي خطته فأجابه الرئيس بفرنسية مقبولة انه سيبحث الامر وسيجيب عليه، ولكنه رأى بعض الصعوبة في أن يقبل المسلمون بعون وزيراً، خصوصاً نائب رئيس مجلس الوزراء، ووعد بمراجعة الرئيس الاسد الذي سيذهب لزيارته.

محضر لقاء ثنائي

في ١٤ تموز ١٩٩٠، وعند الساعة الثامنة صباحاً، وصل الرئيس الهراوي الى الديمان. وقال جندي لبناني ان فخمته آتٍ لزيارتكم. وبعد ذلك حطت طائرة مروحية هي الوحيدة الباقية للجيش اللبناني، يرافقه السفير سهيل شماس الامين العام لوزارة الخارجية. وبعد استراحة قصيرة اختلينا به لمدة ساعة ودار الحديث كما يقول الكاردينال صفير على المواضيع الآتية:

١- بيان الحكومة بدعوة العماد عون والدكتور جعجع الى الالتحاق بالشرعية، واعلان بيروت الادارية، ودعم فرنسا والولايات المتحدة والدول الغربية لذلك البيان.

٢- اذا قبل عون بوزارة، يكون قد انهى الوضع المأسوي في الشرقية، ويكون قد انتهى في الوقت عينه.

٣- دعانا الرئيس الهراوي لزيارة زحلة حيث نحتفل بقداس في كنيسة مار الياس في المعلقة، والى تناول طعام الغداء في بارك اوتيل، كما دعا السفراء والاعيان، وربما يأتي عبد الحليم خدام، وسيكون لنا، على ما قال، استقبال حافل. واقترح يوم الاحد ٢٢ تموز الحالي موعدا لذلك.، فقلنا له انا نشكر لفخامتكم الدعوة ونفضل الا يكون هناك مأدبة، لئلا يكون هناك انتقاد، الناس في حالة مأسوية وبعضهم من يشكون الجوع، فقال القصة تكريم البطريرك وكيف نكرمه من دون مأدبة كبيرة؟ وعلى كل اذا اردتم تخفيف الدعوة وخفض عدد المدعوين، فنعمل بارادتكم. واقترحنا ٢٩ تموز موعداً لذلك، ليكون هناك متسع من الوقت لاعداد الاحتفال وربما يكون المطران اسكندر عاد من السفر. وسيكلف المحافظ سيمون كرم اعداد برنامج الزيارة بالتفصيل.

٤- روى لنا ظروف مصالحته الحص ووليد جنبلاط، مفضلاً ان يقوم بنفسه بهذه المصالحة، على الا تتم على يد السوريين في دمشق فيفقد هيبته، لذلك زار الحص، على الرغم مما وجه اليه من انتقاد.

٥- سيعمل على تغيير الحكومة، واذا اصر الرئيس فرنجيه على عدم التعاون مع سمير جعجع، سيطلب من الرئيس الاسد ان يضغط عليه ليقبل بالتعاون لأن مصلحة البلاد تقضي بذلك.

٦- روى الرئيس الهراوي للبطريرك صفير كيف ان النواب زاروا العماد عون قبل التوجه الى الطائف، وراح كل منهم يمتدحه: ادوار حنين، وألبير منصور، وسواهما وكان هو اول من رفع صوته ليقول له: اشكر احد ابناء الشيعة في منطقة بعلبك، لأنه قال: نشكر العماد عون لأنه لن يبقي على مسيحي في منطقته.

٧- بعد الديمان ذهب الرئيس الهراوي بالسيارة الى اهدن حيث زار الرئيس فرنجيه، وكانت الطوافة قد سبقته اليها، وقال: لأسباب امنية نحاول ان نضلل. قلنا سنزوركم. وسأل عما اذا كان الرئيس فرنجيه: زارنا، فأجبنا: لا بعد. قال لن اقول له شيئاً. قلنا: حسنا تفعلون.

٨- شكا الكاردينال صفير بمرارة من موقف سفير لبنان لدى الفاتيكان الذي ذبحنا ذبحاً على ما قال فخامته، وهو غازي الشدياق. ثم نهض فرافقناه حتى باب قاعة الاستقبال الكبرى وفي الطريق همس في اذني قائلاً: في وعظة الغد الاحد ارجو ان تشددوا على تأييد البيان الذي اصدرته الحكومة، بغية تطبيع الوضع، فوعدناه خيراً. وشيعه حتى المدخل الخارجي المطران ابو صابر والكهنة.

الابراهيمي في الديمان

ووصل الديمان الموفد العربي الاخضر الابراهيمي، وبعد فترة راحة قصيرة في القاعة الكبرى، يقول الكاردينال صفير انه انتقل معه الى الشرفة قبالة غابة الارز ودار الحديث حول المواضيع الآتية:

١- سألنا رأينا في الحالة، فشكرنا له ما يبذله من جهود وقلنا له نعتقد ان بيان الحكومة قد نال موافقة الاطراف المعنية، ونرجو ان يتجسد، فقال: الاطراف الخارجية مثل اللجنة الثلاثية وسوريا نعم، اما الطراف الداخلية، فقد صار تبادل افكار مع القوات وليس مع عون، لأن الاتصال به كان مقطوعاً. وتابع الحديث قائلاً:

٢- موقف فرنسا اصبح واضحاً وقد اعرب عنه وزير خارجيتها، واعلنه السفير الفرنسي في بيروت وارجو أن تقرأوه.

٣- موقف الفاتيكان تبدّل. قابلنا البابا مع الأمير فيصل فرحب بنا، كانت المقابلة حارة غير المقابلة السابقة، ولم ندخل في التفاصيل، وطلب منا الاستمرار في العمل، وقال: عدت بعد الظهر وقابلت كازارولي، وسودانو وغاتي ولم يتحدثوا عن الطائف، بل كل همهم، انحصر في منع الهجرة، وطلبوا منا مواصلة العمل، وأن نبقى معهم على اتصال. وقلنا للسوريين وانا مَنْ قلت للأسد، قال الابراهيمي لمَ لا تعينون سفيراً لكم لدى الفاتيكان ولديكم مسيحيون في سوريا، وللفاتيكان سفير لديكم؟ وقال الابراهيمي: يبدو انه سفير طاعن في السن لا يتابع بفاعلية الشؤون اللبنانية، ولا يمكن معالجة الشأن اللبناني مع سفير سوريا بالهاتف وهو موجود في باريس.

٤- والطائف تسوية لا ترضي أحداً. وكل لبناني بامكانه ان يعمل اتفاقا احسن من الطائف بكثير، ولكن المطلوب وضع اتفاق يوافق عليه كل اللبنانيين.

٥- الصندوق المالي لاقى ترحيباً لدى الفاتيكان وقد بدأ يحض الدول الغربية على المشاركة فيه.

ويتابع صفير روايته وانه قال للابراهيمي ان المطلوب تشكيل حكومة يدخل اليها ممثلون عن جميع الأطراف. وسأل عن موقف الرئيس فرنجيه الذي كان سابقا أظهر معارضته لدخول جعجع في الحكومة. فقلنا له: ان للرجل من الحسّ الوطني ما يحمله على التضحية في سبيل انقاذ الوطن.

٦ – وعن مقابلته مع عون قال: كان لطيفاً، هادئاً، لكننا بقينا في العموميات. وسأل عما اذا كنّا على اتصال به فقلنا له: نتصل بين الوقت والوقت بواسطة نائبنا العام. فتمنى ان يذهب اليه ويسمعه ما سمعه من السفير الفرنسي ومن جهات مختلفة، ليقبل بالتسوية. وتطرق الحديث الى ما تعرّض له قصر بعبدا من رصاص آت من الضاحية، فقال: لم يعرف السبب وكانت الرماية عليه فلم تسقط على القصر. وتبدو انها رسالة – على ما قيل – وهذا لم يقله هو – من السوريين.

٧ – هناك موعدان حاسمان ٨ ايلول موعد اجتماع لجنة الصندوق المالي، وموعد القمة العربية في القاهرة، نرجو ان تحضره سوريا والعراق وسيصير البحث جديا في القضية اللبنانية.

٨- الآن مطلوب تسوية ورفع الاحتلال، وأضاف صفير: وبعد ذلك يصار الى تأسيس جمهورية رابعة، وبإمكان عون ان يكون ديغول، اذ أراد، ويعمل في الحقل السياسي ما شاء، وليوحّد الجيش بقيادة لحود وهو صديقه، واذا انسحبت القوات فلمصلحة الجيش الوطني وليس لمصلحة جيش عون الذي يكون قد اندمج بالجيش الواحد. دامت المقابلة حوالى الساعة ونصف الساعة.

ويقول البطريرك صفير ان السفير كرم زاره موفدا من الرئيس الهراوي ودعاه الى زيارة زحلة، وأجابه بأنه يريد ان يفعل ذلك، بعد زيارته لبلدة دير الأحمر ثم ينتقل صباح الأحد الواقع فيه ١٩ آب الى زحلة.

مفاجأة: الموفد البطريركي

زار النائب البطريركي أبو جوده العماد عون، وأبلغ الكاردينال صفير ان العماد عون لا يزال على موقفه من الطائف، وفي نظره: الطائف يفضي الى أسلمة لبنان، وخير ان تبقى الحالة على ما هي، ولو زال لبنان، ما دام سيزول في الحالتين في زعمه. ويعتبر الأخضر الابراهيمي رجلاً غير صادق، يظهر تودداً، ويضمر للبنان والمسيحيين غير ما يظهر. هذا في زعم العماد.

ويروي صفير ان الرئيس فرنجيه عاتب عليه لأن مراجع دينية كانت تقول ان الكاردينال لم يقم بأي محاولة لردع القوات عن مهاجمة عون.

ويتابع:

١ – يقولون اننا نضع الجيش والقوات في مستوى واحد. الجواب هو انه عندما يتصرف الجيش كالقوات ويرتكب ما ترتكبه القوات من شواذات، فلا يعود هناك مجال للتفرقة، على كلٍ، أنّا غالباً ما فرقنا.

٢ – الدكتور منير رحمه الذي أبدى استياءه لأننا لم نهنئه بانتخابه نقيباً للأطباء، وقد انتقل الى زغرتا لما بينه وبين القوات من خلاف حاد، يغذي مشاعر الرئيس فرنجيه ضدنا بقوله له انّا لم ننظم دوائر بكركي، على الرغم من انه، على ما يقول، وهو قول غير صحيح، صرّح لنا انه يضع ذاته مع مجموعة من الشباب في تصرف بكركي.

٣ – يبدو ان الخلاف قائم في عائلة الرئيس فرنجيه على المواقف: ابنه روبير مع العماد عون وضد ابن شقيقه سليمان طوني فرنجيه، وهذا الأخير يتفاهم مع السوريين، ويتقرّب من بكركي والديمان، ولكنه لا يريد ان يغضب جدّه.

٤ – تأخذ علينا أوساط فرنجيه انّا لم ندع الى اجتماع مسيحي أو وطني في الديمان، كأن جميع الناس باستطاعتهم ان يأتوا الى حيث يرغبون.

عاد الكاردينال صفير الى الصرح البطريركي في بكركي، واستقبل الرئيس شارل حلو العائد الى لبنان، ويروي الكاردينال انه التقاه للمرة الأولى، بعد عودته من باريس، حيث أجريت له عملية جراحية، واعتذر عن عدم الذهاب الى الديمان، لبعد المسافة، ولأنه اعتذر عن عدم تلبية الرئيس فرنجيه لقضاء أسبوع في ضيافته، لانه اذا ما زار فرنجيه، فانه يضطر الى زيارة العماد عون.

ودار حديث عن الوضع الراهن في لبنان، واجتياح العراق والكويت، وانعكاس هذا الاجتياح على لبنان.

وفي ١٩ آب ١٩٩٠ استقبل الوزير جوزيف الهاشم الذي مرّ بنا بعد أيام من زيارته للرئيس سليمان فرنجيه، في اهدن، وعاتبه لكونه لم يزرنا في الديمان. وفهم من الحديث ان الرئيس فرنجيه عاتب لأننا لم ندرج اسمه بين المرشحين الخمسة لرئاسة الجمهورية.

ويروي صفير ان النائب أوغست باخوس زاره وحدثه عن مقابلته للرئيس حافظ الأسد مع تجمع الموارنة المستقلين، وقال لهم انه يحترم استقلال لبنان، ويريد ان يتعاون مع حكامه. وقال لهم: سليمان فرنجيه يحصل منّا على كل ما يريد، لأنه في حربنا مع اسرائيل، فتح لنا الطريق على لبنان لنتزود وقوداً ومواد غذائية، مطلبنا من لبنان تعاون باخلاص. وقال نحن نرضى بتحكيم البطريرك الماروني.

ويورد الكاردينال صفير، ان النائب فيليب الخازن زاره مع رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي جورج جبر، وحثّ على تفعيل اجتماع المطارنة الموارنة.

ويقول صفير ان تسعة مطارنة حضروا، واستمعنا الى نتيجة الأبحاث التي أجراها السادة المطارنة مع قادة الجيش السابقين.

وقد قابل المطران حرب ابراهيم طنوس، فأجابه انه سيتشاور مع زملائه وسيجيب هذا المساء أو في اليوم الثاني، وقابل المطران أبو جودة اميل البستاني وأجابه انه يرى ان يؤلف وفدٌ من المطارنة لزيارة العماد عون من دون علمانيين، أو ان يعقد اجتماع وطني كبير ابتداء باجتماع مسيحيين واجتماع مسلمين، وان يكون الاجتماع الكبير باشراف مندوب عن الفاتيكان لتقرير المصير، ولا يرى فائدة من ان يكون مع وفد المطارنة قائد سابق لزيارة العماد عون. وقابل المطران الراعي القائد السابق فكتور خوري فقال: لا فائدة من مرافقة قواد الجيش السابقين المطارنة الى بعبدا، واذا تابع المطارنة زيارات عون لا بد من أن ينتهي بالاقتناع بالذهاب لخير الوطن. وحضر الاجتماع السفير البابوي بوانتي، وقال المطران اسكندر، بعد مقابلته مجدداً رئيس الجمهورية انه لا يزال عند وعده بأن يفسح مجالاً للعماد عون في ان يكون له مقعد وزاري اذا تخلّى عن بعبدا واليرزة.

إلاّ ان الأمور تعقّدت، وجرى اقرار الاصلاحات المعتمدة في اتفاق الطائف، في جلسة نيابية حضرها ٥٢ نائبا، وأقرّت الاصلاحات بسبعة وأربعين صوتاً، ووصف رئيس الحكومة سليم الحص الجلسة ب التاريخية مع وعد بتعيين نواب جدد.

وجرى لقاء بين صفير والأخضر بلعيد موفد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في ٣١ آب ١٩٩٠.

كان موقف الجزائر كما قال صفير سلبياً من اجتياح العراق للكويت، لا بل انها كانت ضد الاجتياح وإلاّ لن يبقى بلد باستطاعته ان يحافظ على حدوده. تلوم الجزائر السعودية لانها استدعت الجيش الأميركي الى السعودية، قبل ان تحاول ان تستدعي العرب ولو كانت المحاولة غير جدية لمحاولة حلّ القضية فتكون لذلك قد بررت استدعاء الأميركان. أما ان يطلب من العرب تغطية مجيء الأميركان بعد مجيئهم، فهذا غير معقول. الأميركان يخشون قيام أوروبا الموحّدة فعملوا على السيطرة على مصادر النفط، وسيبقون فيها، من دون ان يشعلوا نار الحرب وربما تعاونوا مع اسرائيل لتدمير البنية العسكرية والاقتصادية للعراق. الولايات المتحدة هي التي دفعت الكويت الى زيادة انتاج البترول وتخفيض سعره، ما أوقع ضرراً بالعراق فاندفع يجتاح الكويت.

الجزائر لا تزال تهتم بلبنان من خلال اللجنة العربية الثلاثية، وهي تتمنى ان يستعيد لبنان حالته الطبيعية من دون سفك دماء لدى ازاحة العماد ميشال عون.

يرى السفير تشكيل حكومة تكنوقراط ووزراء دولة هم رؤساء الميليشيات ليكون الجميع داخلها.

في مجرى الحديث نقل الينا صفير ان الرئيس الهراوي عاتب، لكوننا لم نلب الدعوة التي وجهها الينا لنزوره في زحلة. وكان قد دعا اليها عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري، وأعلن الكهنة عنها في الرعايا، فقلنا له ان بعضاً من المسيحيين وخاصة أنصار عون بدأوا ينشرون في الصحف ان الزيارة هي لتغطية العمل العسكري الذي سيقوم به الهراوي ضد عون، ولا نريد ان نكون تغطية لأي عمل عسكري ولا تغطية لأحد.

وحضر من الخارج النائب السابق الدكتور مانويل يونس، وقال صفير انه كان في الولايات المتحدة وقابل الكردينال Lara والسفير البابوي Pio laghi وعرف من بعض المسؤولين ان الأميركان عازمون على تغيير سياستهم في لبنان لانقاذه نزولاً عند رغبة البابا يوحنا بولس الثاني.

يوم الأحد في الأول من شهر أيلول ١٩٩٠ وصل السفير الفرنسي رينه ألا الى بكركي لحضور القداس، هو والرئيس شارل حلو. وقال البطريرك: لقد وجهنا الى كل منهما، كلمة، وبعد القداس صعدنا الى قاعة الاستقبال وتبادلنا مع السفير الحديث بعد ذهاب الرئيس حلو، بصوت خافض، في حضرة من بعض الناس، وخلاصة الحديث: ان لبنان في خطر الزوال ان لم يتداركه المسيحيون أولاً ثم اللبنانيون. يجب ان يكون هناك مصالحة وطنية شاملة لتقوم الدولة، ولكي تأتي المساعدات المادية من الخارج.

والحل العسكري ليس حلاً لانه يؤدي الى خراب البلاد، والرئيس سليم الحص والقائد اميل لحود هما من هذا الرأي وحتى الرئيس الهراوي، غير ان بعض الوزراء المسيحيين يريدون الحل العسكري.

اذا كان في الامكان ادخال العماد عون في الحل السياسي لانقاذ ماء الوجه ومن يمثّل من الشعب، فيكون ذلك أبقى وأفضل.

وكما هي، الحالة الآن، كان الزعماء الموارنة الكبار مع وحدة رجالات الطائفة، لكن القادة الثانويين وقفوا الى جانب الحل العسكري ضد عون.

ويقول صفير: طلب منّا العمل على مصالحة الموارنة ثم مصالحة اللبنانيين بما لنا لديهم، على حسب قوله، من رصيد، ولا سيما ان الحالة المأسوية لم تعد تحتمل الانتظار.

في ما خص الخليج فهو يرى مثل حكومته العمل على احترام الحق الدولي وإلاّ أكل الأكبر الأصغر، ولو طبّقت قرارات مجلس الأمن التي اتخذت لمصلحة لبنان والقضية الفلسطينية لما تجرّأ العراق على اجتياح الكويت.

استأذن كل من المطران حرب والمطران اسكندر منهما بالسفر، الأول الى المانيا وفرنسا وروما، والثاني الى روما لمتابعة رياضة الكهنة في الفاتيكان، والاول لحضور مؤتمر كهنوتي.

وسألنا السفير البابوي معلوماتنا عن انطوان جمعة المنوي تعيينه سفيرا في الفاتيكان مكان سمير مبارك الذي تعثّر تعيينه لأنه متزوج ومطلق مدنياً ولا يريد الفاتيكان ان يكون ذلك سابقة.

وجاء السفير السوفياتي ايغور ايفاتشنكو مع أحد معاونيه، وكلاهما يتكلم العربية، وقد أمضى في لبنان سنتين، ونقل الينا تحية السفير السابق الذي قال لنا انه حضر قمة هلسنكي بوصفه مديراً لقضايا الشرق الأوسط. وأبدى ايفاتشنكو تقديره لدور البطريركية. وأبنا له دور لبنان وخصائصه وفوائد العيش المشترك الاسلامي – المسيحي. وأبدينا خشية من تقسيم البلد، فأجاب ان بلاده هي ضد هذا التوجه، وان الأميركان الذين كانوا يرفضون اشراك الاتحاد السوفياتي في حلّ مشكلة الشرق الأوسط، قبلوا أخيراً بذلك.

في ١٤ أيلول ١٩٩٠ التقى البطريرك صفير السفير البابوي، وقال في كتابه حارس الذاكرة انه طلب منه المستشار الأول في السفارة الايطالية السيد باتوشي الذي قال لنا ان صداقة تربط لبنان برئيس الوزراء الايطالي السيد جوليو أندريوتي، وشدد على بعث رسالة نطلب فيها مساعدة للمدارس الكاثوليكية التي تعاني من ضائقة مالية شديدة، فقلنا له نكتب اليه لنطلب منه ادراج لبنان على لائحة البلدان المتضررة من حرب الخليج وبلاده ترأس المجموعة الأوروبية، وذلك حفظاً لماء الوجه.

ويقول صفير انه استقبل المطران أبي نادر الذي نقل عن الابراهيمي الذي زاره وأكد له ان لبنان سيتلقى مساعدات من الدول الأوروبية اذا ما اعتمد حلاً سياسياً لا يتوافر إلاّ برحيل العماد عون عن بعبدا.

أراد السفير البابوي بابلو بوانتي ان يأتي الى بكركي، بعد ذهاب الاعلاميين واخبرنا بما يشعر به من قلق لما بلغه ان حكومة الرئيس الحص ستتخذ اجراءات لتطويق العماد عون.

ومنها فرض حصار على منطقته، بحيث يسمح لمن يريد ان يغادرها بمغادرتها ولكن لن يسمح له بالعودة اليها. ويقول السفير ان هذا التدبير سيثير مشاعر النقمة على الرئيس الهراوي، ولن تقبل به الدول والأميركان ايضاً وربما ذلك سيؤدي الى اجبار الهراوي على استقالته، والاميركان لن يتمسكوا به، واذا استقال قد ينتخب خلف له يكون آلة بيد السوريين، وقد لا ينتخب احد، فيبقى الحكم بيد الحص، وهذا خطير ويجب تنبيه الهراوي الى هذا الخطر فقلنا له: غداً صهره فارس بويز سيزورنا وسنقول له ان يقابلكم، فارتاح لهذا الامر خاصة انه لا يريد ان يلفت النظر بقيامه بزيارة الرئيس الهراوي.