IMLebanon

اليوم الدموي الطويل : 5 شهداء و28 جريحاً

اليوم الدموي الطويل : 5 شهداء و28 جريحاً

سيطرة الجيش على الوضع احبطت خطة «داعش»

هل تضع احداث امس الخصوم في خندق واحد؟

ليلاً، انكشفت خطة البرابرة: اجتياح القاع من خلال منطقة مشاريع القاع التي اظهرت التطورات، ومنذ فجر الامس وحتى الليل، انها بؤرة لانتاج الانتحاريين، حتى اذا ما تم وضع اليد على البلدة، باشر مسلحو «داعش» في الجرود بتنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية ضد مواقع الجيش الذي يصبح بين نارين.

المنطقة عاشت ليلاً ذروة القلق بعد مسلسل التفجيرات التي فاجأت الجميع، وكان واضحاً ان ما يحدث انما هو جزء من خطة كبيرة جداً، وخطيرة جداً، في حين كان الجيش والقوى الامنية على اختلافها في حال استنفار قصوى.

وسارع رئىس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى القول «ان المستهدف الاساسي هو الجيش اللبناني في القاع وبلدة القاع»، مشيراً الى ان تقديراته لم تكن دقيقة، ومضيفاً «لا شك اننا مثل كل العالم نتعرض لحرب كبيرة».

وكان جعجع قد اعتبر ان انتحاريي الفجر الاربعة انما كانوا يحاولون الاختباء في البلدة للانطلاق الى اهدافهم، موحياً بأن القاع هي خارج اهداف «داعش».

وليلاً جرت اتصالات اتسمت بالحساسية البالغة، بحيث تردد ان انفجارات القاع أحدثت هزة كبرى في الخارطة السياسية، والى حد التساؤل ما اذا كان رجال «حزب الله» و«القوات اللبنانية» وحزب الكتائب، بالاضافة الى التيار الوطني الحر سيتموضعون في خندق واحد بعدما بدا واضحاً ان تنظيم الدولة الاسلامية لم يخلد الى السكينة وراء التلال، بل كان يعد العدة للساعة التي يجتاح فيها بلدات القاع ورأس بعلبك والفاكهة، اضافة الى بلدات اخرى، وانطلاقاً من تلك «الادغال» التي تدعى مشاريع القاع.

واعلن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية «اننا كلنا مدعوون لمواجهة الارهاب الذي يستهدف الجميع والمطلوب الحسم السريع».

وصرح النائب ايلي ماروني بـ«اننا اعتبرنا صباحاً ان التفجيرات لم تكن تستهدف القاع الا اننا تأكدنا ان القاع مستهدفة وكأن المطلوب تهجير اهلها».

وكانت قد راجت شائعات بأن «داعش» انما قام بعمليات ثأرية بعد اقدام المجلس البلدي في القاع بهدم بيوت في مشاريع القاع، وهي الشائعات التي دحضتها للتو ضخامة الخطة، والسعي لوضع اليد على البلدة تمهيداً لما هو اخطر بكثير.

ولفت النائب مروان فارس الى «محاولة لتهجير اهالي القاع، لكننا نؤكد على صمود الاهالي في وجه الارهاب، كاشفاً عن ان بين الانتحاريين امرأة، وهذا ما يحدث للمرة ا لاولى على الارض اللبنانية».

وفي ظل استنفار شامل في مناطق القاع الشمالي وصولاً الى مناطق البقاع الشرقي، اعلنت قيادة الجيش انه عند الساعة العاشرة والنصف من مساء امس اقدم انتحاري كان يستقل دراجة نارية على رمي قنبلة باتجاه تجمع للاهالي امام كنيسة البلدة، ثم فجر نفسه بحزام ناسف، تلاه اقدام شخص ثان  يستقل دراجة على تفجير نفسه في المكان ذاته.

اضاف بيان قيادة الجيش انه أعقب ذلك اقدام شخصين على محاولة تفجير نفسيهما حيث طاردت دورية من مخابرات الجيش احدهما ما اضطره الى تفجير نفسه دون اصابة احد، فيما حاول الانتحاري الآخر تفجير نفسه في احد المراكز العسكرية الا انه استهدف من قبل العناصر ما اضطره ايضاً الى تفجير نفسه دون التسبب بايذاء احد.

وبدت بلدة القاع ومحيطها منطقة  عسكرية، فيما نفذت وحدات من الجيش عمليات دهم واسعة وكذلك عمليات تفتيش بحثاً عن مشبوهين.

وترددت توقعات بأن «داعش» سيبعث بانتحاريين آخرين، لكن سيطرة الجيش على الوضع قد تكون وراء العودة عن تنفيذ الخطة بالكامل، لتقتصر الاصابات ليلاً على 13 جريحاً.

اليوم الدموي الطويل بدأ فجراً (الساعة 4.20) وبأربعة انتحاريين ايضاً ما اسفر عن استشهاد 5 من ابناء البلدة وجرح 15.

الشباب في القاع كانوا في حالة استنفار، الأسى على الوجوه لسقوط الشهداء الخمسة الذين هبوا الى مكان الانفجار الاول، رئيس البلدية بشير  مطر كان له موقف وطني مدوٍ. قال ان القاع هي بوابة لبنان، واهالي القاع بحمايتهم هذه البوابة يحمون لبنان، ليوجه كلامه الى الارهابيين «لن تخيفونا لأن الخوف سقط من قاموسنا».

من قلب القاع ننظر الى الجرود المحتلة والتي تتداخل مع جرود رزس بعلبك وعرسال المحتلة ايضاً، على مسافة كيلومترات قليلة ينتشر المئات، بل والآلاف، من مقاتلي تنظيم «داعش» الذين لا يخفى على احد انهم، ومع «جبهة النصرة» بذلوا جهوداً مركزة لانشاء خلايا في منطقة مشاريع القاع، المنطقة الضائعة التي يسكنها فلاحون وعمال زراعيون لبنانيون وسوريون. واذ تضيع هوية المنطقة التي طالما وصفت بـ«الخاصرة الرخوة» فان طبيعتها تجعلها هدفاً للتنظيمين الارهابيين، ولقد بذل الجيش اللبناني جهوداً هائلة للسيطرة، قدر المستطاع، على ذلك «البوغاز» الذي من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، معرفة ما في داخله…

في القاع امس، وقد ارتدت الحداد، يشعر المرء الى اي مدى وصلت سفسطائية السياسيين الذين بعضهم، ومن اجل اثارة الغرائز، وتوظيف ذلك سياسياً، يحاولون تبرير انتشار «داعش» و«النصرة» على سفوح السلسلة الشرقية على ان التنظيمين فرضا توازن الرعب على «حزب الله».

هذا دون اي اعتبار لما تمثله التنظيمات الارهابية من تهديد بنيوي، ووجودي، للبنان، فالمهم ان تأخذ اللعبة السياسية، واللعبة المذهبية، مداهما ما دام في خدمة السياسيين.

داخل القاع قيل لـ«الديار» ان الاهالي، وما ان يهبط المساء، حتى يرتفع مستوى القلق لديهم الى الذروة، وانما هناك توقعات بأن يحاول الارهابيون تنفيذ عمليات ضد المواقع الامامية للجيش اللبناني من اجل فتح ثغرة امام مئات المقاتلين للاندفاع عبر منطقة مشاريع القاع، الى المناطق الآهلة، بما فيها القاع بطبيعة الحال. الآن، منسوب القلق سيرتفع حتماً.

ثمة سؤال يطرح في البلدة الجريحة، لماذا لا يتم التنسيق مع دمشق. ابناء البلدة يعرفون منطقة الجرود شبراً شبراً، وهم يعتبرون ان طبيعة المنطقة تفترض تنسيقاً عملانياً واستخباراتياً بين السلطات اللبنانية والسلطة السورية…

مراجع في المنطقة تشير الى ان الدول تضع سلماً للاولويات، لا مشكلة في ان يكون مسؤولون لبنانيون في حال مواجهة مع النظام السوري، ولكن ليس الى حد اغفال الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش» وهو الذي يحتل مع «النصرة» نحو 300 كيلومتر من الارض اللبنانية.

وتقول المراجع ان هناك دولاً عربية واجنبية بعيدة مئات الكيلومترات، وربما الوف الكيلومترات (فرنسا مثالا)، ومع ذلك تتعاون استخباراتياً، واحياناً عسكرياً، مع السلطات السورية تفادياً لأي خطر يأتيها من «داعش» الذي هو الخطر الأكبر، بل والخطر المدمر ليس فقط لبلدان المنطقة وانما لمجتمعات المنطقة.

وكلام من قبيل «ان اختراق جبل الجليد بين لبنان وسوريا ينبغي ان يحدث الآن وقبل ان نفاجأ بالاختراق الآخر، وبعدما تردد ان الانتحاريين الاربعة هم من فريق من 40 انتحارياً تم اعدادهم لتنفيذ عمليات تفجيرية في مناطق  لبنانية مختلفة.

«الديار» قصدت اطراف مشاريع القاع. وحديث عن ان وجهة الانتحاريين الاربعة كانت حتماً نحو اهداف داخلية، وتحدث دوياً سياسياً واعلامياً اكبر، لكن الاربعة فوجئوا بدورية للجيش فانكفأوا نحو داخل القاع.

ـ رؤوس على الطريق ـ

وجوه الانتحاريين واضحة، ورؤوس ثلاثة تدحرجت على الطريق. رأس رابع سقط على السطح، مع اعتبار ان الانفجارات الاربعة حصرت في مساحة لا تتعدى المئة متر مربع، وبدءا من منزل طلال المقلد الذي كان اول من اكتشف امر الانتحاريين واطلق باتجاههم النار، فالقوا قنبلة، وعندما تبين انها لم تصب المقلد عمد احد الانتحاريين الى تفجير نفسه.

واذ يردد عدد كبير من اهل القاع ان المنطقة الشديدة الحساسية لتداخلها، وعلى امتداد اكثر من 200 كيلومتر، مع الحدود السورية، تبدو وكأنها تعيش تحت سلطة المخيمات، فهم يعتبرون ان التراشق الرمضاني اليومي، وعبر المنابر، تحوّل الى فضيحة مذلة ومملة في آن وينبغي وقفها في الحال.

مثل هذا الكلام يسمع بوضوح ايضاً في بيروت. التفجيرات الاربعة في بلدة القاع اظهرت الى أي مدى يتربص تنظيم الدولة بلبنان ليس كورقة تكتيكية وانما في اطار خطته الاستراتيجية الرامية الى الغاء الدولة اللبنانية.

الجهات السياسية التي تردد هذا الكلام تسأل ما اذا كان السياسيون الذين يدبجون المواقف والتصريحات اليومية المكررة يأخذون بالاعتبار مدى المخاطر التي تحدق بلبنان، ومدى الاعباء الملقاة على المؤسسة العسكرية في لبنان بالرغم من ضآلة امكاناتها، ومن طبيعة المنطقة التي تتواجه فيها مع تنظيم «داعش».

ـ مقارنة مع الجيش اللبناني ـ

وهذه الجهات تدعو الى استعادة ما يحدث على الارض السورية كما على الارض العراقية، وحيث القاذفات وعشرات آلاف المقاتلين، بآلياتهم ومعداتهم المتطورة، وبمؤازرة جوية خارجية، لا تستطيع ان تمنع «داعش» من التمدد نحو مناطق جديدة، فيما الجيش اللبناني يمنع مقاتلي التنظيم من التقدم قيد انملة بإتجاه مواقعه.

قائد الجيش العماد جان قهوجي زار القاع، ومن هناك لفت الى «ان مسارعة الارهابيين الى تفجير انفسهم قبل انتقالهم الى مناطق اخرى دليل واضح على يقظة الجيش والمواطنين التي افشلت مخططاتهم». واكد «ان لدى الجيش كامل الارادة والقدرة على مواصلة محاربة هذا الارهاب الذي لا يميز في جرائمه الوحشية بين طائفة واخرى».

ما حدث في القاع التي تستضيف 30 الف نازح سوري اي ما يتجاوز باضعاف عدد سكانها، فتح ملف المخيمات، لا سيما في محيط بلدة عرسال، وحيث تؤكد تقارير لا يرقى اليها الشك بأن اكثر من 90 في المئة من ذوي المسلحين في الجرود يقطنون فيها. وبطبيعة الحال فان تعاطف هؤلاء مع ابنائهم او اقاربهم امر طبيعي، لكنه يشكل تهديداً حقيقياً للوضع اللبناني اذا ما حدثت اي تطورات ان على المستوى المحلي او على المستوى الاقليمي.

ولا يعرف اين استقر تقرير اوروبي ورد منذ نحو شهرين الى بيروت وجاء فيه ان الوضع السيء للنازحين السوريين الذين يعيش مئات الالاف منهم في الخيام لا بد ان يحولهم في غضون عقد من الزمان الى ارهابيين.

والتقرير الذي يعتبر ان هذا الاستنتاج «منطقي للغاية»، يؤكد على وجود مناطق آمنة في سوريا، ويفترض بالحكومة اللبنانية ان تضع خارطة طريق لاعادة قسم من النازحين الى بلادهم بالتنسيق مع الامم المتحدة، حتى اذا ما كان الانقسام الداخلي حيال الازمة السورية لا يسمح بتشكيل لجان للتعاون بين بيروت ودمشق، باستطاعة المنظمة الدولية ان تقدم المساعدة اللازمة لوضع اطار لاعادة مئات آلاف النازحين الى ديارهم.

ويقول التقرير ان المناطق الساخنة في سوريا باتت معروفة، فيما هناك مناطق تعتبر آمنة كلياً او على الاقل شبه آمنة، وهذه يمكن ان تشكل ملاذاً للعائدين الذين يفترض ان يتحرروا من عبء (وعقدة) النزوح.

ملف النزوح يشغل بال دول معنية بالاستقرار في لبنان، وحتى ببقاء لبنان، ولكن من خلال «خطة اوركسترالية» لا من خلال كلمة من هنا وموقف من هناك.

واذ تحظى مواقف وزير الخارجية جبران باسيل بالتعاطف من جهات تعتبر ان النزوح السوري الذي قد يمتد لسنوات لا بد ان «يخنق الدولة اللبنانية»، فهو يتحدث عن النزوح كما لو انه وزير خارجية دولة التيار الوطني الحر لا وزير خارجية لبنان، وهذا مغاير لكل منطق، وان كان اللامنطق هو في تعاطي الحكومة اللبنانية من موقع الضعيف مع الضغط الدولي حول تأمين ظروف العمل والبقاء للنازحين.

هذا مطلب انساني دون ادنى شك، لكن لبنان يدخل اكثر فأكثر في نوع من الاختلال الديموغرافي الذي يهدد وجوده في يوم من الايام. لا يكفي ان يقول باسيل، وبعد سرد عدد رؤساء البلديات والمخاتير وحتى اعضاء البلديات التابعين للتيار، بـ«منع اي تجمعات او اي مخيمات للنازحين السوريين» في اماكن تواجد بلديات تنتمي للتيار.

وهناك من يذكر باسيل بأن مؤسس التيار الحر العماد ميشال عون هو مرشح لرئاسة الجمهورية وليس مرشحاً للمناطق التي يتواجد فيها التيار، كما ان وزير الخارجية عندما يتكلم يفترض ان يأخذ بالاعتبار ان رئاسته التيار لا تحجب موقعه كوزير في الحكومة اللبنانية.

وفي هذا الصدد، يقول وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «اذا صببنا غضبنا على النازحين السوريين واستخدمنا العنصرية نكون هكذا نحركش الدبابير، لذلك يجب ان نحتويهم تحت سقف واضح اقرته الحكومة». اضاف «ليس في لبنان ارض للبيع، ولا توجد لدينا جوازات سفر للبيع او للايجار، ولا نقبل التوطين»، مشيراً الى ان عدد النازحين هبط من 1.3 مليون نازح في 5 كانون الثاني 2015 الى 1.04 مليون لاجىء، وان كان هناك من يشكك بدقة هذه الارقام ويشير الى تجاوز عدد النازحين المليون ونصف المليون نازح، والمهم ماذا يعني وصف درباس للنازحين بـ«الدبابير»؟

الى ذلك اعتبر النائب احمد فتفت «ان ضبط الحدود عمل مهم جداً، كما انه يجب ضبط مخيمات النازحين السوريين وعدم تحويل كل لبنان الى مخيم»، رافضاً التعامل مع النازحين بعنصرية.