IMLebanon

لهذه الأسباب يفضّل الحريري بقاء سلام في السرايا

ماذا يمكن ان تقدم أيام سردينيا للرئىس سعد الحريري؟ أحد الرفاق القدامى قال لـ«الديار» ان الرئىس الراحل رفيق الحريري كان يقصد الجزيرة حين يشعر ان الجبال تجثم على كتفيه، راح يستعرض الاوقات التي ذهب فيها الحريري الاب الى هناك، ليشير الى انه عندما كان هذا الأخير يشعر بالضيق، او باليأس، كان يجد في المملكة العربية السعودية من يقف الى جانبه ومن يفتح امامه الطرق الى الحلول، او على الاقل من يسدي اليه النصح او بالحد الأدنى من يربت على كتفيه.

حتماً، ليست كتفا الابن بصلابة كتفي الاب، ولا المملكة هذه الايام هي المملكة تلك الايام. الرفيق القديم يقول «ان الشيخ سعد هو في حالة من المنفى الطوعي، والطبيعة الساحرة هناك تنصحه بالبقاء لأن كل الامكنة الأخرى اما انها مقفلة، او انها مفخخة، او انها مستحيلة».

الكل يتحدثون عن الدوامة التي يدور فيها رئىس تيار المستقبل. لم يعد بالقوة السابقة. التواجد خارج السرايا، والضائقة المالية، والغلطة التكتيكية في ترشيح النائب سليمان فرنجية، كلها تضغط على اعصابه التي لا تفيد فيها لا ساعات التزلج في الجبال السويسرية ولا ساعات السباحة على الشواطىء الايطالية.

حتى الآن، لم يتكلم شخصياً حول «لفتة» السيد حسن نصرالله. ترك للنائب أحمد فتفت ان يعلق، وهو المذعور كما كل نواب الشمال من شبح اشرف ريفي حيناً ومن شبح خالد ضاهر حيناً آخر بعدما وصلت الى نواب طرابلس والضنية وعكار احصاءات تقول ان لوائح ريفي ـ ضاهر ستحصل في الاولى على 51 في المئة، وفي الثانية على 58 في المئة وفي الثالثة على 53 في المئة من الاصوات.

من داخل كتلة المستقبل يقول احد ابرز الاعضاء «انهم يرفضون ميشال عون ليقولوا انهم يرفضون سليمان فرنجية». يسأل ما اذا كان اشرف ريفي اقوى من سعد الحريري داخل الكتلة.

مصادر سياسية وتقول ان زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري للبنان ولقاءاته العديد من المراجع السياسية والحزبية كشفت عدم وجود اي ديناميكية ديبلوماسية اقليمية (او دولية) يمكن ان تساعد لبنان على الخروج من عنق الزجاجة.

هذه المصادر تضيف ان كل ما يمكن فعله هو انتظار نتائج اتصال مرتقب بين القاهرة والرياض التي لديها، في هذه الايام، هواجسها الكبيرة والى حد التساؤل ماذا يُعَدّ للمملكة العربية السعودية في المطابخ الدولية.

الكلام اللبناني يتقاطع مع كلام ديبلوماسي خليجي واوروبي «اين هي المملكة داخل التطورات المثيرة التي تحدث الآن، وحيث يبدو ان الايقاع الاستراتيجي (الدولي والاقليمي) يأخذ منحى يشي بأن قواعد جديدة للعبة (او للاشتباك) تتشكل الآن».

جهات اوروبية وخليجية خائفة على المملكة الغارقة في المتاهة اليمنية، وهي تبدو وكأنها وحيدة و«مستهدفة». تركيا تدور داخل ازماتها المعقدة، اميركا منهمكة في الانتخابات الرئاسية، ودون ان تمتلك اي تصور للخارطة العتيدة لدول المنطقة، وكل ما تريده هو المراوحة الى ان يتحول الجميع الى اشلاء، وروسيا تبدو مصممة على ان تكون شريكة اساسية في تحديد مصير الشمال السوري، وسائر سوريا بطبيعة الحال.

أما ايران فقد خرقت السقف الايديولوجي وقررت ان تذهب الى أبعد الممكن، وربما أبعد المستحيل، في التنسيق الاستراتيجي مع روسيا، حتى ان معلقين اميركيين بارزين يعتبرون ان رهان القيصر على ترويض ايران قد تحقق، بعدما كان الروس يشتكون من «اننا لا نفهم على الايرانيين ولا هم يفهمون علينا».

وتقول شخصية سياسية لبنانية مخضرمة، وعلى علاقة وثيقة بالرياض «ان المسؤولين هناك لم يكونوا يتوقعون قطعاً أن تمضي الامور بتلك الطريقة. كان هناك في المملكة من يسند ظهره الى الولايات المتحدة، غير ان ادارة باراك اوباما اعتمدت القفازات الحريرية بدل القاذفات، فيما اللوبي اليهودي يريد ان يرى الامير محمد بن سلمان في اورشليم».

الشخصية تضيف «حتى ان تركيا التي كانت «الظهر الاستراتيجي» باعتبار انها تستطيع ان تمسك بالارض، او على الاقل تلعب بالارض، من حلب وادلب وحتى اللاذقية، والى حد اسقاط طائرة روسية، لم تلبث ان اعتذرت من الكرملين، ليذهب رجب طيب اردوغان الى سان بطرسبرغ ويبدو وكأنه يطلب «اللجوء الاستراتيجي» من فلاديمير بوتين».

وحتى المصادر الخليجية تعتبر ان كل ما يقال حول «اليوبيل الاسرائىلي» هو من قبيل البروباغندا، اذ ان المملكة تعتبر نفسها زعيمة القارة  السنية التي تمتد من اقصى الاناضول الى اقصى القوقاز، بل وحتى اقصى الشرق الاقصى، وهي اذ ترى في ايران العدو رقم واحد، اما اسرائىل فقد تكون عدواً من الدرجة العاشرة، تفضل ان تكون شديدة الحذر في الوقت الحاضر.

ليس لبنان ما يعني السعوديين الآن، المملكة هي التي تعني السعوديين الآن. الحريري لا بد ان يكون من اكثر الناس معرفة بالاسئلة السعودية في الوقت الحاضر، وحيث لم يكن اي من المسؤولين السعوديين يتوقع ان تصل الامور بين موسكو وطهران حد انطلاق قاذفات توبوليف ـ 22 من القواعد الايرانية لتضرب في الشمال السوري.

وتبعاً لمصادر خليجية فإن السعوديين صدموا من هشاشة ردة الفعل الاميركية، والى حد اتهام واشنطن بأنها عقدت صفقة مع الروس على حساب حلفائها، وإلا كيف يمكن ان تصل الامور الى هذا الحد الخطر.

السعوديون متوجسون من الاميركيين «الذين يرقصون فرادى مع الروس» دون ان يتشاوروا مع المملكة في طبيعة الصفقة والحدود التي يمكن ان تصل اليها، وحتى دون ان يطلعوها على مسار المحادثات بين جون كيري وسيرغي لافروف.

ما يستشف من بعض الكتابات التي تصدر في المملكة، وان بصورة ملتوية وغير مباشرة، ان مسؤولين سعوديين يسألون ما اذا كان هناك من سيناريو اميركي يمكن ان يستهدف المملكة…

وكما هو معلوم، اذ كان التنسيق مترامياً بين الرياض وانقرة، ودائماً او غالباً تحت المظلة الاميركية، فان الجبهة الثلاثية تبدو وقد تفككت بفعل المواقف الاميركية الملتبسة، وبفعل استراتيجية الهجوم التي لجأت اليها موسكو والتي اخذت منحى خطراً بتحول التعاون المتقطع مع طهران الى تعاون نوعي لم يكن متوقعاً في حال من الاحوال.

ـ المشهد من سردينيا ـ

كيف يرى الحريري المشهد من سردينيا؟ وهل يستطيع ان يذهب الى جدة ليطرح الملف اللبناني وسط «التطورات الهائلة» التي تشغل المسؤولين السعوديين على مدار الساعة، حتى وان كان هناك من يقول ان من الافضل ان تكون ايران في السلة الروسية من ان تكون سوريا في السلة الايرانية.

ويقول وزير سابق من تيار المستقبل ان «حضرات المستشارين عاجزون عن قراءة الاحداث والاحتمالات»، ودون ان تكون هناك اي عاصمة يمكن ان يلجأ اليها الحريري ليعرف ماذا يجري الآن وماذا يجري غداً.

الوزير السابق يقول بجدية «لم يعد أمام الشيخ سعد سوى ان يطرق ابواب طهران». العاصمة الايرانية ابلغت جهات لبنانية انها جاهزة لاستقبال رئىس تيار المستقبل «على الرحب والسعة». بطبيعة الحال، الحريري ليس من هواة الانتحار، وان كانت هناك مراجع لبنانية تؤكد انه اذا ما بقيت الامور تسير هكذا، فالمعقول سيتحول الى لامعقول واللامعقول سيتحول الى معقول.

مصدر وزاري في 8 اذار ويعتبر ان الحريري لا يزال صاحب الكلمة الفصل داخل التيار كما داخل الطائفة السنية، اما ما يحكى عن خلافات او اختلافات مع الرئىس فؤاد السنيورة فهو مجرد «تخيلات».

اضاف: «لا اتصور ان لدى الحريري شيئاً ليقوله في هذه المرحلة. وكما هو معروف فإن العلاقات بين الرياض و«حزب الله» سيئة جدا، بل هي علاقات صدامية، فكيف له ان يوافق على تضمين البيان الوزاري، وبأي صيغة كانت، ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة».

لا ينفي المصدر الوزاري ان رئىس تيار المستقبل بحاجة ماسة للعودة الى السرايا لانها خشبة الخلاص الوحيدة بالنسبة اليه، لكنه يفضل بقاء تمام سلام على رأس الحكومة لحين ان ينجلي الوضع الاقليمي فإما التسوية او الحرب التي لن توفر احداً في هذه الحال.

ويلاحظ المصدر ان الحريري «تجنب او لم يتجرأ على التعقيب على «مبادرة» السيد حسن نصرالله خشية ان يتم «القبض» عليه في مطار جدة».

اذاً، على التسوية الداخلية ان تنتظر التسوية الخارجية لان تطوراً كبيراً جداً، وخطراً جداً، طرأ على الساحة السورية، ولا بد لذلك ان يترك تداعياته على نظرة السعودية الى الامور.

والى اشعار آخر يبقى على سلام ان يتلوى على الجمر في ضوء ما يتردد داخل تيار المستقبل من ان هذا ليس وقت رئاسة الجمهورية ولا وقت رئاسة الحكومة الحريري ايضاً يتولى على الجمر.

الى ذلك، سيناريو التمديد للامين العام للمجلس العسكري سار كما رسم له، وزير الدفاع سمير مقبل حمل معه اسماء 3 عمداء لتولي المنصب بعد انتهاء خدمة اللواء محمد خير بعد غد الاحد. النتيجة 7 اصوات لكل منهم لتتجه الانظار الى اصابع مقبل وتوقيعه على قرار التـمديد.

ـ اعتكاف لا استقالة ـ

بطبيعة الحال، هذا ما سيحدث بالنسبة الى قائد الجيش العماد جان قهوجي، وهذا ما يثير اعصاب وزيري التيار الوطني الحر. جبران باسيل قال لدى خروجه من جلسة امس، «واضح ان هناك اصراراً على مخالفة القانون ما ينعكس سلباً على عملنا كحكومة».

واذ رأى بو صعب ان «هذه الحكومة فاشلة، وموضوع التعيينات  العسكرية استخفاف بعقول الوزراء»، ما لبث ان اضاف الى ذلك «ان هذه الحكومة لا تحترم نفسها فكيف يحترمها الناس؟».

المعارضون لعون نشطوا على مواقع التواصل الاجتماعي «من لا يحترم الدستور، ولا يحضر جلسات انتخاب رئىس الجمهورية هل يحق له الاعتراض على عدم احترام  القانون»؟.

اجواء التيار كانت امس ملبدة. لا استقالة، لكن الاتجاه الى الاعتكاف وارد. احد الوزراء قال لـ«الديار» «كمن يطلق النار على قدميه او على قدمي… ميت».