IMLebanon

الهوة تتسع بين «الرابية» «وعين التينة» والعقدة في «الضمانات»

ابراهيم ناصرالدين

«الامور سيئة»، كلمتان اختصر بهما احد المفاوضين البارزين العاملين على خط المفاوضات الخاصة بشأن قانون الانتخابات، حال عملية التفاوض «العقيمة»التي شهدت بالامس جمودا غير مسبوق في ظل «مراوحة» تزيد الشكوك المتبادلة حول النيات المبيتة لدى كل طرف ازاء حقيقة ما يقوله في العلن وما يضمره في السر… وفيما «روائح» الصفقات المشبوهة تحاصر عمل الحكومة «وتفرمل» انطلاقة العهد في ظل «تراشق» الاتهامات بالفساد في ملفي «الكهرباء» «والاتصالات»، وبينما يستعد رئيس الحكومة سعد الحريري للمشاركة في قمة الرياض دون تقديم شروحات كافية عن موقع لبنان في هذه «الاحتفالية» السعودية بقدوم رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب للاعلان عن بدء مواجهة ايران وحلفائها في المنطقة، تجري على الحدود الشرقية عملية سياسية – عسكرية – امنية لاقفال هذا الملف النازف منذ بدء الحرب على سوريا.

وفي هذا السياق، اكدت مصادر معنية بهذا الملف ان الجميع الان في «سباق مع الوقت»، الجيش اللبناني والمقاومة يسعيان للاستفادة من الوضع الميداني الصعب للمجموعات الارهابية لدفعها نحو ابرام تسوية تخرجها من الجرود، ولا تريدان لها ان تلتقط انفاسها، ما يجعل الرعاة الاقليميين الذين يطالبون هؤلاء بالصمود لتحسين شروط اي اتفاق،  يتراجعون ويعطون «الضوء الاخضر» لاتمام «الصفقة». ومن هنا يمكن فهم طبيعة التحركات على الارض حيث يتم التحرك على ثلاثة خطوط متوازية، الخط الاول والثاني ميداني تتولاه بشكل رئيسي المؤسسة العسكرية من خلال زيادة منسوب الضغط الامني والعسكري على الارض عبر الاستهداف الممنهج للمواقع في الجرود، والخط الثالث سياسي – تفاوضي يتولاه حزب الله لانضاج تسوية تخرج المسلحين الى ادلب.

 «مماطلة»… والعرض ليس «مفتوحا»

ووفقا لتلك الاوساط، حصل حزب الله على الضمانات الكاملة من الدولة السورية حول تسوية متكاملة تشمل عملية انتقال المسلحين، ووضع النازحين، ووصلت تلك الضمانات الى الطرف الاخر، عبر «وسيط» محلي لكن الجهة الاقليمية الضامنة في الدوحة لم تبلور بعد اجوبة واضحة حول تفاصيل هذه العملية، ثمة تلويح بأثمان مطلوبة مقابل هذا الاخلاء، كما «تشتم رائحة» مماطلة لابقاء هذا «الجرح» نازفا اطول مدة ممكنة لاستخدامه في عملية استنزاف لحزب الله وعدم منحه «نصرا استراتيجيا» يريحه في الداخل في ظل معارك الحدود المفتوحة على مصراعيها في سوريا والعراق..

 ووفقا للمعلومات، فان القيادات الميدانية في «النصرة» ترغب بترك المنطقة منذ شهرآذار 2016 بعد الاستعادة الاولى لمدينة تدمر يومذاك ارسلت اكثر من «رسالة» في هذا الصدد، ودخلت في مواجهات دامية مع مقاتلي «داعش» في الجرود، واليوم بعد سقوط جميع خطوط الامداد الاستراتيجية في الجانب السوري بات محسوما لدى هؤلاء ان البقاء ليس الا انتحارا، لكن حتى الان لم يأت «الضوء الاخضر» من الاستخبارات القطرية المتحكمة بقرار انسحابهم واعادة انتشارهم في ادلب. وفي الانتظار علم ان الدولة السورية وحزب الله ابلغا من يعنيهم الامر ان»العرض» المقدم ليس مفتوحا، واذا كان الجانب الاخر ينتظر «اثمانا» غير منطقية فلن يحصل عليها، الثمن الوحيد المتاح الان هو ضمانات بإخراج هؤلاء من منطقة ساقطة عسكريا، والاستثمار السياسي فيها منعدم…

طبعا حتى الان، لا قرار سياسي من الحكومة اللبنانية «بحسم» معركة الجرود، لكن هذا لم يمنع ارتفاع مستوى التنسيق بين الجيش والمقاومة في هذه المرحلة الدقيقة، الانتظارسيكون على «نار حامية» الضغط الميداني في الجرود نحو المزيد من التصعيد «ورسالة» الجيش في استهداف قيادات «النصرة» قبل ساعات بالغ الدلالة، ومن الجدير التذكير، كما تقول تلك الاوساط، ان المؤسسة العسكرية لا تقدم في هذه المواجهة «فحص دم» لاي جهة، لتنال «شهادة» في مكافحة الارهاب، المساعدات الاميركية للجيش غير مرتبطة باي تعهدات، ولا يمكن لقيادة الجيش ان تقدم اي التزامات خارج اطار الخطوط العامة المتفق عليها على المستوى الوطني.

 «مراوحة قاتلة»

في ملف قانون الانتخابات، توقفت بالامس «المحركات» عن العمل، وتبين ان كل ما تسرب عن اجواء ايجابية غير مقرون بوقائع جدية تشير الى ان الامور«سالكة». احد «الطباخين» وصف الوضع الان «بالسيئ» لان ثمة «برودة» غير منطقية في التعامل مع الملف وكأن الوقت لم يعد ضاغطا، معتبرا ان مجرد التعويل على ان احدا لا يمكنه تحمل عواقب الفشل وبالتالي الجميع محكوم بتفاهم «ربع الساعة» الاخيرة، كلام غير مسؤول لان البعض يستسهل «الوقوع» في الفراغ والذهاب الى الستين دون ادراك عواقب ذلك…

وفي هذا الاطار، تزداد الشكوك بين اطراف التفاوض، وفيما عاد الرئيس الحريري للحديث عن بقاء «التأهيلي» على قيد «الحياة» بعد ان نعاه سابقا، تتسع»الهوة» بين «الرابية» «وعين التينة»، ففي ظل قناعة اوساط مقربة من الرئيس نبيه بري بأن ما يحصل الآن مجرد «تقطيع» للوقت للوصول الى فرض قانون الستين وفق الاتفاق المبرم بين نادر الحريري والوزير جبران باسيل قبيل التسوية الرئاسية، وبأن مصلحة الحريري و«الثنائي المسيحي» اليوم بالهيمنة على مجلس النواب انطلاقا من العودة الى هذا القانون، اضافة الى رد «كاس الفراغ» الى رئيس المجلس، ترى اوساط التيار الوطني الحر ان الرئيس بري يتعمد اجهاض المقترحات الانتخابية ويتعامل «بكيدية» «لفرملة» انطلاقة العهد… وبحسب المعلومات توقف التفاوض الان عند نقطة محددة عنوانها مطالبة التيار الوطني الحر بـ «ضمانات» تعوضه التخلي عن القانون «التفضيلي»، ولن يقبل اي نسبية غير مقيضة «بصوت تفضيلي» طائفي في القضاء، ولن يوافق على الدوائر الست المعروضة عليه من قبل الرئيس بري، ويعتبر باسيل ان «الكرة» في «ملعب» الاخرين المطالبين بتقديم ما يبدد «هواجس» المسيحيين. ومما زاد «استياء» «البرتقالي» ما تسرب من معلومات حول دور النائب وليد جنبلاط في قرار الرئيس بري سحب اقتراحه حول مجلس الشيوخ من التداول، وتأجيل البحث الى مرحلة لاحقة تكون اكثر «هدوءا»، بعد ان حذره جنبلاط من «ان الاجواء توترت مجددا بين المسيحيين والدروز».. وهو ما رأت فيه قيادة «التيار» وقوفا مرة جديدة عند «خاطر» جنبلاط، والاخذ بعين الاعتبار هواجسه، دون التوقف عند مطالب المسيحيين..

في هذا الوقت، يستعد رئيس الحكومة للمشاركة في قمة الرياض الاسلامية- الاميركية على رأس وفد وزاري، وعلم ان الحريري طلب من وزير المالية علي حسن خليل مرافقته ضمن الوفد لكن الاخير اعتذر، لاسباب سياسية تتعلق بعدم رغبته كممثل لخط سياسي بالمشاركة في قمة القرارات «الملتبسة».

.. وفي هذا الاطار توقفت اوساط وزارية عند تداعيات هذه القمة على المنطقة خصوصا ان السعودية تسعى لاقامة ما تسميه حلفا اسلاميا لمكافحة الارهاب، ولا تستثني منه حزب الله، وما حصل بالامس على الحدود السورية- العراقية من استهداف اميركي للجيش السوري وحلفائه يطرح اكثر من علامة استفهام عن طبيعة المرحلة المقبلة المفتوحة على مخاطر كثيرة، ويحتاج معها لبنان الى استراتيجية «ذكية» وواضحة لا تحمل اي التباس، لان بعض الاخطاء قد تكون «قاتلة».. هذه النصيحة سمعها رئيس الحكومة من مرجعية وازنة ووعد بالالتزام «بقواعد اللعبة» الداخلية، على الرغم من تأكيده انه لا يريد ايضا ان يضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي..