IMLebanon

بري يحاول تأمين «شراكة» عون في توقيع المراسيم الحكومية

بات الحراك الشعبي المدني الذي انطلق السبت الماضي في وسط العاصمة اللبنانية بيروت احتجاجاً على أزمة النفايات وطريقة معالجتها من قبل الحكومة، والذي أضيف الى أسبابه النقمة العارمة على تردي الأوضاع المعيشية ومظاهر الفساد التي تتزايد مع الشلل في مؤسسات الدولة، مشهداً يومياً في ساحة رياض الصلح قبالة السراي الحكومية، فتجمع ناشطون مجدداً في الساحة أمس احتجاجاً على توقيف عدد منهم ليل أول من أمس، بعد أن تكررت المواجهات بينهم وبين القوى الأمنية. وبقي تحرك الأمس سلمياً، خصوصاً أن التظاهرة توجهت الى مستشفى الجامعة الأميركية للتضامن مع أهل الطالب المصاب محمد قصير.

وفيما أفاد قادة المجموعات المحتجة عن توقيف زهاء 90 شاباً، جرى الإفراج عنهم أمس، فإن جهات شبابية وسياسية يسارية ومعارضة أخذت تشارك حملة «طلعت ريحتكم» و «بدنا نحاسب» في الحشد الشبابي العفوي، من دون أن تتمكن من ضبط من باتوا يعرفون بـ «المشاغبين» الذين يفتعلون صدمات مع قوى الأمن على رغم رفض منظمي التحرك الشعبي الاحتكاك بها، كما حصل مجدداً ليل أول من أمس.

وبموازاة الحراك الشعبي الذي يتلمس قيادةً له، والموجه ضد القيادات السياسية كلها، نشطت الاتصالات أمس في اتجاهين: الأول إيجاد مكب لنفايات العاصمة وبعض مناطق جبل لبنان، بعدما توقفت شركة «سوكلين» عن جمعها وعادت تتراكم في الشوارع، والثاني تفادي تجدد التأزم في جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد اليوم لبحث جدول أعمال معلّق منذ 3 أشهر وأهم بنوده ملف النفايات ونقل اعتمادات من الاحتياط الى بند الرواتب المخصصة لموظفي القطاع العام وإقرار هبات وقروض لمشاريع إنمائية وتعيين ممثل لبنان في دعوى تحكيم دولية مع إحدى شركات الطيران البريطانية تبلغ قيمة الأحكام المالية فيها عشرات ملايين الدولارات.

وقالت مصادر وزارية وأخرى نيابية، إنه فور التأزم الذي شهدته جلسة أول من أمس التي خصصت للنفايات وانتهت بانسحاب وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون و «حزب الله» (5 وزراء وتضامن وزير المردة الذي كان مسافراً معهم) احتجاجاً على إنفاذ رئيس الحكومة تمام سلام عدداً من المراسيم بتوقيع 18 وزيراً عليها بدلاً من الـ24 وزيراً، تحرك رئيس البرلمان نبيه بري لإيجاد مخرج للخلاف على شرعية هذه المراسيم، يقضي وفق ما نقل نواب أمس، بإعادة تسليم الوزراء الستة المعترضين نصوص المراسيم لدرسها والتوقيع عليها قبل إنفاذها تفادياً لتكرار مشهد انسحاب وزراء عون و «حزب الله» من الجلسة الحكومية المقررة اليوم.

ومع أن بري أيد توجه سلام لاتخاذ القرارات بالأكثرية بدل الإجماع، للخروج من تعطيل العمل الحكومي وشله منذ أشهر بحجة الإجماع والتوافق، فإن ارفضاض جلسة الثلثاء بعد انسحاب وزراء عون و «حزب الله» وتهديدهما بالتصعيد في الشارع، دفعاه الى الاتصال بسلام ليقترح عليه القيام بمسعى يقضي بتجميد نشر المراسيم الموقعة من الأكثرية في الجريدة الرسمية، لعل وزراء عون والحزب (المتضامن معه بحجة الشراكة في القرار) يوقعون عليها، خصوصاً أنها مراسيم عادية معظمها سبق أن وافقوا على القرارات في شأنها في الحكومة ثم امتنعوا عن التوقيع على مراسيمها عند نشوب الخلاف على التعيينات العسكرية والتمديد للقادة الأمنيين. وقالت مصادر مقربة من بري إنه أوعز الى معاونه وزير المال علي حسن خليل التواصل مع «حزب الله»، الذي شجع على هذا المسعى، خصوصاً أنه حين تضامن مع عون حصر موقفه برفض إصدار المراسيم من دون توقيع وزرائه عليها. وتواصل قادة الحزب مع العماد عون، الذي أجل بدوره مؤتمراً صحافياً كان مقرراً أمس لإعلان موقف تصعيدي ضد الحكومة تحضيراً لإنزال أنصاره الى الشارع، تحت عنوان التعدي على حقوق المسيحيين وتجاهل صلاحيات وزرائه بالنيابة عن رئيس الجمهورية في ظل الفراغ الرئاسي، الى غد الجمعة.

وقالت مصادر بري إن موقف «حزب الله» ليس المشكلة بل اعتراض فريق عون.

وكان من دوافع تحرك بري هذا، أن «حزب الله» لوّح بالنزول مع عون الى الشارع، كما أبلغ الحزب وزراء في «اللقاء النيابي الديموقراطي» أن رفضه كسر العماد عون بحجة تفادي تعطيل العمل الحكومي قد يدفع به الى الوقوف مع عون إذا خيّر بينه وبين الحكومة.

وأوضحت مصادر بري لـ «الحياة» أنه لقي تجاوباً من الرئيس سلام، وأنه يمكن تمرير بعض المراسيم بتوقيع وزراء «التيار الحر» و «حزب الله» عليها، خصوصاً أن معظمها لا طابع سياسياً له وتتناول قضايا تهم مصالح مواطنين وموظفين في الدولة وإحالة بعضهم الى التقاعد. أما المراسيم التي لا يتم توقيعها من الفريق المعترض، فتتم إعادة طرحها بطريقة من الطرق على مجلس الوزراء إذا احتاج الأمر. واعتبرت مصادر بري أن اعتماد هذا المخرج يسمح بتمرير المواضيع الملحة المطروحة على مجلس الوزراء اليوم، وفي مقدمها رواتب الموظفين. وأبدى بري تفاؤله أمام زواره مساء أمس بأن جلسة مجلس الوزراء اليوم ستتم بهدوء.

وقال مصدر في «التيار الوطني الحر» لـ «الحياة»، إن المسعى الذي يعمل له بري يتناول المراسيم وطريقة اتخاذ القرارات الحكومية. وفيما أشارت مصادر سياسية الى أن المسعى قد يتناول مخرجاً يتعلق بالخلاف على التعيينات العسكرية والتمديد لبعض كبار القادة، عبر العودة الى اقتراح ترقية بعض الضباط لحفظ حق العميد شامل روكز، مرشح عون لقيادة الجيش، بالبقاء فيه، رفضت مصادر بري التعليق على ذلك.

وذكرت مصادر بري لـ «الحياة» أنه يجوجل اقتراحات أخرى لتبريد التأزم السياسي لن يفصح عنها إلا إذا وجد أن هناك إمكانية لتحقيقها ونجاحها، وهو سيجري مشاورات في شأنها مع بعض الفرقاء في الأيام المقبلة. وسيكون لبري خطاب يتناول فيه الأزمة السياسية، الأحد المقبل لمناسبة الذكرى الـ37 لإخفاء الإمام موسى الصدر.

وعلى صعيد الجزء الملحّ من أزمة النفايات، والمتعلق بضمان جمعها من بيروت وجبل لبنان، بعد إلغاء نتائج مناقصة الشركات التي يفترض أن تتولى معالجتها، فقد توالت الاتصالات المكثفة لإيجاد مكب لها، وأمل المعنيون أن يكون في عكار، بعد إقرار مبلغ 100 مليون دولار لإنماء المنطقة. وتولى هذه الاتصالات طوال نهار أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع الفعاليات العكارية واتحادات البلديات.

وقالت مصادر وزارية إن أهمية هذا الموضوع لا تقل عن أهمية معالجة التأزم السياسي، إذ إن مخاطره على الاستقرار الحكومي ضاغطة جداً لأن الرئيس سلام يشعر بأن الفرقاء جميعاً يصرون على بقاء الحكومة لكنه لا يرى تسهيلات في السعي لإقامة مكبات للنفايات في المناطق التي يستطيعون التأثير على فعالياتها، وهو أمر لم يعد قابلاً للاحتمال، خصوصاً أن الأزمة والاحتجاجات تنفجر في وجهه.