IMLebanon

الحِراك الشعبي يُطيِّر جلسة «السلسلة».. والقوى السياسية تتبادل الإتهامات

إختلط أمس الحابل الانتخابي بالنابل الضرائبي الذي جعل سلسلة الرتب والرواتب متقدمة على ما عداها، الى درجة انّ البحث في قانون الانتخاب قد انكفأ، مع اقتراب 21 الجاري موعد دعوة الهيئات الناخبة وبدء سريان مهلة التسعين يوماً الدستورية لانتخاب مجلس النواب الجديد. وقد أثار رَفع الجلسة التشريعية، التي كانت تبحث في السلسلة الى موعد تُرك تحديده لرئيس المجلس نبيه بري، مخاوف من دخول هذه السلسلة مجدداً في طور جديد من المماطلة التي قد تُجَمّد البحث فيها الى آجال غير معلومة.

تلقّت السلطة السياسية، أمس، صفعة موجعة رداً على محاولة تمويل سلسلة الرتب والرواتب من جيوب الناس، بدلاً من معالجة مزاريب الهدر والفساد.

وأسقط «الشارع» الجلسة المسائية المقررة للهيئة العامة للمجلس النيابي، واضطر نائب رئيس المجلس فريد مكاري، الذي يترأس جلسات مناقشة موارد السلسلة في غياب رئيس المجلس نبيه بري، الى رفع الجلسة الى «موعد يحدده رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحقاً»، وعقد ورئيس الحكومة سعد الحريري مؤتمراً صحافياً مشتركاً.

وقد اتهم مكاري حزب الكتائب ورئيسه النائب سامي الجميّل بمحاولة «الالتفاف على سلسلة الرتب والرواتب وإلغائها، بما يضيع حقوق أكثر من 250 ألف عائلة في الوصول الى بعض حقوقهم، بحجّة تأمين موارد من خارج سياق الإيرادات من دون تقديم طرح بديل وواقعي، ومن دون المشاركة في أيّ عمل جدي».

إلّا انّ الغليان في الشارع أثبت انّ الموضوع يتجاوز هذا الاتهام، خصوصاً انّ وجع الناس حقيقي في هذا السياق. وقد شملت الضرائب كلّ شرائح المجتمع، وعلى عكس ما قيل انّ الضرائب لا تطاول سوى الميسورين، تبيّن أنّ لائحة الضرائب الجديدة ستطاول كل الشرائح، بالاضافة الى أنها تضرب الاقتصاد والمؤسسات، بما قد يزيد من نسَب البطالة.

ومن جهته، قال الحريري: «انّ هناك محاولة حقيقية لضرب السلسلة. العائلات كانت تنتظر إقرارها وهي في ذمّة الذين أطلقوا الإشاعات. نحن لا نتحمّل مسؤولية من عرقل إقرار السلسلة، وهناك اختلاق للأكاذيب والجو منذ أمس الى اليوم أثّر في هذه الحركة».

واعتبر انّ «ما حصل اليوم (أمس) من تسريب أكاذيب عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو أمر معيب، ونحن سنسمّي ونعلن من قام بذلك، والقانون يطاول الجميع. وإذا كان أحد النواب هو من قام بذلك فنحن سنرفع عنه الحصانة».

هل سقطت «السلسلة»؟

وعلى رغم انّ الحريري أكد تمسّكه بإقرار السلسلة، الّا انّ التطورات أوحَت بأنّ المشروع قد يكون تعرّض لضربة قاضية، خصوصاً انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع سارَع الى إعلان «تعليق تأييد حزب «القوات» للسلسلة، الى حين تأمين المعارضين لها وارداتها»، مشيراً الى انه «عندما يصبح الأمر متعلقاً بالمزايدات فلا يمكن العمل».

وشَكّك جعجع في أن «يكون سيناريو تطيير الجلسة التشريعية مُتّفقاً عليه»، لافتاً الى أنه «لا يمكن العمل في جوّ من الفوضى»، وقال: «إننا سنشارك في الجلسات المقبلة، لكن لن نؤيّد السلسلة. وإننا نتمنى أن نعطي المواطنين المال، لكن هناك حياة يجب أن تسير، ورأينا في الهدر والفساد معروف».

من جهته، غرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر»: «منذ أول لحظة، إنّ الحزب الاشتراكي تبنّى زيادة السلسلة شرط تأمين الموارد ووقف الهدر، وسهلة جداً المواقف الشعبوية».

مفاعيل الضرائب

في هذا السياق، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الضرائب المرفوعة باسم سلسلة الرتب والرواتب ستكون مصدراً جديداً، ليس لتمويل هذه السلسلة فحسب، إنما للهدر والفساد والتهرّب من دفع الضرائب، وزيادة التهريب في البلد، وستتسبّب بانكماش في القدرة الشرائية للناس وانكماش في السياحة. وسبق للبعض أن حذّر من هذا الامر عندما قال: «ما سيُعطى للموظفين من خلال السلسلة بيَد، سيؤخذ منهم أكثر في يد أخرى».

ولاحظت هذه المصادر «انّ الطبقة السياسية تواصل زيادة الضرائب من دون التصدي للموضوع الأهم، ألا وهو وقف الهدر»، وقالت: «تمويل السلسلة يكون بوقف الهدر في المطار والجمارك والشحن ووقف الصفقات والمشاريع الكبرى التي تنطوي على عمولات هائلة».

واعتبرت المصادر انّ «السلطة اليوم، من خلال هذا التصرّف، تؤسس لثورة اجتماعية تفلت من سيطرة ايّ من الاطراف، وحتى من الطوائف، لأنّ اللبناني يظلّ محافظاً على إيمانه وانتمائه طالما هو قادر، امّا عندما يدخل مرحلة التفقير فيبدأ بالكفر، وما يجري اليوم خطير جداً». وتخوّفت من «ان يكون الهدف ممّا يجري تحييد الأنظار عن الانتخابات النيابية ليس إلّا».

«الكتائب»

من جهته، ردّ النائب سامي الجميّل على الاتهامات التي طاوَلته وحزب الكتائب، مؤكّداً أنّ «الضرائب الـ22 ليست سريّة، بل موجودة في الاعلام كله وليست أمراً سرياً»، لافتاً إلى أنّ «كل الوسائل الاعلامية أعلنت عن الضرائب، وللمرة الأولى أسمع انّ مجلساً نيابياً او حكومة ترفع جلسة بسبب إشاعة عن ضرائب إضافية، ونحن لا علاقة لنا بالإشاعات».

«14 آذار»

في سياق متصل، قال قيادي من «ناشطي ١٤ آذار ـ مستمرون»: «انّ الحل البديل للضرائب يكون ببسط الدولة سيطرتها على مرافقها وفرض قوانينها على المهرّبين والمتهرّبين من دفع الضرائب ووَقف الهدر في التلزيمات».

واضاف: «على الذين يرمون مسؤولية إيجاد البديل عن الضرائب لتمويل السلسلة الّا يظهروا أنفسهم من خلال رَمي الكرة في ملعب رافضي الضرائب وكأنهم حماة للتهريب والتهّرب الضريبي والفساد المستشري، بل أن يبادروا بأنفسهم، حكومة وأكثرية نيابية، الى استبدال الضرائب باستعادة السيادة المالية للدولة وتحرير مرافقها من مصادريها».

قبل الظهر

وكانت ساحة رياض الصلح حضَنت صباحاً، تزامناً مع جلسة مجلس النواب، اعتصاماً للأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية احتجاجاً على الضرائب التي أقرّها المجلس، وأكدوا انّ صندوق التعاضد هو حق لهم ولن يسمحوا بالمَساس به، مُعلنين عن «خطوات تصعيدية سيتخذونها في حال لم يتراجع المجلس النيابي عن قراراته».

وفي ظل هذه التحركات، قرر مجلس القضاء الأعلى عودة القضاة الى العمل في المحاكم بدءاً من اليوم، بعدما تلقّوا وعوداً وتأكيدات بعدم المَس بحقوقهم في مشروع السلسلة.

وليلاً، أعلنت حملات «بدنا نحاسب» و«الشعب يريد إصلاح النظام» و«طلعت ريحتكم» استئناف الاعتصام في الخامسة بعد ظهر اليوم.

وقال مصدر قيادي في التحرّك الشعبي ضد الضرائب، ردّاً على تحميل المعارضة مسؤولية ايجاد بدائل لتمويل السلسلة «انّ المسؤولية تقع على الحكومة والأكثرية النيابية وليس على المعارضة والأقلية».

واضاف: «اذا كانت بعض الكتل النيابية والوزارية عاجزة عن إيجاد البدائل، فعليها الاستقالة من الحكومة فوراً. وإنّ عَجز المشاركين في الحكومة عن إقرار الضرائب بسبب الضغط الشعبي والمعارضة النيابية وإقرارهم بعجزهم عن إيجاد البدائل يتطلّبان منهم الاستقالة وترك الحكم للمعارضة».

مكاري

وتعليقاً على الدعوات الى التظاهر رفضاً لفرض الضرائب، قال مكاري لـ«الجمهورية»: «برأيي إنّ هؤلاء بطريقتهم يطلبون عدم إقرار السلسلة، فهذه السلسلة لا تقرّ الّا في ظل ما اتّفق عليه بين كل الكتل النيابية، أي أنها لا تُقرّ الّا بإيجاد الواردات لها. ومن يتحدث عن الهدر، كنّا نتمنى عليه ان يمنع الهدر عندما كان في الحكم، فعندما كانوا في الحكم كانوا مشاركين في الهدر، كلّ في منصبه، فكفى إعطاءنا دروساً في الاخلاق».

المشنوق

إنتخابياً، لم يطرأ أيّ جديد على جبهة قانون الانتخاب العتيد، على رغم اقتراب الموعد الجديد لدعوة الهيئات الناخبة الذي يستحق في 21 آذار الجاري. وأكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنه «ستكون هناك انتخابات نيابية ولَو في غير موعدها وخلال موعد قريب». وكشف أنه سيُجري مشاورات مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لاتخاذ قرار حول موعد الانتخابات النيابية المقبلة.

وقال المشنوق في حديث إلى قناة cbc extra news المصرية: «الموعد المقرر للانتخابات النيابية هو في 21 أيار. امّا موعد نهاية ولاية المجلس النيابي فهو في 20 حزيران المقبل، ولكن بسبب تزامن 20 حزيران مع شهر رمضان المبارك لا يمكن إجراء الانتخابات خلال هذه الفترة. لذلك حدّدنا موعد 21 أيار لإجرائها.

هناك ايام قليلة تفصلنا عن الموعد النهائي لدعوة الهيئات الناخبة ولاتخاذ قرارات مالية وإدارية تتعلق بإجراء الانتخابات، ولا اعتقد انه يمكن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر.

لذلك لا بدّ من تأجيل تقني بنحو او آخر، خصوصاً انّ هناك قوى سياسية وازنة ترفض قانون الستين، لكن يجب الّا نستعجل الامور. في بداية الاسبوع المقبل سأتشاوَر مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء لاتخاذ قرار في شأن موعد الانتخابات المقبلة، وبالتأكيد ستكون هناك انتخابات نيابية ولَو بغير موعدها وخلال موعد قريب».

لبنان في الفاتيكان

الى ذلك حضر ملف لبنان في الفاتيكان خلال اللقاء بين قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وأكد البابا انّ للبنان مكانة خاصة لدى الكرسي الرسولي، وأنه سعيد لاستعادته عافيته وانتظام المؤسسات الدستورية فيه، منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية، مشدداً على «انّ هذه المكانة سببها الاساس انّ لبنان، بجميع أبنائه، عاش قيَم الأصالة القائمة على الاحترام المتبادل والسّعي الى تحقيق السلام بين الشعوب والطوائف والمذاهب». وأبلغ البابا الى عون والوفد المرافق انه يصلي دائماً من اجل لبنان ويعمل من اجل دوام استقراره، وانه سيزوره ويلتقي جميع أبنائه.

من جهته، شكر عون لقداسة البابا «محبته الكبيرة للبنان، والاهتمام الذي يوليه دائماً لقضاياه ولمتابعة الكرسي الرسولي كل ما يساعد على تعزيز الاستقرار فيه، وتمكينه من مواصلة تأدية دوره في محيطه والعالم».

وعرض عون مع البابا للوضع في الشرق الأوسط عموماً، وأوضاع المسيحيين خصوصاً في سوريا وفلسطين والعراق. وتطرّق البحث الى العمل الذي يقوم به لبنان لمواجهة الارهاب، ولفت عون الى «انّ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، موحدون في التعاطي مع هذا الخطر»، ومؤكداً «انّ ما يحصل احياناً من تباين في وجهات النظر يعكس خلافاً سياسياً وليس خلافاً دينياً كما يعتقد البعض، ويتمّ التعاطي معه من خلال المؤسسات الدستورية والتشريعية».

واكد «انّ لبنان غَدا، من خلال ما تكوّن فيه من تراكم حضاري مسيحي ـ إسلامي، نموذجاً يصلح لدول وأنظمة عدة، اضافة الى انّ التعاون الاسلامي ـ المسيحي يؤهّل لبنان ليكون مركزاً لحوار الحضارات والأديان».

وطلب رئيس الجمهورية من البابا «الاستمرار في دعم لبنان ومساندته في المحافل الدولية والاقليمية، فوَعدَه البابا بذلك». ثم التقى عون أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين.