IMLebanon

مانشيت:جلسة المناقشة مضبوطة… والعناوين الساخنة تتطلَّب أجوبة وتوضيحات

على وقع الأزمات المتنوعة إنتخابياً وسياسياً ومطلبياً، تنطلق اليوم جلسة المناقشة العامة للحكومة في مجلس النواب. وعلى ما يبدو انّ الشهية النيابية مفتوحة لاعتلاء المنبر المجلسي، خصوصاً في الزمن الانتخابي الراهن والذي يتطلّب في مفهوم بعض المكونات النيابية حضوراً مرئياً ومسموعاً لعرض العضلات السياسية والشعبية على باب الاستحقاق الانتخابي. وبلغ عدد طالبي الكلام ما يزيد عن 25 نائباً حتى الآن، وهو مرشّح للارتفاع تبعاً للتجارب السابقة مع جلسات من هذا النوع.

الواضح عشيّة جلسة المناقشة انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري يسعى الى تقديمها جلسة مضبوطة بسقف الواقعية من دون ارتفاع النقاش الى حد الاستفزاز والمناكفات المفتعلة، الّا انّ المواطن اللبناني خَبر جلسات من هذا النوع، والتي شكّلت في مجملها مناسبات ومهرجانات خطابية يسيل فيها الكلام في كل اتجاه، من دون أن تلامس جدياً العناوين الملحّة التي تؤرقه، خصوصاً في ظل الأزمة المعيشية التي تخنقه.

وبالتالي، جلّ ما يريده المواطن ألّا تكون هذه الجلسة مستنسخة عن سابقاتها، او بتعبير أدق عن مهرجانات الخطابة النيابية السابقة، بل ان تخرج عن هذا السياق، لتحمل أجوبة على سيول الاسئلة التي يتداولها الناس:

– حول سلسلة الرتب والرواتب ومصيرها، هل ستعطى لمستحقيها ام لا؟ ومن أين ستتأمن تكلفتها؟ هل من المصادر الجدية التي يفترض ان تحددها وتؤمنها الحكومة، ام من جيوب الناس؟ وأيهما سيسبق الآخر، قانون الانتخاب الضائع في متاهات السياسة ام السلسلة الضائعة حتى الآن في متاهات الضرائب والرسوم التي وصفها النقابيون بالعشوائية؟

– عن الموازنة العامة، وهل هي متوازنة بمشاريع إنمائية ممتدة على مساحة لبنان؟ ام هي مجرّد أرقام لا تسمن ولا تغني عن جوع؟ والأهم، ثمة من يحاول أن يجعل من هذه الموازنة، التي تنتظر إحالتها الى مجلس النواب لإقرارها، مقبرة للسلسلة.

– حول موعد الانطلاقة الجدية للوعود الانعاشية للوضع الداخلي والانمائية التي قطعت في البيان الوزاري للحكومة، وتتوالى يومياً على ألسنة مختلف المستويات السياسية والرسمية.

– حول الوضع الحكومي، وما اذا كان محصّناً بتماسك مكوناتها ام انّ ثمّة رياحاً تهبّ في اتجاهه جعلته عرضة للاهتزاز. وثمّة معلومات تشير الى تحضيرات لتعليق جانب من الجلسة على التوتر الكهربائي العالي، وذلك ربطاً بالنفور في العلاقة على خَطّي وزارتي المال والطاقة على خلفية بعض القرارات الكهربائية التي أثير التباس حولها، وكذلك على خلفية تلزيم البواخر الكهربائية التي تحدثت وزارة المالية عن تلزيم بمبالغ خيالية. وعُلم أنه ستكون لوزير المال علي حسن خليل محطة كلامية مطوّلة في الشأن الكهربائي.

– حول أسباب الاشتباك الامني بين الثنائي الشيعي وتيار المستقبل وأبعاده وحجمه على تعيينات في قوى الامن الداخلي شملت تعيين الرائد ربيع فقيه رئيساً لفرع الامن العسكري في فرع المعلومات، والعقيد علي سكيني قائداً لمنطقة الشمال في وحدة الدرك الإقليمي.

وكذلك حول حقيقة وموجبات ما قيل عن وقف صرف الأموال السرية الى فرع المعلومات من حسابات الخزينة العامة عبر وزارة المالية، وكذلك حول موجبات ابعاد موظفين (في المالية) محسوبين على المستقبل (إلحاق مراقب الضرائب الرئيسي الملحق بدائرة كبار المكلفين في مديرية الواردات طارق برازي بمديرية المحاسبة العامة ليقوم بالمهام التي يتمّ تكليفه بها، وإلغاء تكليف مصباح بو عرم برئاسة دائرة المراقبة الضريبية والاستردادات في مديرية الضريبة على القيمة المضافة وإعادته الى مركز عمله الرئيسي قبل المناقلات الأخيرة كمراقب ضرائب رئيسي في مجموعة درس في دائرة التدقيق الميداني).

وفي المعلومات، أنّ رئيس الجمهورية تبلّغ الإجراءات الأخيرة بتفاصيلها، وقالت مصادر متابعة للملف لـ«الجمهورية» إنّ حلّه لن يكون الّا سياسياً، وينتظر عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت كونه المرجعية السياسية لعثمان الذي بدأ يشعر أنّ هناك مشكلة في الخطوتين اللتين يمكن أن يتخذهما.

فإذا بقي عند قراره سيحوّل قوى الامن الداخلي جهازاً شبيهاً بأمن الدولة الذي بقي مشلولاً في زمن الخلاف، وإذا تراجع عن هذا القرار سيؤثر في معنويات المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، إذ لم يمض شهران على تسلّم مهماته فيها، لذلك ترى المصادر انّ الامور وصلت الى حائط مسدود في انتظار الحلحلة السياسية التي لن تحصل إلّا بعد اجتماع بين الحريري وبري.

وأوضحت المصادر أنّ سكيني الذي عيّنه عثمان قائداً لمنطقة الشمال في وحدة الدرك الاقليمي ليس مشكلة بين الطرفين كما يُشاع، فالخلاف شبه محصور في التعيين داخل فرع المعلومات، وفي اعتبار حركة «أمل» أنّ خطوة عثمان هي انقلاب على التوافق المسبق بينهما، والذي درجت عليه العادة بين القوى السياسية عند التعيينات والتشكيلات لتجنيب الاجهزة الأمنية الخلاف والتجاذب.

– حول الملف الانتخابي، وما اذا كان هناك توجّه جدي لإنتاج قانون انتخابي سواء قبل 15 نيسان الجاري، او قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في حزيران المقبل؟ وحول ما اذا كان المواطن ومعه البلد ضحيّة لعبة قتل للوقت يُراد منها إعدام اي فرصة لإنتاج القانون العادل الذي ينصف كل المكونات السياسية وغير السياسية في البلد؟ وحول ما اذا كان القرار قد اتخذ في غرف ضيقة لدخول البلد في تمديد جديد لمجلس النواب، سواء بعنوان تقني أو غير تقني؟

– حول كثير من الشؤون والشجون، ليس آخرها عودة ظاهرة الفلتان واللصوصية في أكثر من منطقة، على نحو ملحوظ في الآونة الاخيرة، مع ما يرافقها من قلق وخوف لدى الناس على أنفسهم وأرزاقهم.

والأمثلة كثيرة عن الاشكالات والمطاردات المسلحة والمداهمات الامنية لأوكار الخارجين على القانون، والتي يسقط خلالها شهداء من القوى الامنية الرسمية. وقبل كل ذلك جواب عمّن يغطّي هذا الفلتان ومظاهره الشاذّة، وعمّن لا يسمح برفع الغطاء عنهم؟

تلك الاجوبة مطلوبة من الجلسة، ولعلّ البيان المنتظر أن يتلوه رئيس الحكومة سعد الحريري يحمل، مع المناقشات النيابية التي ستدور حوله، بعضاً من تلك الاجوبة. الّا اذا دارت الجلسة – كما هو متوقّع لها – في الفلك الخطابي المرئي والمسموع، الذي يلفّ ويدور حول العناوين والشكليات والمصلحيات والخصوصيات وعرض العضلات، ولا يلامس أصل المشكلة وجوهرها.

أجواء تمهّد للتمديد

على أنّ مصادر سياسية تحاول ان تبقي بصيص أمل من هذه الجلسة، إذ في تقديرها انّ الجلسة يمكن أن تخلق مناقشاتها تمهيداً للتمديد لمجلس النواب تحت مسمّيات مختلفة، تقنية أو موقتة، علماً انّ نتيجته واحدة هي التمديد للمجلس النيابي.

لكن أمام هذا الموضوع عدة عقبات لا تقلّ عن العقبات التي تواجه وضع قانون جديد، أبرزها انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يزال يرفض فكرة التمديد جملة وتفصيلاً ولا يريد ان يحدث ذلك، لأنه يمسّ بانطلاقة العهد وما ينتظره منه الرأي العام.

وفي هذا السياق، نقل الوزير السابق سجعان قزي، الذي زار بعبدا أمس، أنه لمس حرص عون على اللعبة الدستورية في ما خصّ القانون الجديد للانتخابات ورفض التمديد والفراغ في آن، «وهذا يؤكّد أنّ هناك من يذكّرنا بأننا نعيش في دولة لها دستور ومواعيد دستورية».

وتلاحظ المصادر السياسية انّ بري «لا يقبل بالتمديد حسب تصريحه الأخير إلّا اذا كان هناك اتفاق مُسبق على القانون الجديد. لكن هناك فارقاً استَجدّ هو أنه بات يقبل بالاتفاق على الخطوط العريضة لقانون انتخاب عوض الاتفاق على قانون كمشروع ناجز».

وتقول المصادر نفسها: «في هذه الاجواء هناك طرفان يتابعان ما يجري: الاول هو المرجعيات الدولية من أمم متحدة واتحاد أوروبي ودول مانحة التي تصرّ على ان يحترم لبنان استحقاقاته الدستورية لتشجيع الدول المانحة على مساعدته في كل المجالات، والثاني هو الرأي العام اللبناني. ولا يُستبعد في هذا الاطار ان يحصل تحرّك في الشارع ضد التمديد على غرار ما حصل ضد فرض الضرائب.

مكانَك راوح

سياسياً، لم تبرز ايّ مؤشرات حول دوران العجلة الانتخابية في اتجاه إنتاج قانون في الايام القليلة المقبلة، بل ان يبدو هذا الوضع مأسوراً في دائرة المراوحة السلبية.

ووسط هذه الاجواء إنعقد في بروكسل مؤتمر المانحين لسوريا، بمشاركة رئيس الحكومة، ولكن من دون بروز ما يشجّع على اعتماد الطرح اللبناني بالعودة الآمنة للنازحين وبخلق مناطق آمنة. والابحاث تركزت على رفع نسبة الاموال التي تدفع للبنان لاستيعاب النازحين وإيجاد وظائف لهم في إطار مشاريع استثمارية.

وعلى الصعيد الانتخابي، جَزم معنيّون بالشأن الانتخابي لـ«الجمهورية» أن لا أحد تحدّث مع أحد في الموضوع الانتخابي منذ ايام، والعُقَد على حالها من دون ايّ حلحلة، ومن شأن هذا أن يُضعف الامل في إمكان نضوج قانون جديد في المدى المنظور أو قبل 15 نيسان الجاري.

وحول مَكمن العقدة الحقيقية التي تعطّل الوصول الى قانون، أكد هؤلاء المعنيون بأنّ العقدة موجودة في كل مكان، وبمعنى أوضح كل طرف يملك عقدة ويرفض ان يفكّها. وهذا الوضع لا يشجّع على التفاؤل بل يبعث على التشاؤم الذي لا بدّ أنه سيظهر الى العلن قريباً جداً، علماً انّ البلد في هذا الجو المقفل ذاهب بشكل مباشر الى المأزق.

ويؤكد هذا الكلام مرجع سياسي بقوله لـ«الجمهورية»: «نحن نقترب من المأزق الكبير. وخطورة ما نحن فيه، تجعلني أخشى من سلبيات كبرى تتدحرج علينا من باب التمديد او الفراغ، لا أحد ينام على حرير».

بري

وهذا المأزق عبّر عنه بري الذي التقى القائم بأعمال السفارة السعودية وليد البخاري، فكرّر التحذير أمام «نواب الاربعاء» من «انّ الذهاب الى الفراغ هو تطيير للبلد»، معتبراً «أنّ ايّ تفكير لدى البعض او استسهال لهذا الامر يعني المزيد من السقوط والانهيار للمؤسسات». وشدّد على «ضرورة الإسراع في التوافق على قانون جديد للانتخاب اليوم قبل الغد»، محذّراً من سلبيّات الاستمرار في حالة التخبّط والمراوحة.

المطارنة

وفي السياق ذاته، جاء موقف مجلس المطارنة الموارنة الذي حَضّ على «استعجال الوصول الى قانون انتخاب جديد، على أن يتمّ ذلك قبل فوات المهَل الدستورية». وامّا الاساس في القانون كما يراه مجلس المطارنة، فهو «ان يركّز على ضمان عدالة التمثيل لجميع المواطنين على قاعدة العيش المشترك والديموقراطية التي تميّز نظامنا السياسي».

الى ذلك، وفي وقت تُنتظر فيه عودة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لإعادة انطلاق البحث الانتخابي، تحدثت مصادر متابعة للملف الانتخابي أنّ التواصل لم ينقطع بين باسيل والحريري وحركة «أمل» و«حزب الله» الذي بات معلوماً انّ وفداً رفيع المستوى منه سيزور رئيس الجمهورية.

«الحزب»

وفي هذا المجال، كرّر «حزب الله» التأكيد على أنه قدّم ملاحظات جوهرية على صيغة باسيل. وقال مصدر في الحزب لـ«الجمهورية» انّ هذه الملاحظات أُبلغَت شخصياً الى وزير الخارجية جبران باسيل. وجَدّد المصدر تأكيد الحزب على موقفه المبدئي المؤيّد للنسبية مع لبنان دائرة واحدة «إلّا اذا كان هناك تفاهم ما، فلا مانع لدينا في الدوائر المتوسطة».