IMLebanon

فرنسا تختار رئيسها… ماكرون: سنكون في طليعة الحرب على الإرهاب

انتُخِبَ المرشّح الوسطي إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية الفرنسية إثر فوزه على منافسته مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبن، وبذلك يصبح ماكرون (39 عاماً) أصغرَ رئيس في تاريخ فرنسا التي حظيَت الانتخابات الرئاسية فيها هذه السنة بأهمّية كبرى، فهذه المرّة الأولى منذ ستّين عاماً يصل إلى الإيليزيه رئيس لا ينتمي إلى التيارات السياسية الأساسية (اليمين واليسار). وعلى الرغم من الاعتراضات الكثيرة على برنامجه الاقتصادي، إلّا أنّ تمسّكه بالاتحاد الأوروبي ساعَده في الحصول على تعاطفِ الكثير من الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية، وخصوصاً أنّ الانتخابات تسبق انتخابات مهمّة في ألمانيا وبريطانيا.

وقال ماكرون في أوّل خطاب له بعد انتخابه رئيساً: “سأتصدّى للانقسامات” التي تعاني منها فرنسا، مؤكّدا أنّه يدرك “غضَب وقلق وشكوك” الفرنسيين. وأورَد ماكرون من المقرّ العام لحملته في باريس: “أعرف انقسامات أمّتنا التي دفعت البعض الى الاقتراع في شكل متطرّف، إنّني أحترمهم” و”تقضي مسؤوليتي بتهدئة الخوف وبأن نعود الى التفاؤل”.

كذلك، أكّد أنه سيعمل “على إعادة نسجِ العلاقات بين اوروبا والشعوب التي تؤلّفها، بين اوروبا والمواطنين”. ووعَد ماكرون بأن تكون “إعادة الأخلاق” الى الحياة العامة أحد “أركان” عمله بعدما طبعت الحملة فضائح عن وظائف وهمية مفترضة طاوَلت مرشح اليمين فرنسوا فيون ومرشّحة اليمين المتطرف مارين لوبن.

وخَتم الرئيس الجديد خطابه بالقول: “فلنُحبّ فرنسا، سأخدمها بتواضع وتفانٍ وتصميم”. وأكّد أنّ ضمان أمن المواطنين الفرنسيين أمر لا هوادة فيه، كما أكّد أنّ فرنسا ستكون في طليعة المعركة ضد الإرهاب.

وفاز ماكرون بالرئاسة بنسبة تُراوح بين 65,5 % و 66,1 % من الأصوات بحسب نتائج اوّلية. وماكرون الذي لم يكن معروفاً لدى الفرنسيين قبل ثلاث سنوات ويصف نفسه بأنه لا ينتمي “لا الى اليمن ولا الى اليسار” هزَم منافِسته مرشّحة اليمين المتطرف ماريلين لوبن التي نالت بحسب أولى التقديرات 33,9 % إلى 34,5 % في ختام حملة قاسية كشَفت انقسامات عميقة في فرنسا.

ومنِيت لوبن المناهِضة للهجرة ولأوروبا بذلك، بهزيمة كبرى بعدما حقّقت أداءً تاريخياً لحزبها مع اقتراع شهدَ نسبة امتناع عن التصويت عالية (بين 25,3 % و 27 %). وأثارت هذه الانتخابات انتباهاً عالمياً شديداً لأنها اعتُبرت بمثابة اختبار امام تصاعدِ النزعات القومية وبسبب تداعياتها على مستقبل اوروبا، لكن ايضاً بسبب صغرِ سنّ مرشّح لا يتمتّع بخبرة سياسية كبرى.

وفي كلمة ألقَتها أمام مؤيّدين لها، قالت لوبن إنّها هنّأت ماكرون وتمنّت له النجاح. وذكرت رئيسة “الجبهة الوطنية” أنّها لا تَعتبر نتائج الانتخابات فشلاً لحزبها الذي أصبح، وفقاً لها، “أكبرَ قوة معارضة في البلاد”.

وهذه المرّة الثانية في 15 عاماً يصل اليمين المتطرف الذي ما انفكّ يكسب اصواتاً في الانتخابات، الى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. لكن بخلاف ما حدثَ في 2002 بدت التعبئة الشعبية شِبه غائبة وكذلك في صفوف اليسار الراديكالي حيث يَرفض البعض “الاختيار بين الطاعون والكوليرا”. وهذا ما يفسّر ارتفاع نسبة الممتنِعين عن التصويت.

مواقف دولية

وفور إعلان النتائج اعتبَر المتحدّث باسم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، شتيفن سايبرت، انّ انتخاب ماكرون رئيساً “هو انتصار لاوروبا قوية وموحّدة”.

من جهته، اعتبَر وزير الخارجية الالماني سيغمار غابرييل انّ فوز المرشح الوسطي على مرشّحة اليمين المتطرف يدلّ على انّ “فرنسا كانت وستبقى في وسط وقلبِ اوروبا”. ودعا ميركل ووزير مالها فولفغانغ شويبله الى تقديم مساعدة فعلية لماكرون على الصعيد الاوروبي.

وقال إنّ: “انتصار ايمانويل ماكرون ينطوي في ذاته على واجبِِ علينا في المانيا لأنه ينبغي لماكرون ان ينجح. إذا فشل فإنّ السيّدة لوبن ستكون رئيسةً بعد خمسة أعوام وستزول اوروبا”.

وأضاف: “لهذا السبب لا بدّ من إصلاحات في فرنسا، وإيمانويل ماكرون يعلم ذلك، وعلينا نحن الالمان ان ندعَمه حين نُجري إصلاحات، علينا ألّا نُلزم انفسَنا بسياسات تقشّف”. وتابع: “لهذا السبب يجب ان يتوقّف نهائياً زمن التشدّد في الموازنة”.

بدوره، أعلن متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية انّ تيريزا ماي “تهنّئ بحرارة” ايمانول ماكرون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقال المتحدث في بيان إنّ “فرنسا هي احد حلفائنا المقرّبين، ونحن نرحّب بالعمل مع الرئيس الجديد حول مجموعة واسعة من الاولويات المشتركة”.

من جهته، هنّأ رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ماكرون بانتخابه، معتبراً انّ الفرنسيين اختاروا “مستقبلاً اوروبياً”.

كذلك، هنّأ رئيس البرلمان الاوروبي انطونيو تاجاني ايضاً ماكرون، موجّهاً دعوةً الى الرئيس الفرنسي المنتخب للقاء كلّ النواب الاوروبيين. وكتب على تويتر: “نُراهن على فرنسا في قلب اوروبا لكي نغيّر معاً الاتحاد ونُقرّب بين مواطنيه”.

بدوره، هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب السياسي إيمانويل ماكرون على فوزه بانتخابات الرئاسة الفرنسية، وقال إنه يتطلّع للعمل معه. وأضاف: “تهانينا لإيمانويل ماكرون على فوزه الكبير اليوم برئاسة فرنسا. أتطلّع بشدّة للعمل معه”.

مواقف داخلية

من جهةٍ أخرى، أعلن قصر الإليزيه في بيان انّ “الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هنّأ بحرارة، خَلفه وزير اقتصاده السابق ايمانويل ماكرون بفوزه الكبير في مواجهة مرشّحة اليمين المتطرف”. وقال هولاند في البيان: “أجريتُ اتّصالاً هذا المساء بإيمانويل ماكرون لأهنّئه بحرارة بانتخابه رئيساً للجمهورية”.

بدوره، أعلنَ المسجد الكبير في العاصمة الفرنسية باريس بعد فرزِ النتائج أنّ فوز مرشّح الوسط على زعيمة اليمين المتطرف وانتخابه رئيساً لفرنسا علامة على المصالحة بين الأديان في البلاد. وقال المسجد الكبير في بيان: “إنّها علامة واضحة على الأمل للمسلمين الفرنسيين بأنّ بوسعهم العيش في وفاق واحترام للقيم الفرنسية”.

وفي التداعيات المباشرة لنتائج الانتخابات الفرنسية، ارتفعَ اليورو من 1.0998 إلى 1.1010 دولار في أولى تبادلات الأسهم في آسيا.

وبدّد فوز ماكرون خطر خروج فرنسا من منطقة اليورو، رغم انّ الأسواق توقّعت الى حد كبير هزيمة لوبن بعدما توقّعت الاستطلاعات تكراراً تقدّماً كبيراً لماكرون.

ومع وصوله إلى قصر الإليزيه سيكون على ماكرون أن يواجه فوراً الملفات الأكثر سخونة، من بريكست الى ازمة الهجرة مروراً بأزمتي كلّ من سوريا وأوكرانيا. وستفرض الأجندة الدولية نفسَها فور تنصيبه، مع قمّة حِلف شمال الاطلسي في 25 ايار في بروكسل، تليها قمّة الدول السبع في إيطاليا، والقمّة الشهرية الأوروبية في حزيران وقمّة الدول العشرين في تمّوز في ألمانيا.

إلى ذلك، فإنّ الحماسة التي أبداها ماكرون خلال الحملة الانتخابية في ما يختص بمصير فرنسا “الاوروبية” قد ساعدته في الحصول على تعاطفِ الكثير من الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية. فهو يعتزم عَقد “مؤتمرات ديموقراطية” في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات الألمانية في خريف 2017، بهدف التوصّل إلى وضعِ مشروع تتبنّاه جميع الدول الراغبة بذلك.

وهو يدعو إلى إنشاء ميزانية وبرلمان لمنطقة اليورو، مع استحداث وزير للمالية خاص بها. ويَعتزم تخفيض المهلة المسموح بها لإقامة عامل أجنبي من الاتحاد الأوروبي في فرنسا إلى سنة فقط، كما يدافع عن اتفاقية “سيتا”.

الشرق الأوسط والهجرة

كذلك، يتطلع المراقبون في أوروبا كثيراً إلى ما يمكن أن تحمله نتائج الانتخابات الفرنسية على مستقبل التسوية في سوريا.

فماكرون يستند في موقفه من الشأن السوري على قواعد موقفِه من روسيا. فهو يعتبر أنّ “فرنسا وروسيا لا تتشاركان بنفس القيَم”، لكنّه لا يمانع من إحداث تعديل على سياسة العقوبات ضد روسيا إذا ما جاء ذلك في سياق تنميةِ السِلم مع موسكو.

ولا يتمسّك ماكرون بالموقف الحالي الفرنسي الداعي إلى رحيل الأسد، إذ إنه لا يمانع في التعامل مع الأمر الواقع الحالي والقبول ببقاء الأسد “من ضمن عملية انتقالية استراتيجية”، وفق تصريحاتٍ سابقة له.

لكنّه يصف النظام السوري بأنه متعطّش للدماء ويَعتبر أنّ سلوكه في حلب يمثّل “أكبر فظاعات القرن” ويطالب الأمم المتحدة بالتدخّل لدواعٍ إنسانية. ويعتبر أنّ أيّ حلّ لإعادة إعمار سوريا يتطلّب تدخّلاً دولياً يجب على القوى الغربية أن تكون أساسية داخله.

وفي ملفّ الهجرة، يتعهّد المرشح الوسطي بالنظر في طلبات اللجوء في أقلّ من ستة أشهر، بما يشمل طعون الاستئناف. (التفاصيل ص 14-15)