IMLebanon

مانشيت:«السلسلة» تُربك الجميع.. وحِراك شعبي يُعكِّره مُندسُّون

تحوّلت سلسلة الرتب والرواتب كرة نار، آخذة في التدحرج على كل المشهد الداخلي، مُولّدة إرباكاً على كل المستويات السياسية والحكومية والمطلبية. ما طرح في زحمة الوقائع المتسارعة السؤال عن ايّ احتمالات يقف البلد على حافتها؟ فيما بَدا أنّ القوى السياسية على اختلافها لا تملك الحل للمعضلة الراهنة في الوقت الذي تتمسّك بشعارات وعناوين صدامية تستدعي مثلها. فيما اغتنم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط لإلباس نجله تيمور كوفية الزعامة الجنبلاطية وسط حشد سياسي وشعبي كبير غصت به المختارة.

كان التجمّع الجماهيري في ساحة رياض الصلح أمس، مطالبةً بإقرار السلسلة، الحدث الذي وَلّد جملة علامات استفهام حول بعض ما رافقه من مشاهد لا تنسجم مع الهدف المعلن، وهو الحصول على السلسلة.

حراك متداخل لا يجتمع على كلمة سواء، مُنطلق من خلفيات مختلفة. كلّ يغني على مطلبه، في الوقت الذي برزت فيه مشاهد شاذّة بَدت واضحة في الوجوه المقنّعة التي دخلت على خط الحراك وتسللت بين المعتصمين، في محاولة تبدو وكأنها مسعى خبيثاً لجرّ التظاهرة، وبالتالي الوضع، الى منحدر مفتوح على سلبيات قد لا تحصى.

وبَدا للمراقبين انّ الاوضاع سائرة في اتجاه جولة جديدة من الاضطراب سيحاول البعض خلالها التفلّت من التزامات والهروب من استحقاقات.

وفي اعتقاد مصادر معنية بالاستحقاق النيابي انّ البلاد ما تزال امام فرصة لإقرار قانون انتخاب جديد، بغضّ النظر عن المهل الانتخابية، إذ انه قياساً على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وسَير البلاد بعده من إنجاز الى آخر لا بدّ من ان يتم إقرار قانون انتخاب لأنّ الرهانات البديلة لدى ايّ فريق ليست من المتانة التي تطغى على أهمية قانون الانتخاب.

وتوقعت هذه المصادر ان يتفاعل الموقف الذي أعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في شأن قانون الانتخاب ودعوته الجميع الى تقديم تنازلات في هذا الاتجاه، خصوصاً انّ ايّ تمديد يمكن ان يطرح للمجلس النيابي لا يمكن السير به ما لم يكن تقنياً مستنداً الى قانون انتخابي اتّفق عليه او هو في طور الاتفاق عليه ولن يكون هناك تمديد للمجلس في المطلق.

ولاحظت مصادر سياسية مواكبة للحراك أمس انّ نقاطاً اساسية رافقته، أبرزها:

اولاً، إلتقاء منظمات من المجتمع المدني وأحزاب وقوى سياسية متباعدة في السياسة على الدعوة الى التحرّك. وبذل المشاركون جهوداً صعبة جداً للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة من خلال لجنة تحضيرية اجتمعت مرّات عدة خلال اليومين الماضيين من دون ان تتمكن من الاتفاق على قراءة مشتركة للمطالب، فانتهى الامر باتفاق عمومي على رفض الضرائب واختلاف حول البدائل استدعى اتصالات مكثفة للخروج ببيان في ختام التحرك للاتفاق على أن يكون البديل وقف الهدر والفساد وضريبة على أرباح المصارف لا تطاوِل المودعين.

ثانياً، لوحظ انّ مجموعات ملثّمة دخلت على الخط في سيناريو مشابه لما شهده الحراك المدني ضد النفايات. وعلى رغم انّ المنظّمين عملوا منذ ما قبل بدء التحرك على محاولة تلافيه، إلّا انهم فشلوا في ذلك ما أدى الى استهداف القوى الامنية ببعض المفرقعات والعبوات البلاستيكية والعصي ومحاولة اجتياز الحواجز الحديدية.

ثالثاً، بروز عودة الحركات اليسارية الى الساحة اللبنانية في الوقت الذي انقرضَ اليسار في العالم، ما يُعدّ ظاهرة استثنائية في لبنان.

رابعاً، برزت في الحراك أمس جمعيات غير حكومية هي نفسها التي حاولت في الحراك السابق النزول الى الشارع يدعمها بعض السفارات.

خامساً، بروز عدد من المطالب، ففي حين طالب بعض المتظاهرين بالسلسلة في منأى عن موضوع الضرائب، طالب آخرون بعدم دفع الضرائب بغضّ النظر عن إقرار السلسلة، بينما طالب طرف ثالث بإقرار السلسلة بلا ضرائب، لكنّ اللافت انّ هناك قوى كانت تطالب بفرض ضرائب على الاغنياء وبعض القطاعات الاقتصادية واستثناء الطبقات المعوزة.

سادساً، حاول رئيس الحكومة تَلقّف كرة النار لعلّه يتمكن من استيعابها واحتوائها وفتح حوار مع المتظاهرين، لكنّ محاولته باءت بالفشل. فعوض ان يلتقط المتظاهرون هذه المناسبة الديموقراطية التي أبداها الحريري أطلقوا هتافات معادية ورشقوا موكبه بزجاجات المياه الفارغة والحجارة والعصي، ما يكشف وجود نيّات مبيّتة غير حوارية، بل تصعيدية لدى بعض أطراف الحراك.

سابعاً، إتصالات سياسية رافقت الحراك بين القوى السياسية والحزبية المشاركة في الحكومة في محاولة لصوغ خطة مشتركة لمواجهة خصومهم ومنعهم من الاستفادة من الحراك الشعبي لتعزيز مواقعهم الانتخابية في ظل الموجة الشعبية الرافضة للضرائب واتجاه بعض القوى والاحزاب الى الانقلاب على مواقفها السابقة بدعم الضرائب والموازنة التي اقرّتها الحكومة.

ثامناً، إلغاء رئيس مجلس النواب نبيه بري سفره الى المغرب وهو ما ربطه البعض بخريطة الطريق التي كان قد أعلنها، والتي تعتبر خطته لإعادة الامساك بزمام المبادرة في رسالة ضمنية الى الحكومة والعهد في اعتباره الضمان السياسي لهما.

تاسعاً، إتخاذ الدولة استعدادات أمنية كثيفة اكثر من المرات السابقة وكأنها كانت تتوقع حصول تفاعلات. لكنّ المميّز انّ القوى الامنية تعاطت مع المتظاهرين حضارياً ولم ترد على ايّ تطاول عليها، سواء بعد رشقها بالحجارة او بتوجيه مفرقعات نارية صوبها.

واذا كان هدف الحراك إعادة النظر في الضرائب والسلسلة، فالأمر سينتهي قريباً، فحسب معلومات «الجمهورية» أّن الدولة ستعيد النظر في نوعية الضرائب ومصادر الايرادات لتمويلها، علماً انّ هناك مَن بدأ يتحدث عن إمكان إرجاء إقرار السلسلة الى ما بعد الانتخابات النيابية في وقت لم يقرّ بعد قانون انتخابي جديد.

فإذا كان صحيحاً انّ هناك اتجاهاً لاعتماد هذا القرار، فالأمر خطير جداً كونه يربط السلسلة بموعد غير موجود، لأن لا أحد يعرف حتى الآن متى ستحصل الانتخابات النيابية، لذلك الدولة اليوم مدعوّة الى معالجة الموضوع بدقة، وإلّا فإنّ لعبة الشارع تتخطّى اللعبة السياسية، وهذا أمر ليس بالمحمود في بداية عهد وضع اللبنانيون فيه آمالاً كثيرة نظراً الى شخصية رئيس الجمهورية من جهة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وفي وقت استعاد المجلس النيابي نشاطه التشريعي.

رياض الصلح

وكانت ساحة رياض الصلح على موعد أمس مع تظاهرة شعبية ستتجدد بعد غد، رفضاً لسياسة فرض الضرائب ودعماً لإقرار السلسلة ووقف مزاريب الهدر والفساد.

وشارك في التظاهرة والاعتصام عدد من الأحزاب والجمعيات ومواطنون، قبل أن يعلن حزب الوطنيين الاحرار والحزب التقدمي الاشتراكي و«14 آذار – مستمرون» انسحابهم «بعد افتعال عدد من الملثّمين إشكالات ومواجهات مع القوى الامنية». كذلك أعلن حزب الكتائب انتهاء التظاهرة بعد انتهاء الوقت الذي كان حدّده للمشاركة فيها، بانتظار اعلان موعد جديد لتظاهرة أخرى.

وتخلل التظاهرة والاعتصام هرج ومرج بين المتظاهرين، واندلعت أعمال شغب خلال ظهور بعض الملثّمين الذين تصادموا مع القوى الأمنية ورمى البعض زجاجات المياه الفارغة والمفرقعات النارية في اتجاه القوى الامنية وتمكّنوا من إزالة الحواجز الحديدية عند مدخل شارع المصارف.

الحريري وسط المتظاهرين

وقد ارتفع منسوب التوتر في الشارع عقب ظهور رئيس الحكومة سعد الحريري بين المتظاهرين مخاطباً إيّاهم، قبل ان يدعوهم عبر «تويتر» الى تشكيل لجنة ترفع مطالبهم «لمناقشتها بروح إيجابية». ورمى بعض من في الشارع الزجاجات والعصي في اتجاه الحريري خلال إلقاء كلمته، ما دفعه إلى الإنسحاب سيراً في اتجاه السراي الحكومي.

وأثارت حادثة التعرض للحريري ردود فعل مستنكرة خصوصاً في الوسط السياسي السنّي، وفي هذا الصدد، قال الرئيس نجيب ميقاتي: «حق التظاهر والتعبير عن الرأي مشروع وندعمه، أمّا التعرض لمقام رئاسة مجلس الوزراء وشخص دولة الرئيس سعد الحريري فأمر مرفوض ومستنكر».

وقال الوزير السابق أشرف ريفي إنّ «الإساءة التي تعرّض لها الرئيس سعد الحريري ومقام رئاسة الحكومة مرفوضة وتأتي من الجهات نفسها التي أرادت تشويه صورة التحرك الشعبي وإجهاض أهدافه».

«14 آذار»

وقال مصدر قيادي في أمانة سر«14 آذار – مستمرون» لـ«الجمهورية»: «إنّ عودة ناشطي 14 آذار الى الشارع للمرة الأولى منذ سنوات يعتبر رسالة الى من يهمهم الأمر بأنّ مرحلة جديدة من مراحل معركة استعادة السيادة الكاملة للدولة اللبنانية بدأت».

وأضاف: «انّ 14 آذار – مستمرون»، تعتبر انّ المرافق الحيوية التابعة للدولة اللبنانية، وفي مقدمها المرفأ والمطار والحدود البرية التي تعتبر الممر الاجباري للاستيراد، وبالتالي للجباية الجمركية خاضعة لوصاية غير شرعية تُفقد الدولة 700 مليون دولار سنوياً باعتراف وزير المال نفسه. كما انّ تقريراً نشر الاسبوع الماضي يشير الى انّ التهرّب الضريبي في لبنان يُفقد الدولة ما يزيد على المليار و200 مليون دولار.

انّ استعادة الدولة سيادتها الكاملة غير المنقوصة يحلّ مشكلة السلسلة ويخفّض العجز في الموازنة من دون ايّ ضريبة جديدة، وهذا هو عنوان المعركة السيادية المقبلة لـ 14 آذار بالتعاون مع كل من يرغب خوض هذه المعركة المُحقّة».

مرجع أمني

وأبدى مرجع أمني ارتياحه الى التدابير التي رافقت الحشد الشعبي، وأشاد بالروحية التي تحلّت بها القوى الأمنية التي كلفت أمن الساحة والمتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة.

وقال لـ«الجمهورية»: «انّ حكمة هذه القوى وصبرها حالا دون ايّ إشكال يذكر، ذلك انّ المتظاهرين كانوا في قمة الرقي في ممارسة حقهم طوال النهار، وكانوا وديّين تجاه القوى الأمنية وعبّر أكثر من مسؤول حزبي عن احترامه لهذه القوى وفهمه للمهمة التي كلّفوا بها وشكّلوا قبل الظهر ما يمكن اعتباره سَداً بين المتظاهرين والقوى الأمنية على رغم عدم الحاجة اليه.

ولكنّ اندِساس بعض الشبّان الذين لا يشبهون ايّاً من المتظاهرين في صفوفهم عَكّر صفو الأمن، والمراجع المعنية تعرفهم فرداً فرداً وقد اعتادت عليهم الساحة سابقاً عندما كانوا يتسللون اليها من شوارع قريبة منها ومحيطها، وباتت أسماؤهم وصورهم في عهدة الأجهزة الأمنية التي تنتظر قرارات المرجعية الأمنية لمحاسبتهم».

ونفى المرجع «أن يكون هؤلاء قد شكّلوا ايّ خطر أمني على المتظاهرين او على سلامة الحريري الذي زارَهم في مبادرة كان يجب ان تلقى ترحيبهم بدلاً من رَشق الموكب بالقناني الفارغة والشعارات».

الى القاهرة

على صعيد آخر يتوجه الحريري ووفد وزاري اقتصادي ومالي وسياحي الى القاهرة مساء غد لترؤس الجانب اللبناني من أعمال اللجنة المشتركة اللبنانية ـ المصرية على مدى يومين.

باسيل الى واشنطن

من جهته، يتوجّه وزير الخارجية جبران باسيل غداً الى واشنطن للمشاركة في اجتماع لممثلي دول الحلف الدولي ضد الإرهاب. وعلمت «الجمهورية» انّ ممثلي 40 دولة سيشاركون في هذا الاجتماع لمناقشة التطورات الخاصة بالمواجهة المفتوحة التي يخوضها الحلف مع الإرهاب في العراق وسوريا ومختلف القارات والدول التي طاولتها أعمال ارهابية مختلفة.

وسيعقد باسيل في واشنطن لقاءات رتّبها المستشار الرئاسي السفير عبد الله ابو حبيب، الموجود هناك منذ اسبوعين، مع المسؤولين الكبار في الخارجية ومسؤولين آخرين في مجلس الأمن القومي وعدد من رؤساء وأعضاء لجان الكونغرس الأميركي.

المشنوق

الى ذلك،علمت «الجمهورية» انّ وزير الداخلية نهاد المشنوق سيزور قصر بعبدا قبل ظهر اليوم للبحث في مشروع المرسوم الذي أعدّه لتوجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية المقبلة الذي اقترح تجديد الدعوة إليه يوم الجمعة الفائت.