IMLebanon

4 رسائل إرهابية وتنديد عالمي وتخوُّف أميركي من هجمات في «4 تموز»

الإرهاب يهزّ الأمنَ العالميّ مجدّداً، موَجِّهاً رسائله في كلّ الاتجاهات. رسالة إلى دوَل الخليج، عبر الكويت هذه المرّة، بأنّ إصرارَها على مواجهة «داعش» سيُعرّض استقرارَها للخطر. رسالة إلى كلّ المسلمين بأنّ التلاقي السنّي-الشيعي ممنوع، وأنّ المرغوب هو الفِتنة والمواجهة المذهبية المفتوحة من أجل ترسيم الدوَل على قواعد مذهبية لا وطنية. رسالة إلى تونس بأنّ تجربتَها الديموقراطية ليست موضعَ ترحيب، بل يجب إجهاضها والعودة إلى التشَدّد الديني لا الانفتاح الذي تُرجِم بتعاون الاعتدال والمجتمع المدني. رسالة إلى الغرب، وتحديداً أوروبا، بأنّ الردّ على إرسال قوّاته لمواجهة التنظيمات المتطرّفة سيكون في عقر دارِه. وإذا كان الإرهاب طالَ هذه المرّة الكويت وتونس وفرنسا، فإنّه سيَطال غيرَها في المرّات المقبلة، في ظلّ إصرار هذا العقل التخريبي على ضربِ الاستقرار أينما استطاع. وفي كلّ مرّة تتصاعد فيه الأعمال الإرهابية تتصاعد معها الدعوات الدولية لمواجهته واجتثاثِه، فيما الوقائع على الأرض غير مطَمئنة، لأنّه على رغم التعبئة الدولية ما زالت التنظيمات الإرهابية قادرةً على تسديد ضرباتها، الأمرُ الذي يحَتّم إعادةَ تزخيم خطَطِ المواجهة وتجديد الإجراءات المطلوبة وتشديدها، فضلاً عن أنّ المواجهة الأساسية تبدأ بإطفاء الأزمات المشتعلة في المنطقة بدءاً مِن الأزمة السورية التي رفعَت مِن منسوب الإرهاب بشكلٍ غير مسبوق، مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن، وإيجاد الحلول لكلّ الملفات الساخنة، وفي طليعتِها النووي الإيراني والصراع العربي-الإسرائيلي الذي سَجّلَ أمس خطوةً لافتة تمثّلت في توقيع الفاتيكان اتّفاقاً ثُنائيّاً مع السُلطة الفلسطينيّة، دعَمَ فيه حَلّ الدولتَين للقضيّة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة، وفيها اعترافٌ ضمنيّ بدولة فلسطين.

تأهُّبٌ أمنيّ واستنفار ديبلوماسي وسياسي بعد يوم إرهابيّ دمَوي بامتياز، حيث تنَقّلَ الإرهاب أمس في فرنسا وتونس والكويت حاصداً مزيداً من القتلى والجرحى، فيما رفعَت إسبانيا وإيطاليا مستوى الإنذار من هجمات إرهابية.

وتوقّفَت مصادر أمنية دولية عبرَ «الجمهورية» أمام تزامنِ العمليات الإرهابية في يوم الجمعة في رسالةٍ دينية بامتياز، ورأت أنّ هذا التزامن ليس وليدَ الصدفة، بل هو مخطّط له وعن سابق تصَوّر وتصميم، وتوقّعَت أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من العمليات الإرهابية في أماكن عدّة في شهر رمضان، تلبيةً للنداء الذي وجّهه المتحدّث باسم «الدولة الإسلامية» أبو محمد العدناني أخيراً ودعا فيه المسلِمين «في كلّ من العراق ولبنان والسعودية، إلى الثورة على حكّامهم»، قائلاً إنّ «أفضل القربات إلى الله الجهاد.. ولا يعدل الجهادَ في رمضان جهادٌ في غيره»، وأضاف: «هبّوا أيّها المجاهدون.. إجعلوا شهرَ رمضان شهر وبالٍ على الكافرين.» وقد توَعّدَ العدناني في ندائه الرئيسَ الأميركي باراك أوباما، بمزيدٍ مِن «النكسات».

مصادر ديبلوماسية

من جهتِها ذكرت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ العمليات الإرهابية التي حصلت أمس في فرنسا وتونس والكويت جاءت بعد التراجع العسكري الذي منِيَت به «داعش» وجبهة «النصرة» في الأيام الماضية في سوريا أمام الأكراد، بعدما كانت توسّعَت على حساب التنظيم السوري في الأشهر الماضية، وبالتالي فإنّ هذه التنظيمات الإرهابية تستهدف الغرب على خلفية اتّهامه بدعم الأكراد.

كذلك لفتَت المصادر إلى أنّ «داعش» هدفَت مِن أعمالها التفجيرية أمس والتي تأتي عشيّة الاتفاق المزمَع عقدُه بين دوَل الغرب وإيران في شأن برنامجها النووي، توجيهَ رسالةٍ إلى العالم بأنّ توقيع الاتفاق لا يعني أنّ مشاكلَ الغرب قد انتهت مع تراجعِ الخطر النووي، بل إنّ الأمن والاستقرار في مجتمعاته والمنطقة، في يد التنظيم.

وأكّدت المصادر الديبلوماسية أنّ ما حدثَ ليس مفاجئاً، لأنّ الأجهزة الغربية تملك معلومات مفادُها أنّ «داعش» وتنظيمات متشدّدة وتكفيرية أخرى تحَضّر لعمليات إرهابية في أوروبا، وهي قد قبضَت على عدد كبير من أفرادها.

3 تفجيرات في يوم واحد

وكان مسَلسل الإرهاب شملَ أمس فرنسا التي لم تنسَ بعد هولَ جريمة «شارلي إيبدو»، فقُتِل شخصٌ وسَقط عدد مِن الجرحى في هجوم نفّذَه إرهابيّ يَحمل راية «داعش» في مصنعٍ للغاز قربَ ليون شرق البلاد قبل توقيفه، مروراً بالكويت حيث تبَنّى «داعش» مسؤولية تفجير انتحاريّ استهدفَ مسجد «الإمام الصادق» للشيعة بمنطقة الصوابر أثناءَ أداء صلاة الجمعة، أوقعَ حوالي 25 ضحيّة و202 جريح، كما ذكرَت وكالة «كونا» مساءً، وصولاً إلى تونس التي قتِل فيها 37 شخصاً من بينِهم سيّاحٌ أجانب، وأصيبَ آخرون بجروح في هجوم إرهابي نفّذَه مجهولون على فندقَين متجاورَين في ولاية سوسة الساحلية، وهو الهجوم الإرهابي الثاني الذي تشهَده البلاد بعد الهجوم المسَلّح على متحف «باردو» في شهر آذار الماضي والذي تبنّته «داعش» وأسفرَ عن مقتل 21 سائحاً.

وندَّد البيت الأبيض بالهجمات التي وقعَت في فرنسا وتونس والكويت، معرباً عن تضامنِ الولايات المتحدة مع هذه الدوَل والوقوف إلى جانبها لتقديم كلّ مساعدة ممكنة، وأكّد أنّ «الإرهاب لا مكانَ له في أيّ مجتمع، والولايات المتحدة ستواصِل العملَ في شكل وثيق مع شركائها الدوليّين للتصدّي لمرتكبيه واحتواء التشَدّد العنيف في كلّ أنحاء العالم».

غير منسَّقة

وبدورِها أشارَت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنّه لا «يوجد دليل حتى الآن على أنّ الهجمات التي حدثَت في فرنسا والكويت وتونس كانت منسَّقة».

وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إنّ الهجمات ما زالت تخضَع للتحقيق، لكن حتى الآن «لا يوجد مؤشّر إلى مستوى التكتيك يفيد بأنّها منسّقة»، وأضاف: «مِن الواضح أنّها كانت كلّها هجمات إرهابية».

مخاوف مِن هجمات في 4 تمّوز

وفي السياق نفسِه أصدرَت أجهزة الأمن الأميركية تحذيراً مِن «تهديدات إرهابية محتمَلة» قد تستهدف «يوم الاستقلال» في الرابع من تمّوز المقبل، بحسب ما أكّد مسؤولون أمنيّون لـ CNN.

والتحذير المشترَك صَدر عن وزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، والمركز الوطني لمحاربة الإرهاب، ضمنَ نشرةٍ استخباراتية، تمَّ توزيعها على مختلف الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة.

ولم تتطرّق النشرة إلى تهديد أو مخطّط بعينِه، وإنّما تضمّنَت تحذيراً عامّاً من تهديدات محتمَلة، وأشارت إلى أنّ عناصر متشدّدة قد تقوم بتنفيذ هجمات خلال «يوم الاستقلال»، أو للرد على الرسوم التي اعتبِرت «مهينة» للنبي محمد.

وكانت المحطة قد ذكرَت في تقرير لها قبل عدّة أسابيع، أنّ مسؤولي الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة يَعتبرون أنّ التهديدات الإرهابية، مِن قبَل «الإسلاميين المتشَدّدين»، التي تواجهها الولايات المتحدة، هي الأكبر منذ سنوات.

ويَخشى مسؤولو الأجهزة الأمنية من «هجمات محَلّية محتملة» قد تستهدف عطلة «يوم الاستقلال» في الرابع من الشهر المقبل، أو زيارة البابا فرانسيس للولايات المتحدة.

مصدر عسكري

في الموازاة، مضى الجيش اللبناني قدُماً في مواجهة المخطّطات الإرهابية، وليس آخرَها إحباطه محاولةَ مجموعة إرهابية مسلّحة التسَلّلَ مِن جرود عرسال باتّجاه البلدة، موقِعاً في صفوف المسلّحين قتيلين.

وأكّدَ مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ «المجموعة التي حاولت التسَلّل إلى عرسال مؤلّفة مِن 6 مسلحين، قتِل 2 منهم وهما سوريَّا الجنسية، ووُضِعَت جثتاهما في مستشفى رأس بعلبك، فيما هربَ البقيّة، وقد صادرَ الجيش الأسلحة التي بحوذتِهم»، لافتاً إلى «تشديد الطوق على المسلحين في الجرود، واتّخاذ كلّ التدابير التي من شأنها حماية عرسال». وأوضَح المصدر أنّ «الجيش نجَح في إحباط كلّ عمليات التسَلّل، ويمسِك الجبهة المتاخمة لمراكزه حيث شَدّد إجراءاته على رغم تراجع حِدّة المعارك في القلمون».

بدَوره، صَدَّ «حزب الله» محاولةَ تسَلّلِ مجموعةٍ مسَلّحة إلى الأراضي اللبنانية بين جبَلَي العلالي والأبيض على السلسلة الشرقية في جرود معربون غربي بلدة طفيل عند الحدود اللبنانية السوريّة، ما أدّى إلى وقوع 7 قتلى وعدد من الجرحى في صفوف المسلحين وتراجعِهم نحو الأراضي السورية.

إستنكار وتضامن

وفي خضَمّ التطورات الخارجية المتسارعة، لم تجِد أزمة لبنان الرئاسية والتشريعية والحكومية طريقَها إلى الحلّ، وقد سارَع مسؤولوه إلى استنكار التفجيرات الإرهابية في فرنسا وتونس والكويت، معلِناً التضامن والتعاطف. وفي هذا السياق، أبرقَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى أمير الكويت والرئيس التونسي مستنكِراً جريمةَ التفجيرَين الإرهابيين.

سلام

ووصفَ رئيس الحكومة تمّام سلام تفجيرَ الكويت بأنّه «عملٌ دنيء يَهدف إلى زرع الفتنة في الصفّ الوطني الكويتي». وقال: «إنّ هذا العمل الدنيء الذي سبقَته جريمة مماثلة في مدينة الدمّام السعودية قبل أسابيع، يُظهِر إصرارَ قوى الظلام على متابعة مخطّطِها الرامي إلى بثّ الفرقة وزرعِ الفتنة في المجتمعات العربية، والضرورةَ القصوى لالتزام أعلى درجات اليقظة والتصَدّي القوي والحازم للإرهاب بكلّ الوسائل المتاحة، وأوّلها سلاح الوحدة الوطنية».

الحريري

واعتبرَ الرئيس سعد الحريري أنّ «الاعتداءات الإرهابية التي تناقلَتها الأخبار من الكويت وفرنسا وتونس، حلقةٌ جديدة في مسلسَل خطير ومشبوه، لا وظيفةَ له سوى الإساءة إلى الإسلام والنفخِ في رماد الفتنة بين المسلِمين. إنّ التفجير الذي استهدف أحدَ المساجد في الكويت، وأحدَ الفنادقِ في مدينة سوسة، يقدّم الدليلَ القاطع على أنّ خلايا الشرّ التي قامت بعمليات انتحارية إجرامية في الدمّام والقطيف وغيرها، هي نفسُها التي تجَنّد أدوات الغدرِ لتفجير المساجِد والفنادق وتشَوّه صورةَ الإسلام في عيون العالم، وهي التي تتسَبّب في كلّ يوم بوقوع القتلى والجرحى في صفوف المسلمين، بدعوى الجهاد لإقامة دولة الخلافة، ونشرِ الفِكر المتطرّف والضال على أنقاض الدوَل والمجتمعات».

وقال إنّ «الإرهاب يَعمل على خطوط الفِتنة الكبرى بين المسلمين، وهو ما يَجب أن يبقى محلّ حَذرِ كلّ المعنيين في حماية الوحدة الإسلامية وقطعِ الطريق على المتلاعبين بسلامةِ البلدان العربية واستقرارِها».

«حزب الله»

ودانَ «حزب الله» الإرهابَ الذي ضربَ الكويت وتونس، واعتبرَ ما حصَل في الكويت» إساءةً إلى جميع المسلِمين سُنّةً وشيعة»، و»طعنةً لكلّ مسلِمي العالم على مختلف مذاهبهم، تقوم بها هذه المجموعة المنحرفة التي تعمل لهَتكِ حرمةِ الدين الحنيف في كلّ يوم عبرَ استهدافهم للمساجد والمقدّسات في كلّ أنحاء عالمنا الإسلامي». ودعا الحزب الشعبَ الكويتي «إلى الصبرِ والتماسك ومنعِ الإرهابيين من تحقيقِ أهدافهم الدنيئة بنشرِ الفتنة والفوضى، مشَدّداً على أهمّية الجهود التي تُبذَل لتحصين الوحدة الوطنية».

تغييرات أمنية في سوريا؟!

وفي تطوّر لافت في التوقيت والمضمون، أوردَت وكالة «اكي» الإيطالية مساء أمس معلومات نقلاً عن مصادر ديبلوماسية أوروبية تتحدّث عن وجود توَجُّه لإحداث تغييرات كبيرة في قيادة الجيش والأجهزة الأمنية السورية، ورجّحَت وجود اتّفاق روسي ـ إيراني مع الرئيس السوري بشّار الأسد على إحداث تغييرات كبيرة تطاوِلُ مراتبَ عسكرية وأمنية عالية.

ورجّحَت أن يتمّ استبعاد عددٍ من كبار قادة الأمن والجيش، وقالت: «قد يتمّ تغيير وزير الدفاع العماد فهد جاسم الفريج ورئيس شعبة المخابرات الجوّية اللواء جميل الحسن ورئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك، فيما قالت إنّ العميد حافظ مخلوف ابن خالِ الرئيس الذي سبقَ أن تمَّ استبعادُه لخلافات داخلَ أسرةِ الأسد سيَعود لاستلام منصبٍ أمنيّ مهِمّ».

وربطت هذه المصادر بين هذه المعلومات وبين تصريحات أدلى بها قبَيلَ أيام رئيسُ مركز الأبحاث الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني علي أكبر ولايتي، خلال استقباله في طهران الثلاثاء وزيرَ الداخلية السوري اللواء محمد الشعّار، والتي قال فيها إنّ الأسبوع المقبلَ سيَشهد ما وصَفه بـ»التطوّر المهِمّ في العلاقات الإقليمية بين إيران وسوريا والعراق»، من دون تحديد طبيعة ذلك التطوّر.