IMLebanon

 سلام بعدَ «التوافق» إلى الدستور… وجلسة الغد تحت المجهر

إحتلّ ملفّان دوليان وإقليميان المساحة الأبرز من الاهتمامات السياسية في البلاد، وفي مقدّمها الملف النووي الإيراني الذي أعلنَت وزارة الخارجية الأميركية الاتفاقَ على تمديد المفاوضات في شأنه بين إيران ودوَل الغرب حتى السابع من تمّوز الجاري، مؤكّدةً أنّ وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف عَقدا اجتماعاً إيجابياً في فيينّا. وفيما كرّرَ الرئيس الأميركي باراك أوباما التأكيدَ أنّه لن يوَقّعَ اتّفاقاً سَيئاً مع إيران، طمأنَت موسكو إلى أنّ المفاوضات تتقدّم وتسيرُ في الاتّجاه الصحيح. وأكّدَت إيران «أنّ الاتفاق الذي یوافق علیه الشعبُ الإیراني، هو الاتفاق العادل والمتوازن والذي یَحفظ الكرامة الوطنیة وحقوقَ الشعب الإیراني». بينما جَدّدت إسرائيل معارضتها التوصّلَ إلى اتفاق نوَوي مع إيران، وأكّدَ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنّ الخَيار العسكري بالنسبة إلى تل أبيب «يبقى قائماً».

تزامُناً، مدّدَ الاتّحاد الأوروبّي تجميدَ العقوبات على إيران 7 أيام لإفساحِ المجال أمام تقدّمِ المفاوضات في برنامجها النووي. أمّا الملف الثاني، فتَمثّلَ بتكثيف الجهود الأمنية وتعزيز التنسيق لمحاربة الإرهاب وإبقاء دوَل أوروبية على رفع مستوى التأهّب لديها تحَسُّباً لاحتمالات وقوع هجومات إرهابية ضدَّها، خصوصاً بعدما تعرّضَت له فرنسا والكويت وتونس، فيما أعلنَت الكويت أمس بلِسان وزير داخليتها أنّها «في حالة حرب مع المتشَدّدين، وأنّ هناك خلايا أخرى لن ننتظرَها لتتحرّك».

وفيما المشهد السياسي الداخلي يستمرُّ غارقاً في تعقيداته، وعقدةِ انتخاب رئيس جمهوريةٍ جديد لم تحَلَّ بعد، تشخصُ الأنظار غداً إلى السراي الحكومي، حيث تعود إليه «حكومة المصلحة الوطنية» للإجتماع بعد انقطاع دام ثلاثة اسابيع من دون ان يطرَأ على مواقف الأفرقاء أيّ تغيير، ولا سيّما منها مواقف وزراء «التيار الوطني الحر» لجهة الإصرار على طرح بند التعيينات العسكرية والأمنية قبل مناقشة أيّ بند آخر، علماً أنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» شدّد بعد اجتماعه أمس على أنّ عدمَ طرح التعيينات على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء هو مخالفة قانونية دستورية، مؤكّداً أنّ موقفه واضحٌ ولن ينسحب من الحكومة، وسيَستعمل حقّه بطلب وضعِ التعيينات بنداً أوّلاً.

برّي

وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس، ردّاً على سؤال عن مصير جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً: «طالما إنّ أكثرية الثلثين الوزارية متوافرة فإنّ الجلسة ستنعقِد، وستُتّخَذ القرارات خلالها بحسب ما ينصّ عليه الدستور، أيّ إنّ ما يتطلّب إقراره تأييدَ أكثرية الثلثين يصوّت عليه بالثلثين، وما يتطلّب النصفَ زائداً واحداً يصوّت عليه بالاكثرية المطلقة.

أمّا بالنسبة الى توقيع المراسيم فإنّ الامر لا يحتاج بالنسبة الى قرارات مجلس الوزراء الى توقيع جميع الوزراء، وهو ما اعتمِد في الفترة الاخيرة، وكانت هذه وجهة نظري منذ البداية».

وردّاً على سؤال آخر، قال برّي: «هناك احتمال ان يُطرَح موضوع التعيينات في جلسة الخميس (غداً)، وعندها ستَأخذ الجلسة مجراها الدستوري، وفي حال انسحابِ البعض، ستستمرّ الجلسة ما دام النصاب الدستوري لانعقادها متوافراً».

وعن إصدار مرسوم بفَتح دورةٍ تشريعية إستثنائية لمجلس النواب قال برّي إنّه اتّفقَ على إصدار هذا المرسوم مع سلام، وهو لا يحتاج الى طرحِه في مجلس الوزراء، إذ يُكتفى لإصداره بتوقيع النصف زائداً واحداً من الوزراء الى جانب رئيس الحكومة، لأنّه غير مدرَج في عِداد ما نصَّت عليه المادة 65 من الدستور، والتي يتطلب إقرارُها موافقة أكثريةِ ثلثَي أعضاء مجلس الوزراء».

وأشار بري الى أنّه بعد فتحِ هذه الدورة التشريعية الاستثنائية سيَدعو الى عقدِ جلسات لمجلس النواب، وقال «إنّ هناك مشاريعَ قوانين استجدّت منذ آخر اجتماع لهيئة مكتب المجلس وإنّني متمسّك بعقدِ جلسات تشريعية، لأنّ الوضع في البلاد لم يعد يتحمّل، وأقولها الآن بصراحة إنّه في حال غابَ بعض المكوّنات وحضرَت مكوّنات أخرى تنتمي الى اللون الطائفي نفسِه، فإنّني سأمضي في الجلسة لأنّ الوضع في البلاد لم يعُد يتحمّل تعطيلاً».

سلام

وعشيّة جلسةِ مجلس الوزراء، قال رئيس الحكومة تمام سلام في الإفطار السنوي لمؤسسات الرعاية الاجتماعية – دار الأيتام الإسلامية مساء أمس إنّه «صَوناً للأمانة الوطنية الموضوعة بين يديّ، والتي أعلنتُ مراراً أنّني لن أفَرّط بها، واقتناعاً منّي بعدم جواز توقّف الحكومة عن تسيير عجَلة الدولة ومصالح اللبنانيين الحيوية، وعَملاً بالصلاحيات التي حَدّدها الدستور بوضوح لرئيس لمجلس الوزراء، وجّهتُ في الأمس الدعوةَ إلى عقدِ جلسة للمجلس الخميس (غداً)، بعدما تمَّ تعليق الجلسات لمدّة ثلاثة أسابيع، أردتُها أن تكون فسحةً للتشاور».

ودعا الجميعَ «للعودة إلى ضمائرهم والتصرّف بمسؤولية، بحيث نتخطّى مصالحَنا الفئوية ونضعُ الأمور الخلافية جانباً، وننصرفُ إلى تسيير شؤون الناس، والتصَدّي للاستحقاقات الداهمة».

وإذ راهنَ سلام «على الحسّ الوطني العالي لدى جميع مكوّنات الحكومة الائتلافية، حكومة «المصلحة الوطنيّة»، وقدرتِها على توفير أفضل المناخات للعمل المنتِج بعيداً عن التعطيل والشَلل»، شَدّد على أنّ «الملفّات الحيوية التي تنتظرنا كثيرةٌ وبالغة الأهمّية، تبدأ بالموازنة العامة ولا تنتهي بتصريف الإنتاج الزراعي والصناعي المهدَّد، مروراً بملفّات النفايات والنفط والغاز والكهرباء، فضلاً عن الملف الأمني الذي يحتاج دائماً إلى تنبُّهٍ وجهوزية وعناية فائقة، والعِبء الهائل للنازحين السوريين المنتشرين على الأراضي اللبنانية».

وأكّد سلام «أنّه باتَ مُلِحّاً أيضاً، إصدارُ مرسومٍ بفَتحِ دورةٍ استثنائية لمجلس النواب، لإقرارِ قوانينَ لم تَعُد تتحملُ التأخير، منها ما يتعلق بخدمةِ الدين وإصدار سنَدات خزينة، ومنها ما يتعلق بمشاريعَ وقروضٍ ومساعداتٍ خارجية بمئات ملايين الدولارات بات لبنان مهدّداً بخَسارتها.. لأنّ العالمَ يريد مساعدتَه وهو لا يريد أن يساعد نفسَه»، وقال: «إنّنا مستعدّون للقيام بالخطوات اللازمة للمساهمة في تحريك العمل التشريعي، وللتعاون الكامل مع السلطة التشريعية وفقَ المبدأ الدستوري القائل بتكامل السلطات والفَصل في ما بينها».

لا مبادرة استثنائية

وكانت مصادر سلام كشفَت لـ«الجمهورية» ليل أمس أنّه لن تكون لسلام أيّ مبادرة استثنائية في جلسة الغد على الرغم من احترامه لكلّ المواقف، معتبرةً أنّ مجرّد الدعوة الى استئناف جلسات الحكومة يُعتبَر مبادرةً في حدّ ذاتها تَستند إلى أكثرية موصوفة ترفض تعطيلَ المجلس.

وقالت هذه المصادر إنّ سلام سيُجدّد في بداية الجلسة التشديدَ على سلسلةٍ من الثوابت التي حَكمت العملَ الحكوميّ وآلياته المتفاهَم عليها، والتي شَكّلت ضماناً للبلد والناس في ظلّ غياب رئيس الجمهورية وستَبقى الملاذَ الوحيد الى حين انتخابه في أسرع وقت ممكن.

كذلك سيحَدّد بدقّة الظروفَ والأسباب التي دعَته الى التريّث ثلاثة اسابيع في قراءةٍ لن تحملَ جديداً سوى تأكيد الوقائع التي تهدّد بتعطيل الحكومة ومَخاطر ذلك على الجميع بلا استثناء. فالجميع في مركب واحد ومأزق واحد، وعليهم وقفُ المكابرة. وسيَختم سلام مداخلتَه داعياً إلى مناقشة جدول أعمال الجلسة المعَمَّم على الوزراء في 4 حزيران الفائت.

وعن احتمال المعارضة أو تعطيل عمل الحكومة، قالت المصادر: «لا يمكن تعطيل عمل الحكومة، فالمواقف التي تبَلّغَها سلام تبعِد شبحَ التعطيل، اللهمّ إذا حافظ الجميع على السقوف المسموح بها حمايةً للبَلد ومؤسساته، طالما إنّ الجميع اعتبرَها مِن الخطوط الحمر، أمّا في حال العكس فسيكون لكلّ حادث حديث». وكان سلام التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي في السراي وعرض معه للوضع الأمني.

ثلاثية تفاهمات

وعشيّة جلسةِ مجلس الوزراء، أعلنَ أحد أعضاء «اللقاء التشاوري» الذي اجتمعَ أمس في منزل وزير السياحة ميشال فرعون أنّ اللقاء ركّزَ على الملفات الثلاثة الأكثر أهمّية في هذه المرحلة، وهي: التعيينات العسكرية، الإنتخابات الرئاسية، وفتحُ دورة استثنائية للمجلس النيابي. وأكّد «أنّ التفاهم كان كاملاً ومنجَزاً في شأنها».

وقال: «في الملف الأوّل اتّفقنا على رفضٍ نهائي لأيّ اقتراح بتعيين قائد جديد للجيش اللبناني قبل نهاية ولاية العماد جان قهوجي بصرفِ النظر عن الأسماء التي تستأهِل الموقع وهي كثيرة. مع التأكيد أنّ البحث في هذا الملف قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية غير مقبول، ما يعني أنّه إذا طُرح التمديد للعماد قهوجي في حينه مرّةً أخرى لن يكون هناك أيّ مانع، بل هو أمرٌ سنَسعى إليه.

وفي ملفّ الانتخابات الرئاسية، أجمعَ الحاضرون سياسياً ووزارياً على أنّ الأولوية يجب أن تبقى لانتخاب رئيس جديد، ووقف التلهّي بأيّ مشاريع أخرى تشَكّل التفافاً على هذه الأولوية، ورفض أيّ خطوة يمكن أن تصرفَ الأنظار عن كون انتخاب الرئيس هو الملفّ الأوّل والأهمّ والأكثر فائدةً للبنان واللبنانيين بلا استثناء.

وهو ما يَعني رفضاً مطلقاً لما يسَمّى استطلاعا للرأي أو ما يشبهه من المشاريع التي لا يتناولها الدستور اللبناني ولم تتناولها الأعراف والتقاليد يوماً. وفي ملفّ الدورة الاستثنائية أجمعَ اللقاء على عدم البحث في هذا الملف إلّا مِن الأبواب الدستورية وتنسيق المواقف مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب قبل البحث في أيّ خيار نهائي لهُم».

وأكّد عضو اللقاء نفسُه لـ«الجمهورية» أنّ المجتمعين «عبّروا عن ارتياحهم إلى دعوة رئيس الحكومة إلى جلسة الغد، وعُدَّت بالنسبة إليهم مبادرةً مهمّة لا يجوز تعطيلها».

ولفتَ إلى أنّ اللقاء أمس «شَكّلَ مناسبةً مهمّة لتمتين العلاقات بين وزراء اللقاء الثمانية وتعزيز كلّ أشكال التنسيق بينهم، ما يؤدّي حتماً إلى تعزيز كلّ الخطوات التي يمكن أن تتّخذها الحكومة مستقبلاً وفقَ الآليّة المتفاهَم عليها والتي لا تعطي أكثرَ مِن تفسير واحد للميثاقية المطلوبة على كلّ المستويات الوزارية والنيابية، والتي تُعتبَر متوافرةً بما يَلقاه رئيس الحكومة من دعمٍ وزاريّ لا نقاشَ في شكلِه وحجمِه».

«المستقبل»

وفي المواقف، أيَّدَت كتلة «المستقبل» قرارَ سلام استئنافَ عمل مجلس الوزراء «بعد تعطيلٍ مقصود ومتعَمَّد مارسَته أطرافٌ سياسية أضَرَّت بموقفِها مصالحَ المواطنين اللبنانيين وعرّضَتها لمغامرات خاسرة، ورهنَتها بأهداف شخصية ومصالح عائلية»، وطالبَت الحكومة بأن تمضيَ «قدُماً في عملِها المنتِج لتسهيل حياة اللبنانيين ومتابعة قضاياهم الحياتية والمعيشية ولاستئناف النشاط الاقتصادي في البلاد».