IMLebanon

 الأزمة الحكومية دخلت منعطفاً جديداً والتصعيد يبلغ ذروته الخميس

دخلت الأزمة الحكومية منعطفاً جديداً مع الدعوة التي وجّهَها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لمناصريه من أجل الاستعداد للنزول إلى الشارع ردّاً على تمرير قرار دعمِ الصادرات الزراعية في الجلسة الحكومية الأخيرة، ودعوة رئيس الحكومة تمّام سلام مجلسَ الوزراء إلى الانعقاد عند العاشرة صباح الخميس المقبل لاستكمال البحث في جدول أعمال الجلسة الأخيرة. ومِن الواضح أنّ عدمَ تحديد عون موعداً للتحرّك يعني أنّه أراد الإفساحَ في المجال أمام المزيد من الاتصالات قبل استخدام الشارع الذي سيَنقل الأزمة إلى مرحلة جديدة، وبالتالي هل ستَنجح المساعي السياسية في تجنيبِ البلاد خضّةً سياسية هو بغِنىً عنها في ظلّ فراغ رئاسي وتحدّيات أمنية على الحدود؟ وما طبيعة هذه المساعي وما الأفكار والعروض والاقتراحات التي ستَحملها لعون؟ وهل رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» في وارد التراجعِ عن السقف الذي وضَعه أم سيَذهب في المواجهة إلى النهاية؟ وما مصير جلسة الخميس بعد الدعوة للنزول إلى الشارع؟ وهل التصعيد سيبلغ مداه مع هذه الجلسة؟ وهل سلام في وارد التراجعِ عن دعوته؟ وماذا يقصد عون بكلامه عن «تحوّل كبير ستشهَده السياسة اللبنانية هذا الأسبوع»؟ وماذا عن «حزب الله»؟ وهل سيغطّي عون في الشارع كما غطّاه ويغطّيه في الحكومة؟ وإذا كان الردّ العونيّ على إسقاط الآليّة متوقّعاً، فهل وصلَت الأمور إلى المرحلة التي يَصعب معها العودة إلى الوراء؟ وماذا عن الحِرص الدولي-الإقليمي على الاستقرار في لبنان؟ وأيّ دور للمجتمعَين الدولي والإقليمي في الحفاظ على هذا الاستقرار؟

توقّفَ المتابعون عند توقيت دعوة سلام التي تعمَّدَ توجيهَها بعد أقلّ من 24 ساعة على انعقاد جلسة أمس الأوّل التي وافقَت على قرار دعم الصادرات الزراعية، ورأوا أنّ هذه الدعوة جاءت أوّلاً للتثبيت بأنّ الحكومة مستمرّة وأنّ قرار معاودة عملِها اتُّخِذ شرعياً ورسمياً، بعد التخوّف الذي ساد من أن تكون جلسة أمس الأوّل يتيمةً ولا تعقبها جلسات أخرى، ما يعكس تصميمَ رئيس الحكومة على منعِ أيّ طرفٍ من تعطيل الحكومة.

ولاحظ هؤلاء أنّ دعوة سلام هذه جاءت بعد تهويل رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بالانفجار في حال عدم احترام مبدأ الشراكة واحترام حقوق وتمثيل المسيحيين، ما يعني أنّ هناك جبهةً وطنية كبرى وشرعية حول الحكومة لمواجهة أيّ محاولة للمسّ بالاستقرار الداخلي الذي هو المربّع الأخير في الوضع اللبناني.

وبالتالي فإنّ دعوة سلام شكّلَت رسالةً ليس لعون فحسب، بل لجميعِ المكوّنات الحكومية، الأمر الذي يدلّ إلى وجود توافق كبير على ضرورة استمرار الحكومة في لبنان في ظلّ الشغور وغياب رئيس الجمهورية، وقد تجَلّى هذا الأمر مِن خلال ترحيب كلّ المراجع الديبلوماسية في لبنان ومن الاتصالات التي تلقّاها سلام من السفراء الذين هنّأوه بعودة الحكومة إلى العمل.

مصادر سلام

ورفضَت مصادر سلام ليلَ أمس، اعتبارَ دعوتِه مجلسَ الوزراء إلى الانعقاد الخميس المقبل تحَدّياً لعون أو غيرِه من الأطراف التي تشاركه الرأيَ في كيفية إدارة الجلسات.

وقالت لـ«الجمهورية» إنّ التجربة التي مرّت بها الجلسة الاخيرة شجّعته على الدعوة الى جلسة الخميس المقبل، فعلى رغم المناقشات فإنّ الوزراء بمَن يمثّلون وجّهوا رسالة أكثرَ أهمّية ممّا دار خلال الجلسة، عندما عبّروا عن حِرصهم على إستمرار عمل الحكومة في هذه المرحلة بالذات، وهذا ما أراده الرئيس سلام، في اعتبار أنّ لمُختلفِ المشاكل المحتملة مخارج وحلول لا بدّ مِن الوصول إليها، فلا يستطيع أحد، لا نحن ولا غيرنا، قيادة مجلس الوزراء إلى حيث يريد بمفرده، ولا بدّ مِن أن نصلَ إلى مرحلة تتابع فيها الحكومة مهمّتَها الأساسية في مواكبة قضايا الناس.

وقالت المصادر إنّ التجاوب الذي لقيَه قرار دعمِ الصادرات الزراعية اللبنانية إلى الخارج أهمّ مِن موقفِ طرفٍ اعتبرَه غيرَ نافذٍ وكأنّه لم يكن في وقتٍ سَلك فيه القرارُ طريقَه إلى التنفيذ بدعمٍ مِن مختلف مكوّنات الحكومة، ومنهم مَن كان يراهن عليهم رافضو القرار، وهو ما عُدّ إشارةً واضحة إلى سلوكية وزراء الرئيس نبيه برّي الذين لم يقصّروا في إطلاق القرار بأسرع الطرق.

وانتهَت المصادر لتقول إنّ الجلسة المقبلة ستكون على الأقلّ مثلَ الجلسة الأخيرة، بحيث سنواصِل فيها المناقشات في أيّ موضوع يريده أيٌّ مِن الوزراء ضمن السقف الذي يَحمي الحدَّ الأدنى من ضمان استمرارية عملِها.

وإنّ الجميع يدركون في السرّ والعَلن أنّ ما تنتظره المنطقة من تطوّرات ربّما تفرض علينا أداءََ بنَهجٍ مختلف عمّا يَجري اليوم إذا أردنا أن نحميَ لبنان، وإنّ تطوّرات المرحلة المقبلة ستشهَد على هذه التوقعات، فليس من مهامّ الحكومة تعيين شخص في أيّ مكان وحسب لنعلّقَ أعمالها، بل من واجباتها أن تحميَ لبنان وتواجهَ المخاطر التي تهدّده، ونعتقد أنّ لهذه الأولويات أهمّيتها، وعلى الجميع أخذُها بعين الاعتبار.

عون

وقال العماد عون في كلمةٍ له خلال عشاء هيئة المتن في «التيار الوطني الحر»: «بذلنا جهداً لإبعاد العنف عن لبنان، وعملنا من أجل طمأنينة اللبنانيين، وتبيّنَ لنا أنّنا معرّضون لخطرِ الوجود ممّن حَملناهم على أكفِّنا».

وأشار إلى «أنّنا تحمّلنا كلّ التعَب حتى تألّفَت حكومة ظنَنّا أنّها ستعيد الطمأنينة، ولكن تبيّن أنّها ستبشّرنا بالخراب، وخصوصاً للمسيحيين، ولم أكن أتصوّر أنّني سأتكلم فقط عن المسيحيين في بلد متعدّد»، معتبراً أنّ المسيحيين معرّضون لخطر الوجود لأنّه في ساعة من هذه الساعات ثعالبُ السياسة اللبنانية سيَضعون أيديَهم على كلّ حقوق المسيحيين ومواقعِهم».

ورأى أنّ «هذا الأمر بدأ، بالتمديد لمجلس النواب لأكثرية غير شرعية لأنّهم لم يقِفوا على رأي الشعب ومن يريد»، موضحاً أنّ «مجلس النواب انتُخبَ عام 2009 وتمديدُه لنفسِه جريمةٌ دستورية وديمقراطية، ثمّ مدّدَ مرّةً ثانية، واليوم لا يريدون رئيسَ جمهورية يمثّلكم، سوى أن يكون مرهوناً للخارج»، معتبراً أنّ «قانون الانتخاب لم نحصل عليه لأنّهم وزّعوا النواب على الدوائر الانتخابية التي فيها أقلّيات مسيحية»، مشيراً إلى أنّ «ذنبَنا أنّ المسيحيين عاشوا مع الكلّ والمسلِمين لم يعيشوا مع بعضهم البعض».

ورأى «أنّنا نخسر أكثر من ثلثَي النواب بسبب قانون انتخابي مخالف للطائف، الذي نصَّ على المناصفة في المقاعد النيابية والتمثيل الصحيح»، متسائلاً «لماذا المسيحي فقط يجب أن يكون معرّى من أيّ تمثيل وشعبية بالإضافة الى صلاحياته المحدودة؟».

وأضاف: إنّنا اليوم مدعوّون إمّا للسكوت والاضمحلال إمّا للتهجير بالسيف، واليوم يحاولون وضعَ اليد على المواقع المسيحية في الدولة، حتى لا يعود هناك مرجعية فاعلة»، مشَدّداً على «أنّنا لن نترك وطننا ولن نهاجر، ولن نكتفي بالكلام».

وأوضَح أنّ «ما حصل في الحكومة أمس وما قد يحدث الأسبوع المقبل يستوجب منّا فعلَ قوّة، وكرامتُنا أكبر من الأزمة»، معلِناً «أنّنا مدعوّون للنزول إلى الشارع وبصورةٍ خاصة المسيحيين، والأسبوع المقبل ستعرفون ما هي تحرّكاتنا»، مشَدّداً على «أنّنا اليوم لسنا أضعفَ من 13 تشرين، ولا أحد يمكن أن يُخرجَنا من البلد. الأسبوع المقبل سيكون خيراً وسيكون هناك تحوّلٌ كبيرٌ بالسياسة اللبنانية، ومَن يمدّ يدَه علينا سنمدّ يدَنا عليه، استعِدّوا نفسياً، المطلوب منكم إرادة شعب تتجسّد بموقف».

«حزب الله»

وكان «حزب الله» أكّد أمس بلسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم حِرصَه على استمرار الحكومة، لكنّه أشار إلى أنّ عليها أن تتحمّلَ مسؤوليتها بجدارة، وهذا ما سنعمل عليه مع المخلِصين، ودعا إلى عدم تشبيك المؤسسات بما يؤدّي إلى تعطيلها جميعًا كما حصلَ في تعطيل المجلس النيابي إلى الآن بحجّة عدم انتخاب الرئيس، لأنّ في هذا التعطيل تعطيلاً لمصالح الناس وخطراً على بنية البلد وقدرته على المحافظة على الاستقرار، ورأى انّه ليس هناك أيّ مبرّر لعدم انعقاد جلسات مجلس النواب، وسنَعمل ونساهم لمعالجة هذا الموضوع مع المخلصين.

وفي الملف الرئاسي قال قاسم: «لو كان الاستحقاق الرئاسي في لبنان لبنانيًا لأُنجِز منذ زمن، ولكن لأنّ المؤثرات على الاستحقاق خارجية ومتسلّطة، وهناك مَن لا يملك قرارَه في لبنان، لذا هذا الاستحقاق معقّد ويعاني من صعوبة ويتبيَّن أنّه يؤدّي إلى فراغ لا نَعلم متى ينتهي ومتى نصِل إلى النتيجة المناسبة».

ودعا قاسم من جهة ثانية المطالبين بخروج الحزب من سوريا بأن يعيدوا النظر بموقفهم وأن يتشارَكوا معه» في المساهمة في المعركة ضد التكفيريين وأن تتشابكَ أيدينا من أجل أن نحقّق إنجازات أسرع وأفضل». وطمأنَ إلى أنّ الوضع في جرود القلمون وملحقاته «هو تحت السيطرة بالكامل، والمسلّحون المتبَقّون هم في القفص، وقد فقَدوا قدرتَهم على تغيير المعادلة وعلى القيام بأيّ عمل له شأن انطلاقًا مِن لبنان».

الراعي

وفي المواقف المتّصلة بالاستحقاق الرئاسي، أكّدَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على هامش جولته الرعوية في منطقة ساحل صربا، وجوبَ أن «يدركَ المسؤولون السياسيون قيمة لبنان ودورَه، ويتعالوا عن مصالحِهم ومواقفهم المتحجّرة ويُخلِصوا للبنان والوطن». ورأى أنّه «لا يمكن لكلّ فريق أن يتشبّثَ بمواقفه، ولا أحد يملك الحقيقة كاملةً، فلنبحَثْ عن الحقيقة التي تَجمع».

وأسفَ الراعي «لأنّ هناك تلاعباً بمصير لبنان على المستوى السياسي، لأنّه لا يمكن الاستمرار بإقفال القصر الجمهوري، أي ببَترِ رأسِ البلد. ما مِن أحد يَعيش من دون رأس، فلنُصَلِّ كي يمسّ الله ضمائرَ المسؤولين ليقوموا بمسؤولياتهم الوطنية».

إلى ذلك، شاركَ الراعي وبطاركة الشرق بدعوةٍ من البطريركية السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية والكاثوليكية في افتتاح مؤتمر إبادة السريان «شهادة وإيمان»، في جامعة الروح القدس – الكسليك، حيث أكّدَت الكلمات التجَذّرَ في الأرض ووحدة الموقف المسيحي لكي لا تتكرّر المجازر بعدما دفعَ السريان ثمناً باهظاً لتمسّكِهم بإيمانهم.