IMLebanon

 موسكو تُحذِّر من إنهيار الدولة وطهران تأمل برئيس في بعبدا

حملت الذكرى الثالثة لاستشهاد اللواء وسام الحسن رسالة سياسية واضحة المعالم وجّهها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى «حزب الله» عبر تلويحه بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار، فقال: «أعلِنُ أنّ بقاء الوضع على ما هو عليه هو الخطوة الأولى نحو الاستقالة من الحكومة التي أردناها ربطاً للنزاع وأرادوها ربطاً للوطنية والضمائر، وخطوة أولى أيضاً للخروج من الحوار الذي أردناه صوناً للسلم الأهلي، فإذا بنا نتحوّل إلى شهود زور على حساب مسؤولياتنا الوطنية». وقد عبّر المشنوق بكلمته عن الأسباب التي أوصلته إلى هذه الخلاصة، وهي أنّه على مستوى الحوار «الخطة الأمنية في البقاع لا تزال حبراً على ورق»، فيما يتمّ «المضيّ باعتقال مجلس الوزراء وتعطيله». وإذا كانت رسالة المشنوق أمس رفضَ الاستمرارِ بعدم إنتاجية الحوار وتعطيل الحكومة، فإنّ السؤال هو عن كيفية تعامل الحزب مع هذه الرسالة؟ فهل سيتلقّفها لإعطاء وزير الداخلية إنجازاً أمنياً في البقاع، سيّما أنّ كتلة نوّابه في بعلبك حذّرت من استمرار الفلتان الأمني؟ وهل سيَعمد إلى إقناع حليفه بضرورة إعادة تفعيل الحكومة، أم سيواصل الحزب تصعيدَه السياسي ضد «المستقبل» و14 آذار؟ وماذا عن موقف المشنوق واستطراداً «المستقبل» في حال استمرار المراوحة في الحوار والتعطيل في الحكومة؟ فهل ينفِّذ تهديده بالخروج من الأوّل والاستقالة من الثانية؟ وهل هذا التهديد هو الفرصة الأخيرة عملياً؟ وهل يتحمّل المشنوق و»المستقبل» إطلاق تحذيرات من دون ترجمتها على أرض الواقع في ظلّ ارتفاع منسوب التطرّف نتيجة وصول الحكومة والحوار إلى الحائط المسدود وعودة الحماوة إلى المشهد السوري مع الدخول الروسي الذي حذّر على لسان وزير خارجيته سيرغي لافروف «من مغبّة استمرار المحاولات الرامية إلي تدمير الدولة في لبنان على غرار ما جرى ويجري خلال السنوات الأخيرة في كلّ مِن العراق وليبيا وسوريا»؟

أوساط سياسية مطّلعة قالت لـ«الجمهورية» إنّ هناك حالة استياء واسعة داخل تيار «المستقبل» والطائفة السنّية من التعطيل المتعمّد للحكومة ودور رئيس الحكومة واستطراداً شلّ البلاد بهذا الشكل، ورأت أنّ تبريد الساحة السياسية يكون من خلال تنفيذ التعهّدات وتطبيق الخطط الأمنية وتسهيل عمل مجلس الوزراء، وإلّا سيفقد الحوار مع الوقت جدواه، وقد بدأ فعلاً يتحوّل إلى مجال للتهكّم والانتقاد، واعتبرت أنّ الرهان على مواصلة «المستقبل» تغطيته لهذا الواقع تحت عنوان «أم الصبي» هو في غير محلّه، وذلك ليس لعدم وجود رغبة من التيار بذلك، بل لخشيته على وضعيته داخل البيئة السنّية، لأنّ تراجع هذه الوضعية يشكّل تراجعاً لتيار الاعتدال، ما ينعكس سلباً على الاستقرار في البلد.

وقالت الأوساط إنّ حِرص «حزب الله» على الاستقرار المعبّر عنه في مواقف أمينِه العام وقياداته غير كافٍ ما لم يترافق مع خطوات عملية تعيد تفعيل الحكومة والصدقية للحوار، ورأت أنّ صرخة المشنوق لم تأتِ من فراغ، بل بفِعل انسداد الأفق السياسي وشعوره أنّ التيار يدفع منفرداً من رصيده نتيجة تمسّكه بالحكومة والحوار والاستقرار.

وتوقّعت الأوساط أن تنطلق بعد خطاب المشنوق مبادرات سياسية للخروج من الأزمة الوطنية ولو جزئياً، لأنّ أحداً لا يتحمّل تداعيات استمرار الوضع الراهن الذي جاء الوضع السوري ليضيف إليه المزيد من التعقيدات والمخاوف.

المشنوق

وقال المشنوق في كلمته: «لقد دخلنا إلى هذه الحكومة على قاعدة ربطِ النزاع مع «حزب الله»، وعلى قاعدة أنّ عناوين الاشتباك الكبرى، من مصير السلاح الى القتال في سوريا دفاعاً عن نظام قاتل، هي عناوين مجمّدة، لا يستطيع حزب الله فرضَها على البلد ولا نستطيع منعَه من الذهاب بها وحيداً خارج قرار المؤسسات والدولة.

كان القرار أنّ هناك ملفات عالقة تهمّ الناس والمواطنين ينبغي معالجتها حِرصاً على ما بقي من هيكل للدولة وللمؤسسات ولشروط العيش في بقيّة هذا الوطن». وأضاف: «ها هي الحصيلة أمامكم. لا المؤسسات تعمل ولا الأمن مصان في البقاع ولا الخدمات تُقَدَّم للمواطنين».

واعتبر أنّه «ربّما ظنّ من يظنّ أنّه يستنزف رصيد نهاد المشنوق ورصيد التيار الذي يمثّله في الحكومة، بإظهاره أمام جمهوره وأهله وبيئته، مستقوياً عليهم وعاجزاً أمام خصومهم. أمّا النتيجة الحقيقية الوحيدة لهذا العقل الشاذ فهي استنزاف الوطن وشروط العيش المشترك فيه ودفعُ الناس الى خيارات التطرّف. لذلك إنّني أعلِن من على منبر الشهداء أنّ بقاء الوضع على ما هو عليه هو الخطوة الأولى نحو الاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار».

حمادة

وأمّا الكلمة التي ألقاها النائب مروان حمادة فذكّرت بأدبيات قوى 14 آذار في البدايات، هذه الأدبيات التي أصبحت، وفق قياديّ بارز في هذه القوى، منسيّة، ليس نتيجة تبدّل الأوضاع، بل بسبب تبدّل 14 نفسها، وقال حمادة: «إذا كانت الأرواح بيَد الله، سبحانه وتعالى، نتساءل منذ عشر سنوات مَن فوَّض «حزب الله» حقّ اقتطاعها وإزهاقها.

إنّها حقاً محنة تاريخية بدأنا نعيشها بمسلسل اغتيال نخبة من قادة لبنان لتشمل بَعد ذلك نحرَ جماهير، فمذاهب، فطوائف، فأقاليم، فشعوب بكاملها على امتداد وطننا وأمّتِنا، وكأنّنا تحوّلنا من الخليج إلى المحيط إلى أضحيةٍ للجلّادَين الأسدي والفارسي، ومنذ أيام، الروسي». وأضاف: «الآلة القاتلة هي هي. إمتدّ نطاقها، توسّعت رقعتُها تعمّقت شهوَتها للدماء. لبنان، سوريا، العراق، اليمن، البحرين، الشرّ المطلق يستهدف الآن كلّ الساحات، كلّ الفئات، كلّ الشعوب.

من خطاب إلى خطاب من مغامرة إلى مغامرة، من موقعةٍ إلى موقعة، ظلّوا على جوعهم». وفي خطوةٍ مفاجئة دعا حمادة الرئيس الحريري للعودة إلى لبنان قائلاً له: عُد إلى لبنان، أنت الثورة قبل الثروة، إنْ عدتَ يعود مَن ترَكنا سياسياً في منتصف الطريق. إنْ عدتَ فسنختار رئيساً ونحيي حكومةً وننتخب مجلساً.

مبادرة عربية

وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية في بيروت لـ«الجمهورية» أنّ لبنان سيشهد الأسبوع المقبل حركة ديبلوماسية عربية رفيعة المستوى للبحث في ملف الأزمة السورية وتردّداتها على الساحة اللبنانية، وكيفية مقاربة الوضع لمساعدة اللبنانيين على تجاوز الأزمة الرئاسية، على أن تنتهي هذه الحركة بمبادرة وفاقية.

مجلس وزراء

ومع بقاء العقدة الحكومية عصيّة على الحل، زار وزراء حزب «الكتائب» رمزي جريج وسجعان قزي وآلان حكيم مساء أمس السراي الحكومي، وتحدّثوا بعد لقائهم رئيسَ الحكومة تمام سلام عن أجواء إيجابية في ما يتعلق بملف النفايات، وأبدوا دعمهم للخطوات التي يتّخذها سلام، ناقلين عنه الاتّجاه إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل.

بدوره أوضَح قزي لـ«الجمهورية» أنّ الزيارة كانت بهدف تقويم التطوّرات والحديث في جديد ملف النفايات وإحياء العمل في مجلس الوزراء، ووجَدنا أنّ تفكير الرئيس سلام يلتقي مع ما نفكّر به».

وقال إنّ سلام وضعَهم «في الأجواء الإيجابية التي سينتهي إليها هذا الملف، وإنّه سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وعلى الأرجح يوم الثلاثاء». وأضاف: «لن يسمح الرئيس سلام بأن يأخذ أحدهم الحكومة ورئاسة الحكومة رهينة».

شهيّب

وفي السياق، كشفَ وزير الزراعة أكرم شهيّب أنّه «في الأسبوع المقبل سيكون هناك جلسة في مجلس الوزراء، وذلك للشروع في البدء لحلّ مشكلة النفايات على الرغم من التعطيل، والعمل الدؤوب لحلّ هذه المشكلة».

مصادر وزارية

لكنّ مصادر وزارية قلّلت من أهمّية الحديث الإيجابي في ملف النفايات وعن جلسة قريبة لمجلس الوزراء، وقالت لـ»الجمهورية» إنّ شهيّب وأعضاء اللجنة التقنية المكلّفة ملف النفايات التي يَرأسها ينتظرون مزيداً من الدراسات عن الموقع الذي اختاره «حزب الله» في السلسلة الشرقية في أطراف البقاع الأوسط لجهة التثبُّت من صلاحيته البيئية.

وما أثار القلق على الخطة الإصرارُ على إبقاء المنطقة التي اختيرت لتوفير المطمر سرّاً، عِلماً أنّ «حزب الله» اتّخذ قراره بعناية تامّة وهو غير قابل للجدل».

«الحزب»

وأكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في إحياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء أنّنا نتعرّض لحرب ناعمة كبيرة تعمل على مراحل عدة في ما يتعلق بالمسؤولية العامة أو الأوضاع العامة.

ففي المرحلة الأولى تمّ العمل على الموضوع الجغرافي، من خلال القول إنّ على اللبناني مثلاً تحَمّل مسؤولية بلاده، وأن لا يتدخّل في أمور باقي الدول الأخرى. وفي المرحلة الثانية، دخلوا إلى كلّ بلد بعينِه وقسّموا الهموم والمسؤوليات، فبعدما كنّا نتحدّث عن الهمّ اللبناني أو الهمّ الوطني أصبح الحديث عن شأن شيعي ومسيحي ودرزي وسنّي».

وأضاف: «المسؤوليات الوطنية في لبنان قسّموها وقزّموها، وبعد الطائفية يتمّ أخذُنا إلى المناطقية، بحيث يقول أهل كلّ منطقة أن لا علاقة لهم بأهل المناطق الأخرى». وقال إنّ «أبشع تصوير لهذا المستوى هو الانحطاط الذي وصلنا إليه في البلاد، هو ما وصلت إليه أزمة النفايات، حيث تحوّلت المطامر إلى مذهبية وطائفية».

وفي سياق متصل أكّد النائب فضل الله أنّ «حزب الله سعى بجهد مع الرئيس نبيه بري من أجل معالجة الإشكالات الأخيرة، ولكنْ هناك فريق في البلد حتى الآن لم يتعلّم من دروسه الماضية ولا حتى من حاضره، وهو لا يزال يراهن على متغيّرات ما»، مشيراً إلى أنّ هذا الفريق «قد ارتكبَ خطأً كبيراً في تعطيل التسوية التي اتّفقنا عليها في الحوار الثنائي مع تيار المستقبل، ممّا أدّى إلى منع إقرارها في الحوار الموسّع بالمجلس النيابي».

بروجردي

وفي هذه الأجواء، أملَ رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي في إيران علاء الدين بروجردي في أن يزور المرّة المقبلة القصرَ الجمهوري في بعبدا، ونَقل للمسؤولين اللبنانيين دعمَ بلاده للحوار السياسي، آملاً في أن «يؤدّي في المستقبل القريب إلى تحقيق كلّ الأهداف التي يتّفق عليها الجميع لتحقيق المصلحة الوطنية اللبنانية العليا».

بروجردي الذي التقى سلام ووزير الخارجية جبران باسيل والأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله وكتلة «الوفاء للمقاومة» ووفداً فلسطينياً، ردّ على اتّهام إيران بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية بالقول: «أعتقد أنّه إذا كان الملل ينتاب بعض الأطراف فلا بأسَ من اصطناع هذه الدعابة من أجل رفع الملل. ونحن ندعم ونؤيّد ونؤازر أيّ حوار أو تقارب بين التيارات السياسية الفاعلة والمؤثرة في لبنان، وجوهر هذا التفاهم هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية».

وأبدى اعتقاده «بأنّ حصّة الأسد ينبغي أن تكون اليوم من نصيب لبنان في مجال الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، معلناً أنّ الهبة العسكرية الإيرانية ما زالت جاهزة في المستودعات من أجل شحنها إلى لبنان في أيّ لحظة يشاء فيها الجانب اللبناني».

لافروف

وفي السياق، حذّر وزير الخارجية الروسي «من مغبّة استمرار المحاولات الرامية إلي تدمير الدولة في لبنان، علي غرار ما جري ويجري خلال السنوات الأخيرة في كلّ مِن العراق وليبيا وسوريا». وقال لقناة «إن تي في» الروسية، «إنّ مشكلة تفشّي الإرهاب في الشرق الأوسط صارت في نهاية المطاف مرتبطة بتدمير الدولة في العراق وفي ليبيا والآن في سوريا، وربّما قريبا في لبنان».

قهوجي

وفي المواقف، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي «أنّنا تحمّلنا ونتحمّل الكثير، لكن كلّ الصعاب تهون أمام مصلحة الوطن والناس».

وأشار إلى أنّ لبنان «يواجه تحدّيات مصيرية، فالفراغ في رئاسة الجمهورية منذ أكثر من ستّة عشر شهراً قد انعكسَ شللاً على الكثير من مفاصل الدولة.

وها هو الجيش يتحمّل مسؤولياته فيُبقي الأمن مضبوطاً والاستقرار قائماً. ووسط الحرائق من حولنا، نتحصّن بالتفاف اللبنانيين حول المؤسسة العسكرية، لنتمكّنَ من الحفاظ على كلِّ الإنجازات التي حقّقناها، خصوصاً في مواجهة الإرهاب».

مصدر عسكري

إلى ذلك، نفى مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» حصول اشتباكات بين «حزب الله» و»داعش» على الحدود الشمالية في عكار»، لافتاً إلى أنّ «الجيش ينتشر في الشمال، ولم يرصد أيّ اشتباكات».

وأشار المصدر إلى أنّ «طبيعة الشمال الجغرافية والديموغرافية لا تسمح بوجود «حزب الله» فيه، أمّا الحديث عن إمكان استهداف الحزب من سهل البقاع والسلسلة الغربية في الهرمل عبر الصواريخ لمجموعات مسلحة حاولت التسلل عبر الحدود الشمالية فغيرُ صحيح، لأنّ الجيش يضبط تلك الحدود».

ورجّح المصدر «إمكانية وقوع مثل تلك الاشتباكات في داخل الحدود السورية وليس في الحدود اللبنانية، خصوصاً أنّ المعارك في أوجِها بين التنظيمات السورية و«حزب الله».

باسيل إلى طهران

وغادر مساء أمس وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل متوجّهاً إلى إيران، كما غادر على الطائرة نفسِها بروجردي، وكان في وداعهم في المطار السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي وأركان السفارة.