IMLebanon

 مخاوف أميركية على الأمن والإستقرار… والحراك الرئاسي يتراجع

لا تزال قضية إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة تستأثر باهتمام الساحة السياسية والقضائية، في ظلّ تصميم قوى «14 آذار» على إكمال المواجهة حتى النهاية، خصوصاً مع إعلان وزير العدل أشرف ريفي أنّه سيطلب من مجلس الوزراء إحالة الملف إلى المجلس العدلي، ونزولِها إلى الشارع أمس مع الحزب التقدمي الاشتراكي لتعلنَ من أمام منزل سماحة أنّ القضية «تتخطّى حدود «14 آذار» لتصلَ إلى حدود الوطن ومصيرِه»، في وقتٍ حرّكَ قرار إطلاق سماحة السجَناء الإسلاميين في سجن رومية، وتَردّد صداه في طرابلس. وفي حين يستنفر لبنان مختلف أجهزته لمواجهة الإرهاب وسط مخاوف أميركية «من الوضع الأمني أينما كان في العالم»، تتواصَل الاتصالات على المستوى الرئاسي على رغم تراجُع المشاورات العلنية في هذا السياق، وقد بَرز أمس موقف وزير «المردة» ريمون عريجي العائد من لقاء باريس بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، أكّد فيه أنّ «النائب سليمان فرنجية لا يزال مرشّحاً لرئاسة الجمهورية».

لم يسجَّل أمس أيّ جديد على جبهة الاستحقاق الرئاسي، وخطفَ الأضواءَ الحراك السياسي في الشارع، والذي تخوضه قوى 14 آذار وأفرقاء سياسيّون وسَطيون، ضدّ قرار المحكمة العسكرية بإطلاق الوزير السابق ميشال سماحة، وهو حراك مرشّح إلى التفاعل والاتّساع أكثر فأكثر في قابل الأيام.

المر وفتحعلي

لكنّ الاستحقاق الرئاسي والأوضاع في المنطقة حضرا أمس في لقاء نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر مع سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمد فتحعلي الذي زاره أمس في مكتبه في العمارة.

وخلال هذا اللقاء عرضَ المر وفتحعلي لمجمل التطورات التي تشهدها الأوضاع في لبنان والمنطقة، وتبادَلا وجهات النظر حول هذه التطوّرات، وكانت الآراء متّفقة على أهمية تعزيز الاستقرار في لبنان، وعلى ضرورة إنهاء الأزمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكذلك إنهاء الأزمات التي تَشهدها المنطقة لأنّ ذلك ينعكس إيجاباً على لبنان وكلّ دوَل المنطقة.

سماحة

إلى ذلك، ظلّ ملف إخلاء سبيل ميشال سماحة يتردّد في الأوساط السياسية والقضائية، بحيث استوضح رئيس الحكومة تمام سلام من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، بصفته نائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد الموجود خارج لبنان، طبيعةَ القرار الذي صَدر عن محكمة التمييز العسكرية.

وطلبَ من رئاسة مجلس القضاء الأعلى «القيام بما يلزم لتسريع المحاكمة أمام محكمة التمييز العسكرية تمهيداً لإصدار حكمِها النهائي في هذه الدعوى، إحقاقاً للحقّ أوّلاً ونظراً لأهمّية الملف وحساسيته في اعتباره يتعلّق بقضية تمسّ الأمنَ القومي لبلدٍ خاضَ وما زال يخوض معركةً مع إرهاب متعدّد الأشكال يستهدف استقرارَه ونسيجَه الاجتماعي ووَجهه الديموقراطي».

ريفي

وفي المعلومات أنّ وزير العدل أشرف ريفي سيقدّم في مهلة أقصاها بعد غدٍ الاثنين إلى مجلس الوزراء طلباً بإحالة ملف سماحة إلى المجلس العدلي، كذلك سيقدّم مشروع القانون الذي أعَدّه والمتعلق بإنشاء محاكم ودوائر قضائية متخصّصة تعنى بمحاكمة جرائم الإرهاب وبعض الجرائم المهمة، والذي ينصّ على تعديل صلاحية المحكمة العسكرية فقط ويَمنع محاكمة أيّ مدني أمامها أسوةً بالدول المتقدمة في هذا المجال.

وفي هذا الإطار، أكّد ريفي لـ«الجمهورية»: «لن أتراجع حتى إحالة ملف سماحة الى المجلس العدلي، فهذه القضية ليست قضيتي فقط، بل قضية كرامة لبنان والعدالة في لبنان وأمانة حفظ دم الشهداء».

وفي هذه الأثناء، حرّكَ إطلاق سماحة السجَناء الإسلاميين في سجن رومية، وتَردّد هذا القرار عند أهاليهم في طرابلس التي شهدَت موجةً من الاستنكارات على إخلاء سبيله. وبدأ منذ منتصف ليل أمس الأوّل، عددٌ من السجناء في سجن رومية، ولا سيّما الإسلاميين منهم، إضراباً عن الطعام والماء والدواء، احتجاجاً.

واتّخذَت القوى الأمنية الاحتياطات كافة، ووُضِعت سيارات الإسعاف في حال تأهّب لنقلِ أيّ حال طارئة. وشهدَت طرابلس إقفالَ طرُق واحتجاجات، واعتصَم أهالي الموقوفين الإسلاميين بعد صلاة الجمعة في باحة المسجد المنصوري الكبير مستنكِرين إطلاقَ سماحة.

إلى ذلك، نظّمت المنظمات الشبابية لقوى «14 آذار» تجمُّعاً في ساحة ساسين – الأشرفية، وتوجّهَت إلى منزل سماحة وسط تدابير أمنية كثيفة، حيث هاجمَت الكلمات قرارَ الإخلاء، مؤكّدةً أنّه «في حال عجزَت السلطة المهترئة عن تصحيح خطأ المحكمة العسكرية، فالشعبُ اللبناني مطالَب باسترداد وكالتِه من القضاء وتصحيح صورته أمام العالم، فلا يجب أن يُقاصَص الشهيد البطل ويكافَأ المجرم».

موجة غضب

وقد أثار قرار إخلاء سماحة موجة غضبٍ داخل الجسم القضائي، وذهب البعض الى اعتباره فضيحةً، وسأل البعض الآخر عن غياب مجلس القضاء الأعلى عن ممارسة دوره، فيما طالبَ آخرون بتفتيش قضائي.

وقد سيطرَ الاستغراب وتساءلَ البعض كيف يمكن أن يُسجَن ناشط مثل بيار حشاش وآخرين 15 يوماً لأنه حاوَل إزالة الشريط الشائك في ساحة الشهداء، بينما يطلَق سماحة المتّهَم بنقل متفجّرات والتخطيط لتفجيرات تشعِل الفتنة.

وفي هذا السياق، أشار مصدر قضائي رفيع لـ«الجمهورية» إلى وجود مخالفات فاضحة في قرار محكمة التمييز العسكرية، وفَنّدها كالآتي:

أوّلاً: إنّ القرار معلّل بأنّ مدّة التوقيف انتهَت، لذلك أخلِي سبيله لمتابعة الإجراءات. لكن في الواقع هناك طعن قدَّمه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة الى محكمة التمييز بهدف إنزال عقوبة أقسى من التي حكَمت بها المحكمة العسكرية الدائمة في حكمها الأوّل، ومِن المفترض أن لا تُخليَ سبيل سماحة بل أن تزيد العقوبة أو تتركها كما هي، أي 4 سنوات أو 3 ونصف سنة جنائيّة.

ثانياً: إنّ قرار محكمة التمييز يخالف من جهة السبب الذي جرى فيه الطعن ومن جهة أخرى منطق القرار والطعن. وإنّ محاكم التمييز لا تنظر في الوقائع بل في القانون، أي في مدى صحّة تطبيق القانون، وهنا السؤال: هل هناك تشويه أو سهوٌ في تطبيق القانون أو سوء تعليل في تفسير النصوص القانونية؟

ثالثاً: هناك مخالفة إجرائية، إذ إنّ محكمة التمييز لم تتّبِع الأصول في معالجة ملف سماحة كونها محكمة قانون، وكان عليها قبول الطعن من مفوّض الحكومة واتّخاذ قرار جديد إذا ما وجدَت أنّ المحكمة العسكرية قد أخطأت أو سهَت عن النصوص، عندئذ تقرّر فسخ القرار الصادر عن المحكمة العسكرية وبالنتيجة تقرّر عقوبة جديدة، وتبعاً لذلك تقرّر تركَ المحكوم أو زيادة العقوبة، لذلك أخطأت محكمة التمييز في إخلاء سماحة قبل البتّ بالطعن. فكان من المفترض السير في الجلسات ثمّ اتّخاذ القرار بالترك.

رابعاً: التعليل: لا يمكن لمحكمة التمييز العسكرية بعد قرارها الأخير أن تدين سماحة بعقوبة أعلى كونها أخلت سبيله، ما يَعني أنّها أقفَلت الطريق فعلياً أمام مدى صحّة وقانونية الطعن الذي قدّمه مفوّض الحكومة كونها أعطته رأياً مسبَقاً في إخلاء سبيله وقالت لا شائبة في ملف سماحة وأخلت سبيله.

خامساً: إنّ الادّعاء بأنّ سماحة أنهى السَنة السجنية وبالتالي مِن حقّه إطلاق سراحه، هو ادّعاء غير صحيح لأنّه عندما يقدّم الطعن لدى محكمة التمييز تصبح نتيجة الحكم وكلّ ما يتصل بهذا الحكم معلّقاً، لذلك لا تستطيع محكمة التمييز تركَه بل كان يجب أن يبقى موقوفاً بموجب مذكّرة التوقيف الوجاهية التي كان أصدرَها قاضي التحقيق العسكري الأوّل. فهذا شخص محكوم وليس موقوفاً رهن التحقيق ولا يحق لرئيس محكمة التمييز إطلاق سراحه قبل البتّ بالطعن وأساس الحكم.

والطعن في الأساس هو أنّ المحكمة العسكرية كانت اعتبرَت سماحة مجرّدَ مهرِّب أسلحة ومتفجّرات (محاولة)، فيما يعتبر مفوّض الحكومة أنّ سماحة ينتمي إلى مجموعة إرهابية هدفُها الاعتداء على أمن الدولة والمواطنين وإحداث فتنة طائفية ومذهبية، وهو عميل لبناني لجهة أجنبية ويَدخل ضمن مشروع لقتلِ مسؤولين لبنانيين ويشكّل خطراً على الأمن اللبناني.

تسليح الجيش

وعلى صعيد تسليح الجيش أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أمس أنّ «الهبة السعودية البالغة 3 مليارات في طريقها إلى التنفيذ، والتواصل مستمرّ في شأن موعد تسَلّم الأسلحة بين قيادة الجيش ووزارة الدفاع اللبنانية والسلطات الفرنسية، ولا عراقيل جديدة سوى المسائل التقنية التي تعالج».

وفي هذا السياق نَقلت وكالة «فرنس برس» عن مصدر قريب من وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان أنّ «الدفعة الثانية من التجهيزات العسكرية الفرنسية إلى الجيش اللبناني بتمويل سعودي، ستسَلَّم خلال الربيع المقبل، بعَيد إجراء مناقشة جديدة لعقد التسلح هذا في الرياض».

وأوضَح المصدر أنّ «الدفعة ستتضمّن بنحو أساسيّ تجهيزات فردية مثل الألبسة وأجهزة الاتصال»، مشيراً إلى أنّ «السلطات السعودية الجديدة أعادت درسَ كلّ العقود المهمّة وبينها برنامج تسليح الجيش اللبناني بَعد تسَلّم الملك سلمان السلطة، وفي نهاية العام 2015 استؤنِف تنفيذه بشكل طبيعي، الأمر الذي ترجِم عملياً بتوقيع عقود مع شركات معنية».

وأكّد المصدر «وجود توافقٍ فرنسي – سعودي على أنّ مِن مصلحتنا بقاء لبنان في منأى عن الأزمة السورية، والوسيلة المفضّلة لتحقيق ذلك هي تعزيز المؤسسات العابرة للطوائف في هذا البلد بدءاً من الجيش اللبناني».

قلق أميركي

وفي السياق، حذّرَ القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان السفير ريتشارد جونز من أنّ «لدينا مخاوفَ مِن الوضع الأمني تقريباً أينما كان في العالم».

وقال بَعد زيارته وزيرَ الخارجية والمغتربين جبران باسيل: «مع الأسف، في الوقت الراهن لدينا مخاوف من الوضع الأمني تقريباً أينما كان في العالم. لقد شهدنا أخيراً حادثةً مأسوية في جاكارتا، وجميعُنا نعلم أنّه سَبق أن شهدَ لبنان حادثةً مماثلة في برج البراجنة، ومن ثمّ في باريس ودوَل أخرى، لذا لدينا دائماً قلقٌ أمنيّ»، مؤكداً أنّ «التعاون الفاعل مع لبنان هو لصالح الشعب اللبناني، ولصالح الأميركيين والأجانب المقيمين في لبنان، لكن ودوليّاً أعتقد أنّه تطوّر إيجابي أنّ «داعش» ليس عملاقاً وأنّ الدولة الإسلامية لا يمكنها تجاهُل القانون الدولي والقوانين الوطنية بلا عقاب، ولكنّهم إذا استمرّوا في سعيهم لتحقيق أهدافهم الإرهابية سنجدهم ونعاقبهم».

لبنان في الأمم المتحدة

وفي وقتٍ تُستكمل الحرب ضدّ الإرهاب، ألقى مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة نوّاف سلام كلمةً في الجلسة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتّحدة، وعرضَ فيها الأمين العام بان كي مون خطّته لمكافحة التطرّف العنيف، حيث أعلنَ سلام تأييدَ لبنان أهدافَ الخطة التي قدّمها بان كي مون وعناصرَها، داعياً الجميع إلى «الانخراط في نقاش بنّاء لها، لأنّ الإرهاب والتطرّف العنيفين يضربان في كلّ أنحاء العالم بلا تمييز».

وأضاف: «دفعَ بلدي الذي هو عضوٌ في مجموعة منظومة معاهدات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ثمناً غالياً لأعمال الإرهاب التي ضربَت أخيراً في أكثر من منطقة في لبنان.

أمّا ضحاياه فقد شملت الأبرياءَ من المدنيين كما من القادة السياسيين والصحافيين والجنود». وكرّر التزامَ الحكومة اللبنانية «مكافحة الإرهاب والتطرّف العنيف بكلّ أشكاله، وتصميم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية على التصدّي لهذه الآفة».