IMLebanon

 «الهزّة البريطانية» تُربك أوروبا: تساؤلات… ودعوات للإنفصال

24 حزيران 2016 يوم مفصلي في تاريخ أوروبا. في هذا اليوم، حدّدت بريطانيا خيارها ومسارها وهزّت العالم بقرارها الانفصالَ عن الاتحاد الاوروبي، ووضَعت الخريطة السياسية الأوروبية، وكذلك الجغرافية، على بساط البحث. وربّما إعادة النظر من جديد، والآتي من الأيام سيبيّن حجمَ التداعيات والارتدادات ليس على مستوى القارّة الأوروبية فحسب بل على مستوى العالم.

ما حصَل ليس حدثاً عادياً أو عابراً، بل هو مصيريّ في تاريخ بريطانيا، صنَعه البريطانيون لإعلانِ ما يشبه الاستقلال عن محيطهم الاوروبي، ورسمِ حجم دورهم السياسي وغير السياسي ضمن محيطهم وفي القضايا التي يقفون على تماسّ معها.

وإذا كانت نتائج الاستفتاء لصالح الانفصال بنسبة 51,9 %، ملزِمة للبريطانيين، في احترامها وترجمتها والتقيّد بها، إلّا أنّها لا تقوم على أرضية بريطانية، صلبة ذلك أنّ نحو نصف البريطانيين (48,1 %) صوّتوا مع البقاء ضمن الاتحاد الاوروبي، ومِن هنا كانت مسارعة رئيس الحكومة دايفيد كاميرون الى إعلان عزمه على الاستقالة التي من شأنها أن تفجّر صراعاً على قيادة حزب المحافظين.

وتزامناً، سَقط حدث الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي مدوّيًا في شتّى أرجاء العالم، ومفاعيل هذه الهزّة أوّل ما تبدّت إرباكاً عاماً اجتاح اوروبا من أدناها الى اقصاها، والمفاعيل الفورية اعتبار يوم الانفصال حزيناً، على حدّ تعبير وزير الخارجية الالمانية فرانك شتانماير، كما ظهرَت تلك المفاعيل بانتقال العدوى الى دول اوروبّية، حيث ارتفعت اصوات في فرنسا وهولندا وبدأت تتعالى وتدعو الى استفاءات للانفصال، في وقت وصَل اليورو والجنَيه الى أدنى مستوياتهما.

وفي مقابل ذلك، بدت روسيا الأكثرَ سعادةً من الوهن الذي يصيب جبهة الضغط والعقوبات الاوروبية عليها. وأمّا الحليف الاميركي فيراقب تحوّلات حليفِه الأقرب، فيما توقّف المراقبون عند مسارعة المرشّح الجمهوري دونالد ترامب إلى التعبير عن سعادته بخروج بريطانيا من الاتّحاد الاوروبي، واصفاً هذا الخروج بالرائع.

عملياً حكاية الانفصال ما زالت في بداياتها، وعشرات من الأسئلة تحيط بها في شتّى جوانبها، وهذا بعض منها:

– ما هي الاسباب الحقيقية الكامنة خلف قرار الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي؟

– ما هو مصير الاتحاد الاوروبي وما هي انعكاسات الاستفتاء البريطاني على مستقبله؟

– هل تجرّ الخطوة البريطانية دوَلاً أخرى في اوروبا الى استفتاءات في ظلّ تنامي الأحزاب اليمينية؟

– ما الخطوات التي يفترض على الاتحاد الاوروبي اتّخاذها لتجنّبِ الانهيار، وهل يملك القدرة على ذلك؟

– ما الذي سيتغيّر سياسياً واقتصادياً وقانونياً بعد الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي؟

– ما تأثيرات الخطوة البريطانية على سياسات المملكة المتحدة في الشرق الأوسط؟

– ما هو تأثير الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي على أزمات المنطقة، وفي مقدّمها الأزمتان السورية والعراقية؟

– ما تأثيرات الخطوة الأوروبية على ملف اللاجئين والنازحين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط؟

– ما هي التداعيات السياسية على تفاوتِ نسَب التصويت بين إنكلترا وويلز (الخروج من الاتّحاد) واسكتلندا وإيرلندا الشمالية (البقاء في الاتّحاد) على وحدة المملكة المتحدة نفسِها؟

– ما هي التأثيرات المباشرة للاستفتاء على الاقتصاد البريطاني من جهة، والاقتصاد العالمي من جهة ثانية؟

– في ظلّ المؤشرات إلى تراجعِ القوة الاقتصادية لبريطانيا بعد خروجها من الاتّحاد الاوروبي، من سيَستفيد من هذا الواقع؟

– ما تأثيرات الاستفتاء على الجاليات العربية في بريطانيا؟

– ما مصير الاستثمارات العربية، الخليجية الموجودة حالياً والاستثمارات المستقبلية في بريطانيا؟

– هل ستكون بريطانيا أكثرَ أمناً في ظلّ الخروج من الاتحاد الاوروبي، لا سيّما بعد توقّف مبدأ حرّية التنقّل؟

– في ظلّ تنامي حضور المرشّح الجمهوري دونالد ترامب في الولايات المتّحدة واحتمال فوزه في الانتخابات الرئاسية، هل يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تحالفاً أيديولوجياً أكثر صلابةً بين الولايات المتحدة وبريطانيا؟

– هل يعني قرار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي أنّها ستنكفئ إلى الداخل البريطاني في محاولةٍ لإعادة تحصين الداخل اقتصادياً بالدرجة الاولى، أم أنّه سيتيح لها لعبَ دور أكبر من خلال موقعها المستقل، وخصوصاً حول قضايا المنطقة؟

– ما هو تأثير الخروج البريطاني من الاتّحاد الاوروبي على الملفّ النووي؟

– مَن المتضرّر أكثر من خروج بريطانيا من الاتّحاد الاوروبي، الاتّحاد أم بريطانيا، أليس في هذه الخطوة إضعافٌ للطرَفين ولموقع ودورِ كلّ منهما في كلّ القضايا التي يرتبطان بها، وكيف ستكبَح السلبيات فيما لو تدحرجَت في الآتي من الأيام؟

– أين الولايات المتحدة الاميركية من القرار البريطاني الانفصال عن الاتحاد الاوروبي، هل فوجئَت به، وماذا تعني مسارعة المرشّح الجمهوري ترامب الى الترحيب به؟

– ألا يمكن ان تُعَد خطوة الانفصال، مع ما يترتّب عليها من إرباك الاتحاد الاوروبي، خدمةً جليلة للقيصر الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقف حالياً على خط المواجهة مع الاتّحاد الاوروبي؟

– ألا تخشى بريطانيا من أن يؤدي الانفصال الى نتائج عكسية، فيتأتّى عنه « ضمورٌ « في دورها وفعاليتها من القضايا العالمية، وتراجُع أكثر في اقتصادها وعِملتها. وهل يوسّع الانفصال نفوذَها أم يضيّقه، أم أنّها مطمئنة إلى بقاء دورها وحجمِها على ما هو، وعلى موقعها الذي تقف فيه دائماً خلف الولايات المتحدة الاميركية في العديد من المسائل والقضايا والأزمات، مِثل العراق وسوريا؟

ولقد شكّلَ تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الاوروبي، الحدثَ العالميّ الأبرز بلا منازع، وتشابَكت وتعدّدَت التحليلات والتوقّعات في شأن التداعيات المنتظَرة في المرحلة المقبلة.

وإذا كانت التأثيرات السياسية والاقتصادية ستَظهر تباعاً في الأيام الطالعة، فإنّ الهزّة التي تعرّضَت لها الأسواق المالية العالمية أمس، كفيلة بتسليط الضوء على ضخامة الحدث، حيث سجّلَ الجنَيه البريطاني انخفاضاً تاريخياً وصَل الى نسبة عشرة في المائة، كذلك اهتزّ سعر العملة الاوروبية الموحّدة، واستفاد الذهب كملاذٍ آمن للمستثمرين لكي يسجّل ارتفاعاً ملحوظاً.

في المقابل، أجمعَ الخبراء على التقليل من أهمية تداعيات الحدث على الوضع اللبناني، من دون إخفاء وجود تأثيرات، على اعتبار أنّ لبنان مرتبط، مِثل سواه من البلدان، بالسوق العالمي، وبأسعار الذهب والنفط والدولار. وبالتالي، واستناداً إلى ما جرى أمس، يمكن القول إنّ قيمة احتياطي الذهب الموجود في مصرف لبنان ارتفعت، كذلك ارتفعَت مخاطر تراجُع التحويلات من دول الخليج وبريطانيا، بسبب هبوط أسعار النفط والجنَيه.

أخيراً، تبقى الإشارة الى أنّ الخطر الأكبر يكمن، حسبَ المحللين، في أن يكون خروج بريطانيا مقدّمةً لانسحابات أخرى تؤدّي لاحقاً إلى انهيار الاتحاد الأوروبي بالكامل.

برّي

لبنان رصَد الحدث البريطاني بمحاولةِ قراءة الخلفيات والارتدادات المستقبلية، وفي انتظار جلاء الصورة أكثر لاحقاً، بقيَت المقاربات في دائرة التحليل والتنظير.

في هذا السياق، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لـ»الجمهورية» إنّ الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الاوروبي حدثٌ شديد الاهمّية في أبعاده ودلالاته، وبالتأكيد ستكون له تداعيات وارتدادات.

وردّاً على سؤال عن المستفيد من هذا الموضوع، أعربَ برّي عن اعتقاده بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون في طليعة المستفيدين.

وعندما سئل عمّا إذا كانت للقرار البريطاني تأثيرات على ملفات المنطقة. قال برّي: فلننتظِر بعض الوقت وإلى أين ستذهب الامور، وبالتالي كلّ الأمور تخبِر عن نفسها عندما تحصل.

السفير البريطاني

وذكّر السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر بتصريح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بأنّ «المملكة المتّحدة شاركت للتَوّ في ممارسة ديموقراطية جبّارة، وربّما الأكبر في تاريخنا، إذ قال نحو 33 مليون مواطن من إنكلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية وجبل طارق كلمتَهم»، وبالتالي الشعبُ البريطاني صوَّت للخروج من الاتّحاد الأوروبي وينبغي احترام إرادته».

وقال شورتر لـ«الجمهورية»: «أودّ أن أؤكّد للبنان واللبنانيين أنّ علاقاتنا الممتازة سواءٌ على صعيد التجارة التعليم والأمن لن تتغيَّر»، مُضيفاً: «سنَبقى أصدقاء مثلما نحن منذ فترة طويلة، وسنواصل العملَ من أجل استقرار لبنان وازدهاره».

وستظلّ المملكة المتحدة «خامسَ أكبر اقتصاد في العالم، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وفي مجموعتَي G7 وG20 وحلف شمال الأطلسي، وسنبقى العضوَ الوحيد من بين تلك الفئات الذي يُنفِق 2 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي على الدفاع و0.7 في المئة على المساعدات في مجال التنمية».

المصري لـ«الجمهورية»

مِن جهته، قال أستاذ القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ»الجمهورية»، إنّ تداعيات الحدث أوروبيّة، سياسية واقتصادية، وكذلك عالمية بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد الأوروبي. فالتداعيات السياسية تتمثّل في أنّه كان هناك نوعٌ من أمل أوروبي باعتبار أوروبا أوروبّية كاملة، والآن بات هناك احتمال في أن تُفكّر بعض الدول، ونتيجة استفتاء أيضاً، بأن تعيد النظر في الاتحاد».

وردّاً على سؤالٍ قال: الفارق هو 51,9 في مقابل 48,1، والانفصال حصَل بهذه الاكثرية، لكنّ الأكثرية الضئيلة تُمكّن كاميرون من إبقاء بعض خيوط التواصل مع الاتحاد.

وأعربَ عن اعتقاده في أنّ التخوّفَ البريطاني التقليدي الذي دفعَ هذه النسبة لعدم البقاء في الاتحاد سببُه الأساس التخوّفُ من الإرهاب وتسَلّلُ بعض اللاجئين أو الذين يدخلون بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية بشكل غير قانوني، وهذا تخوُّف مباشر.

أمّا التخوّف غير المباشر، فيتمثّل في أنّ بريطانيا سبقَ لها أن دفعَت ثمناً مع دوَل الكومنولث التي أعطَت بريطانيا بموجبها تسهيلات كثيرة في البداية للذين يأتون إليها من هذه الدول، ما شكّلَ عبئاً كبيراً عليها، الأمر الذي اضطرّها بعد حين، ولكنْ بعد فوات الأوان إلى تنظيم دخول غيرِ بريطانيين إليها، وهي حفظَت الدرس ولا تريد أن تغرق في المحاذير مجدّداً».

وأشار المصري إلى أنّ «الانفصال البريطاني عن الاتّحاد قد يؤثّر على البلاد سلباً بالنسبة إلى الجنَيه الاسترليني، ولكنّه يُحرّرها من جهة أخرى في التواصل مع بقية الدول الأخرى، وربّما يقرّبها أكثر من الولايات المتحدة.

وأضاف: «تبقى هناك أسباب أخرى، فبريطانيا كانت حريصة منذ البدء على الاحتفاظ بثلاث خصائص أساسية، منها البرلمانية البريطانية، فهي لا تقبل بأن يسموَ عليها أيّ تشريع آخر، أوروبّي أم غير أوروبي.

ومنها قوانين العمل، بحيث كانت بريطانيا ولا تزال تخشى من اندماج هذه القوانين مع القوانين الأكثر تسامحاً، بالنسبة لدخول الاجانب، كما أنّ بريطانيا تصرّ على الإسترليني عملةً قوية ليس فقط من أجل تاريخها الماضي كأمبراطورية إنّما من أجل إبقائه مستقرّاً.

طبّارة لـ«الجمهورية»

وقال السفير اللبناني السابق في واشنطن الدكتور رياض طبارة لـ»الجمهورية»: «إنّ التداعيات الأولى لخروج بريطانيا من الاتّحاد الاوروبي هي هناك، في اوروبا وبريطانيا وليس في لبنان.

ورأى أنّ المرحلة ستكون مرحلة إعادة ترتيبات داخلية في أوروبا لكنْ في النهاية اوروبا ستتجاوَز ما حصَل بعد مدة، فسويسرا والنروج خارج الاتحاد وأمورُهما تسير وعملتُهما جيّدة . لذلك الذعر الحاصل مبالَغ فيه، فما يحدث هو مسألة مرحلية.

وأكّد طبارة أنّ القطاع المصرفي في لبنان لن يتأثّر بما حدث كما لم يتأثّر عند وقوع الأزمة المالية الاميركية والاوروبية، لأنّ نظامه المصرفي مستقلّ إلى حدّ كبير عن التطوّرات التي تحصل في الخارج.

لذلك لن تكون هناك تداعيات كبيرة على الاقتصاد اللبناني أو على النظام المصرفي اللبناني. أمّا سياسياً فهناك خضّة في العالم وسيَنشغلون عنّا، فأوروبا ستنشغل بنفسها، وأميركا ستنشغل بأوروبا، لذلك التأثير يتمثّل بانكفاء الاهتمام الدولي عن ملفّ لبنان».

حمادة

وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «الخيار الذي اتّخَذه الشعب البريطاني يدلّ أوّلاً على حالة الانقسام والاضطراب الكبير التي تجتاح اليوم الرأيَ العام في مختلف دول العالم.

أضاف: بريطانيا أعطت عيِّنة عن أزمة عالمية عميقة، اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية، ولو أسفَ الشعب البريطاني بعد حين على ما قرّره بالأمس، إلّا أنّ أشياء كثيرة ستتغيّر، وأوروبا طبعاً لن تكون غداً ما كانت عليه قبل «بريكست»… وكذلك العالم.

سعَيد

وقال منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعَيد لـ»الجمهورية»: «لا بدّ أن نقول إنّ العالم يتغيّر. فقد شهدنا على انهيار الاتحاد السوفياتي وعلى بداية الربيع العربي وعلى بداية الأعطاب التي تبرز في الاتّحاد الاوروبي.

ولا شكّ في أنّ ما جرى في بريطانيا اليوم هو خطوة باتّجاه منحى جديد يأخذه العالم بالاعتبار، بأنّ على كلّ بلد أن يضعَ أولوياته بمعزل عن الآخر. هذا مؤسف، وهذا ينذر بأنّنا دخلنا في مرحلة جديدة وعلينا أن نتنبّه جميعاً، وخصوصاً في لبنان، حتى لا تنعكس هذه الأحداث وتضيف على تعقيداتنا تعقيداً إضافياً.